Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر July 16, 2019
A A A
مزايدات سياسية واعلامية… تسوية «على الطريقة اللبنانيّة»
الكاتب: ناجي س. البستاني - الديار

بدعوة من رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه برّي، تنطلق من المجلس النيابي اليوم، أولى الجلسات النيابيّة العامة لمُناقشة مُوازنة العامة 2019 ومُلحقاتها، والتي من المُتوقّع أن تستمرّ على مدى ثلاثة أيّام مُتواصلة. وإضافة إلى إعتصام «حراك العسكريّين المُتقاعدين» حول المجلس النيابي وعلى الطرقات المحيطة به، والذي يُنتظر أن يُؤثّر سلبًا على الأجواء، خاصة في حال قرّر «المُتقاعدون» الذهاب بعيدًا في خيار منع وُصول النوّاب إلى المجلس، أو في حال ذهبت القوى الأمنيّة بدورها بعيدًا في قمع حراك «المُتقاعدين»، لا تُوحي التوقّعات والتسريبات بشأن المُناقشات التي ستشهدها أروقة المجلس، بأن يتمّ إقرار المُوازنة بشكل سلس وهادئ. فما هي المَعلومات المُتوفّرة في هذا السياق؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ رئيس الحكومة سعد الحريري مع إقرار المُوازنة في أسرع وقت مُمكن، وبأقلّ ضوضاء مُمكنة، في ظلّ توافق من وراء الكواليس، مع لجنة المال والمُوازنة النيابيّة برئاسة النائب إبراهيم كنعان، بأنّ هذه المُوازنة والتعديلات التي تمّ إدخالها عليها خلال مُناقشات اللجنة، هي أفضل المُمكن. واضافت أنّه بالنسبة إلى مسألة قطوعات الحساب الخاصة بالسنوات السابقة، والتي كان رئيس مجلس النوّاب قد شدّد على ضرورة وُصولها إلى الهيئة العامة قبل إقرار المُوازنة، فإنّ إنقطاع جلسات مجلس الوزراء وعدم توفّر هذه القُطوعات بصيغتها النهائيّة أصلاً، يُرجّح الذهاب إلى تسوية «على الطريقة اللبنانيّة»، أي لجهة الإجازة للمجلس النيابي بإقرارها من دون قطع الحساب أو الإكتفاء بقطع حساب سنة واحدة، على أن تتعهّد الحُكومة بمُعالجة هذه الثغرة القانونيّة خلال مهلة زمنيّة محدودة، تُحوّل في نهايتها ما هو مطلوب من قطع حسابات!
ورأت الأوساط نفسها أنّ تخطّي مُشكلة قطع الحساب، لا يعني أنّ إقرار المُوازنة سيتمّ بسلاسة وهدوء، حيث أنّ حزب «الكتائب اللبنانيّة» وعددًا من النوّاب المُستقلّين سيشنّون حملات إعلاميّة عنيفة على بنودها، في إطار لعب دور المُعارضة والتصويب على كل «أهل السُلطة». وأضافت أنّ المُفارقة اللافتة تتمثّل في إستعدادات من جانب أحزاب مُمثّلة في السُلطة التنفيذيّة، للإنقضاض على العديد من بُنود المُوازنة، بحجّة أنّ الحُكومة لم تأخذ بمُلاحظات وزراء هذه الأحزاب على طاولة المجلس، علمًا أنّ النقل التلفزيوني المُباشر للنقاشات يُغري الكثير من النوّاب لمُحاولة دغدغة المطالب الشعبيّة!وفي هذا السياق، توقّعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أن يُؤيّد نواب حزب «القوات» بعض البُنود الواردة في المُوازنة، وأن يرفضوا بُنودًا أخرى لإفتقارها للنفس الإصلاحي، ولأنّها لا تصبّ في خانة إنقاذ الوضع الإقتصادي المُتردّي. ومن المُرتقب أن يطالب نوّاب «القوات» في مُداخلاتهم بضرورة وقف التهريب وإقفال المعابر غير الشرعيّة، وبإشراك القطاع الخاص بفعاليّة في إدارة بعض المؤسّسات العامة، وبوقف التوظيفات العشوائيّة. واشارت الأوساط نفسها إلى أنّ «الحزب التقدمي الإشتراكي» سيتجه بدوره إلى مُعارضة العديد من بنود المُوازنة، وهو سيُركّز على الأخطاء المُتمثّلة برأيه في عدم إعتماد الضريبة التصاعديّة، وكذلك في عدم إعادة النظر في تخمينات الأملاك البحريّة، إلخ.
وتوقّعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أن لا تقتصر المُداخلات النيابيّة المُعترضة – جزئيًا أو كليًا، على المُوازنة، على نوّاب المُعارضة، وعلى كتلتي «القوات» و«الإشتراكي» فحسب، حيث ستشمل أيضًا مُداخلات لنوّاب من «حزب الله» يُتوقّع أن يُجددوا خلالها رفضهم لفرض ضريبة على البضائع والسلع المُستوردة من الخارج، لأنّ هذا الأمر يُعتبر عبارة عن ضريبة مُقنّعة على القيمة المُضافة، وسيزيد من تضخّم الأسعار، وسيُؤثّر سلبًا على قُدرات المُواطن الشرائيّة. كما سيتمسّك نوّاب «الحزب» أيضًا برفض أي ضريبة على المعاشات التقاعديّة لأي قطاع من القطاعات. وأضافت أنّ عددًا من نوّاب «التيّار الوطني الحُرّ» سيعترضون على بعض الزيادات غير المُبرّرة على مُستوى الإنفاق، وسيتحفّظون على إستمرار دعم الدَولة ومُساهمتها لصالح جمعيّات مُعيّنة لا رقابة رسميّة على مصاريفها.
وتوقّعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ تتحوّل مُداخلات العديد من النوّاب خلال جلسات مُناقشة المُوازنة إلى مُزايدات سياسيّة وإعلاميّة، تهدف من جهة إلى رفع المسؤوليّة عن الأوضاع الإقتصاديّة المُتردّية أمام الرأي العام اللبناني، وتهدف من جهة أخرى إلى توجيه الرسائل السياسيّة للقوى المُنافسة، وتصعيد الضُغوط في إطار الحروب المُتبادلة لعرقلة عمل هذا الوزير أو ذاك، لأهداف سياسيّة وإنتخابيّة في كثير من الأحيان، بعيدًا عن التضامن الحُكومي والعمل كفريق واحد ومُنسجم، كما يُفترض أن يكون! وختمت الأوساط كلامها بالقول إنّ مُوازنة العام 2019 ستُقرّ في نهاية المطاف، لكنّها ستعبر أوّلاً مخاضًا شديدًا، وهي بالتأكيد لن تتمتّع بأغلبيّة واسعة بل بأغلبيّة عدديّة ضعيفة، على الرغم من أنّ التوافق قائم خلف الكواليس على تمريرها، وذلك لأنّ المُجتمع الدَولي يُراقب التطوّرات عن كثب، وسُقوط المُوازنة في المجلس، يعني تجميد كل مُساعدات وقروض مُؤتمر «سيدر»، بما يُنذر بالإنهيار الشامل وبالتالي بسُقوط الهيكل على الجميع!