Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر September 3, 2024
A A A
ختْم التحقيق في وفاة رئيسي: التقرير النهائي لا يخمد التساؤلات
الكاتب: محمد خواجوئي

كتب محمد خواجوئي في “الأخبار”

صدر التقرير النهائي لهيئة التحقيق في أسباب حادثة تحطّم المروحية التي كانت تقلّ الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، والوفد المرافق له، فيما لا تزال هناك علامات استفهام كثيرة حول ما جرى. وقالت الهيئة العليا المكلّفة من قِبل الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، بالتحقيق في حادث تحطّم المروحية الرئاسية، إن الدراسات «الدقيقة والتخصصية» أكدت أن السبب يعود إلى «الظروف المناخية والجوية المعقّدة للمنطقة في فصل الربيع»، والتي أدّت إلى «تشكّل كتلة كثيفة من الضباب المتراكم والمتصاعد إلى الأعلى، وبالتالي ارتطام الطائرة العمودية بالجبل». وفي الـ19 من أيار الماضي، وبعد ساعات من بثّ نبأ لقاءٍ جمعَ الرئيسَين الإيراني إبراهيم رئيسي، والآذربيجاني إلهام علييف، عند نقطة حدودية، حيث دشّنا سدّاً، أعلن وزير الداخلية الإيراني آنذاك، أحمد وحيدي، بدايةً أن المروحية اضطرّت لتنفيذ «هبوط صعب»، فيما اتضح بعد ساعات أنها فُقدت، وبدأت تالياً عمليات البحث للعثور عليها. وفي صبيحة يوم الإثنين، الـ20 من أيار، تم العثور على حطام المروحية على مرتفعات منطقة ورزقان في محافظة آذربيجان الشرقية شمال غربي إيران، وأُعلن أن إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وإمام جمعة تبريز محمد آل هاشم، ومحافظ آذربيجان الشرقية مالك رحمتي، وقائد وحدة الحماية في رئاسة الجمهورية مهدي موسوي، قد لقوا مصرعهم جرّاء الحادث.
وعلى هذه الخلفية، كلّفت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، لجنةً للتحقيق في الحادث، لتقوم الأخيرة بنشر تقريرين سابقين، قبل أن تصدر تقريرها الثالث و»النهائي»، والذي خلصت فيه إلى أن السبب الرئيسي وراء تحطّم الطائرة العمودية للرئيس الراحل، هو «الظروف المناخية». وممّا جاء في التقرير، أن فحص الوثائق والمستندات المتعلّقة بإصلاح وصيانة المروحية، منذ شرائها وخلال فترة استخدامها، يظهر أن جميعها كانت مطابقة لـ»المواصفات القياسية»، و»لم تكن ثمة علامات تدلّ على عملية تخريب في المكوّنات والمنظومات والأجهزة»، علماً أن الطائرة العمودية التي أقلّت الرئيس الراحل، تتبع القوات الجوية للجيش الإيراني. ووفقاً لهيئة التحقيق، فإن المروحية «كانت في المسار الصحيح للطيران، ولم تنحرف عنه».
وفضلاً عن ذلك، تمّت دراسة احتمال استهداف المروحية بواسطة «المنظومات الهجومية والدفاعية والحرب الإلكترونية وتوليد المجالَين المغناطيسي والليزري»، وهو ما تمّ دحضه. كذلك، أكدت هيئة الأركان العامة أن «فحوصات السموم والباثولوجيا» على أجساد القتلى لم تُظهر «أيّ حالة مشتبه فيها». ودحض التقرير حالات أخرى من مثل أعطال مكوّنات الطائرة العمودية، وانحراف الطيار عن المسار، والتخريب في الأجزاء والمكوّنات والمنظومات، إذ أُعلن أنه بعد فحص ودراسة نظام تسجيل الصوت داخل المقصورة، تبيّن أنه «لم يتمّ التبليغ عن أيّ رسالة أو إعلان حالة طوارئ من قِبَل طيار المروحية التي تحطّمت».
لم يتضمّن التقرير أيّ إيضاحات حول سبب عدم تعرُّض الطائرتَين العموديتَين اللتَين كانتا ترافقان مروحية رئيسي لحادث مماثل

وبحسب هيئة الأركان العامة، فإن لجنة التحقيق تشكّلت من متخصصين وخبراء مدنيين وعسكريين، قاموا بدراسة دقيقة وتخصّصية للأبعاد الفنية والهندسية والإلكترونية وظروف الملاحة الجوية للطائرة العمودية التي تحطّمت. وكانت هيئة الأركان ذكرت، في تقريرها الأول حول الحادث والذي نُشر في 24 أيار بالتزامن مع مواراة جثمان رئيسي الثرى، أنه «لم تُشاهَد آثار إصابة قذيفة أو ما شابه في الأجزاء المتبقية من الطائرة العمودية التي تحطّمت». وفي التقرير الثاني الذي نُشر بعد خمسة أيام من ذلك، تم «دحض» نظرية وقوع «تفجير ناجم عن عملية تخريب» والتشويش على الاتصال بالمروحية وآثار «الحرب الإلكترونية» قبل وقوع الحادثة.
ولكنّ التقرير الثالث والنهائي، والذي نُشر بعد 100 يوم من وقوع الحادث، لم يتضمّن أيّ إيضاحات حول سبب عدم تعرُّض الطائرتَين العموديتَين الأخريَين اللتَين كانتا ترافقان مروحية رئيسي ومرافقيه، لحادث مماثل، على رغم مرورهما على الخط نفسه، حيث الظروف الجوية المماثلة. كذلك، يفيد التقرير بأن الطائرة العمودية لم تنحرف عن مسارها، على رغم إشاراته إلى أن سبب السقوط هو ارتطامها بالجبل على خلفية سوء الأحوال الجوية. أيضاً، لا يزال الغموض يكتنف سبب تحليق تلك الطائرة على رغم الإعلان عن الحالة «البرتقالية» (كون الظروف الجوية غير مؤاتية)، بحسب معطيات الأرصاد الجوية الإيرانية المعلنة يوم الأحد، في الـ19 من أيار. ومن هنا، يبدو أن ما نُشر كحصيلة الدراسة النهائية لهيئة التحقيق، يشكّل أجزاء من تقرير أكبر وأكثر تفصيلاً لم يكن من الممكن نشر محتواه كاملاً، لدواعٍ أمنية وسرّية.
ومنذ تحطّم مروحية رئيسي ومرافقيه، أثارت وسائل الإعلام التابعة للحكومة أو «الحرس الثوري»، سيناريوات مختلفة حول سبب هذا الحادث، وحتى الاشتباه في كونه متعمّداً. وفي أحدث مثال على ذلك، ذكرت وكالة أنباء «فارس»، التابعة لـ»الحرس»، في تقرير نشرته في 21 آب الماضي، أنه لم يتم أثناء وقوع الحادث، مراعاة حالتَين من «البروتوكولات اللازمة للمراسم وأمن رئيس الجمهورية». ونقلت عن مصدر مطّلع لم تفصح عن اسمه، قوله إنه تأسيساً على تقارير مؤسسة الأرصاد الجوية، كانت فرق الطيران الخاصة برئيسي ومرافقيه، قد تبلّغت أن التحليق يجب أن يتم قبل الساعة 13:00، بيد أن التأخير أعقبه سوء الأحوال الجوية. وأضاف المصدر الأمني أن الطائرة العمودية التي كانت تقلّ الرئيس الراحل، أقلّت شخصين إضافيَّين خلافاً لما تنص عليه البروتوكولات الأمنية، وهو ما أثّر على رد فعل الطيار أثناء مواجهته الظروف الجوية غير الملائمة.
وبعد ساعات من نشر التقرير المذكور، نفت هيئة الأركان العامة «بقوة» صحته، واعتبرته «مشوّشاً ويفتقد إلى المصداقية»، فيما لم يتضمّن التقرير النهائي لهيئة التحقيق، أيّ إشارة إلى وزن الطائرة العمودية. وكانت «فارس» ذكرت، نقلاً عن مصدرها، أن نحو 30 ألف شخص خضعوا بعد وفاة رئيسي لـ»التحليل الأمني والاستخباري»، إذ تظهر معطيات هذه التحقيقات أن «أيّ عامل مشتبه فيه» لم يكن له ضلع في الحادث. وسلّطت صحيفة «الجمهورية الإسلامية» الصادرة في طهران، بدورها، في الـ23 من أيار، الضوء على التكهنات حول احتمال وجود «مؤامرة أجنبية» في تحطّم مروحية رئيسي، وكتبت: «انتشار الإمكانات العسكرية والاستخبارية والاتصالاتية لإسرائيل في الجدار الحدودي لجمهورية آذربيجان، يعزّز احتمال ضلوع إسرائيل في حادث تحطّم طائرة رئيسي».