Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر December 21, 2021
A A A
افتتاحية “البناء”: رفض بري لـ «الدوران حول الزوايا» دفع للحديث عن صفقة ورفض واستقالة؟
الكاتب: البناء

ضرب المنخفض السياسي الذي حملته عاصفة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهو يغادر مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري غاضباً، الوسطين السياسي والإعلامي، وغلب التسويق السياسي والتنجيم السياسي على المعلومات حول حقيقة ما جرى، وتسبب بعاصفة حجبت عاصفة الطقس التي حملتها منخفضات جوية باردة في مناطق الجبل والساحل، ومن الروايات المسربة والمسوقة أن صفقة تتصل بإقالات لعدد من القضاة رفض الرئيس بري الجانب الذي يخصه منها وهو إقالة القاضي علي إبراهيم مقابل إقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، كانت السبب، لكن هذا يفترض أن يكون الرئيس ميقاتي حامل التسوية وصاحبها، بينما كلام ميقاتي الغاضب جاء بكلمات معاكسة، نحن غير معنيين بها، ما يستدعي أن يكون ثمة صفقة اكتملت بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، يعترض عليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ونفي هذه الرواية لا ينفي حقيقة أن الرئيس بري لا يمانع بأن يقبل المجلس الدستوري الطعن الذي قدمه التيار الوطني الحر ضد تعديلات قانون الانتخابات، طالما أن قضية احتساب النصاب ليست من صلاحيات المجلس الدستوري وتدخل في نطاق تفسير الدستور التي تعتبر باعتراف المجلس الدستوري من اختصاص مجلس النواب، وموقف بري غير الممانع يعني أنه لن يقوم بالضغط لتعطيل نصاب جلسة المجلس الدستوري اليوم، وتعطيل النصاب اللازم للانعقاد او التصويت يعني اللاقرار، أي اعتبار تعديلات القانون نافذة، وإذا سار كل شيء كما هو متوقع وصدر قرار المجلس الدستوري وأعاد الانتخاب الاغترابي إلى دائرة خاصة بالمغتربين، فالذين راهنوا على تغيير كبير ينتظرونه من التصويت الاغترابي سيجدون سبباً لتفسير فشلهم الانتخابي، وبالتوازي القلقون من هذا التصويت سيشعرون بالارتياح، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر، وهذا يساعد على خلق مناخ إيجابي بين حركة أمل والتيار بخلاف الأجواء التي سادت خلال الأيام الماضية، لكنه لا يكفي لإنجاز تسوية حول الملف القضائي، الذي ينتظر جلسة الخميس لمحكمة التمييز التي ستنظر في طلبات الرد المحالة أمامها.

مصادر سياسية ربطت غضب ميقاتي بمحاولته استثمار زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، لتهريب جلسة للحكومة، تحت عنوان جلسة مستقطعة يعلق خلالها الثنائي شروط المشاركة لمرة واحدة، ويتم خلال الجلسة الطويلة اتخاذ القرارات التي وعدت الحكومة بإنجازها، ولا مانع من العودة بعدها للمقاطعة، بانتظار معالجة الملف القضائي عبر فتح مسار الملاحقة أمام المجلس النيابي، وتقول المصادر إن ميقاتي قدم دعوته باعتبارها تدويراً للزوايا، وقالت المصادر إن بري اعتبر الدعوة دوراناً حول الزوايا وليس تدويراً لها، ورفض التلويح بالعقوبات، وقالت إن الجلسة المستقطعة تشبه الحمل المستقطع، سائلة هل تعود العذراء عذراء بعد الحمل لمرة واحدة، وأضافت أن المطلوب شيء واحد وهو حل شرعي ودستوري للملف القضائي وليس صفقة ولا تسوية ولا تدويراً ولا دوران، وألمحت المصادر إلى أن فشل ميقاتي دفع به إلى تسريب حكاية الاستقالة ثم نفيها بعدما وصلت الرسالة التي عبر عنها الخروج الغاضب من عين التينة، والرسالة ليست لعين التينة ولا لبعبدا، بل للخارج الدولي عبر غوتيريش لتمييز ميقاتي عن عون وبري، والقول إنه حاول وفشل، على أمل استثنائه من العقوبات إذا كان هناك وجود لمشروع عقوبات جدي.

وفيما انشغلت المقار الرئاسية باستقبال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حفلت وسائل الإعلام بأخبار وإشاعات عن تسوية كانت تطبخ بعيداً من الإعلام بين بعبدا وعين التينة، تقضي بعقد جلسة لمجلس الوزراء تبدأ بإقالة قضاة الصف الأول بمن فيهم رئيس المجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار والمدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، إلا أن التسوية سقطت بعدما رفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن تشمل التسوية القاضي إبراهيم، فيما أفيد بأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفض أي تسوية لم يشارك بها، وقد لوحظ خروج ميقاتي مسرعاً بعد لقائه الرئيس بري في عين التينة، إذ أجاب بغضب على سؤال عما إذا نجحت «الصفقة» الجاري العمل عليها بالقول: «نحن غير معنيين بهذا الموضوع».

وفي المقابل وضعت مصادر مراقبة موقف ميقاتي في خانة المناورة لتحييد نفسه والحكومة عن تسوية تنحية القاضي بيطار لئلا تستجلب الغضب الأميركي والخليجي عليها، إلا أن مصادر نيابية مطلعة لـ«البناء» أشارت إلى أن «الأجواء تراوح مكانها، وما يشاع عن تسوية أو صفقة غير صحيح، إلا في الأجواء الإعلامية، وبخاصة ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، وما أراد البعض أن يسربه لغاية في نفسه، وما قيل عن توافق أطراف التسوية لا أساس له وأبعد ما يكون عن الحقيقة». إلا أن مصادر ميقاتي لفتت إلى أن «الاجتماع لم يكن بالايجابية التي يتوقعها ميقاتي».

وبعد موقف ميقاتي من عين التينة، سرت معلومات عن توجهه إلى بعبدا لتقديم استقالته من الحكومة، ولم يعرف مصدر هذه المعلومات، علماً أن مصادر كل من بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي نفت لـ«البناء» هذه المعلومات، مشيرة إلى أن الحكومة باقية حتى الساعة والعمل جارٍ مع مختلف الأطراف للتوصل إلى صيغة توافقية لاعادة استئناف جلسات مجلس الوزراء لمواصلة معالجة الأزمات المتعددة، وأي كلام آخر غير صحيح. فيما أبدت مصادر أخرى لـ«البناء» استغرابها الشديد حيال إشاعة هذه الأخبار وما الهدف منها، متسائلة كيف يستقيل ميقاتي فيما الأمين العام للأمم المتحدة لم يغادر بيروت؟ موضحة أن الحد الأدنى من اللياقات الدبلوماسية تقتضي أن ينتظر ميقاتي غوتيريش ليغادر لبنان ليعلن استقالته إذا كان ينوي ذلك، علماً أن مواقفه التي أطلقها في مؤتمره الصحافي لا توحي بذلك. إلا إذا كان مصدر المعلومات هو ميقاتي نأسه للضغط على عون وبري للتراجع عن التسوية، وذلك بعدما وصل إلى مسامعه أن التسوية باتت منجزة، فهدد بالاستقالة، لادراكه أن أي قرار من مجلس الوزراء يطيح بالقاضي بيطار سيعرض ميقاتي والحكومة إلى ضغط وعقوبات، كون الأميركيين وكذلك الفرنسيين يغطون عمل بيطار، فيما واشنطن ودول أخرى تريد استثمار هذا الملف القضائي حتى النهاية لمآرب سياسية ولا تريد اقفاله.

لكن مصادر ميقاتي عادت وعممت على وسائل الإعلام نفي أي حديث عن الاستقالة، كما كشفت مصادر ​بعبدا​ عن تواصل حصل مساء أمس بين ميقاتي ورئيس الجمهورية ​ميشال عون​، أكدا أن الكلام عن الاستقالة غير صحيح. ولفتت المصادر إلى أن «التواصل مستمر بين جهات سياسية وميقاتي بانتظار ما ستودي به الأمور». كما أكدت أوساط عين التينة لـ«البناء» أن «لا صحة لما تم تداوله حول ما سمي بالتسوية والصفقة ولا صحة لاستقالة الحكومة». كما نفت أوساط بعبدا والتيار الوطني الحر أي مقايضة ممكنة على حساب العدالة. علماً أن معلومات سربت بأن عون طلب أن تشمل التسوية إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلام، بعدما تكاثرت الدعاوى عليه بتهمات الفساد في الداخل والخارج.

ولاحقاً أشار المكتب الاعلامي لميقاتي في بيان حول الاجتماع الذي عقده مع بري في عين التينة، إلى أنه «كرر موقفه المبدئي برفض التدخل في عمل القضاء بأي شكل من الأشكال، أو اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة أو بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق، كما كرر ميقاتي وجوب أن تكون الحلول المطروحة للاشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مناطة بأحكام الدستور من دون سواه، من دون أن يقبل استطراداً بأي قرار يستدل منه الالتفاف على عمل المؤسسات»، ولفت البيان إلى أن ميقاتي أبلغ هذا الموقف إلى عون وبري، «وهو موقف لا لبس فيه على الاطلاق. كما أن دولته مستمر في مهامه وفي جهوده لحل قضية استئناف جلسات مجلس الوزراء، وأي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطاً فقط بقناعاته الوطنية والشخصية وتقديره لمسار الأمور. فاقتضى التوضيح».

وكان ميقاتي أعلن في دردشة مع الصحافيين صباح أمس في ما يتعلّق بتعطيل الحكومة، أنه لا يزال يُفضّل التريّث على المواجهة. وقال: «الدعوة إلى الجلسة من دون توافق بين الوزراء أمرٌ غير محبّذ، ولن أذهب باتجاه سيناريو يضعنا أمام استقالات من الحكومة، «بتصير المطبات والألغام السياسيّة موجودة دائماً». وعن تحقيقات انفجار المرفأ، قال ميقاتي إن «موقف الحكومة واضح فنحن لا نتدخّل بالقضاء العدلي، ولكن على الأخير احترام الأطر الدستورية أيضاً، ونعم أنا مع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فكما الجيش يحاكم أمام المحكمة العسكرية يحاكم الوزير أمام محكمة خاصة أيضاً».

وأشار مصدر سياسي لـ«البناء» إلى أن «الحلول للأزمة الحكومية مجمدة ورحلت إلى العام الجديد، في ظل تصلب المواقف والتعقيدات الاقليمية والدولية، التي ترخي بظلالها على المشهد الداخلي، متوقعة أن تستمر الأجواء السلبية حتى الانتخابات النيابية، حيث أن الاميركيين وحلفائهم سيمارسون أقصى الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية وسياسة العقوبات، لمزيد من الحصار على حزب الله، والضغط على الطبقة السياسية واستثمار القضاء والأزمات النقدية والمالية لتغيير الأغلبية النيابية وخلق نظام جديد يطبّق الشروط الخارجية في الملفات السيادية».

في موازاة ذلك، تتجه الأنظار إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر قراره النهائي اليوم حيال الطعن المقدم من تكتل لبنان القوي بتعديلات قانون الانتخاب، وأفادت مصادر قضائية إلى أن «أحد أعضاء ​المجلس الدستوري​ بدل رأيه لصالح قبول الطعن، خصوصاً أنه من الممكن أن يكون هذا التبديل قد أمن 7 أصوات، أي الأغلبية التي يحتاجها قبول الطعن».

في غضون ذلك، واصل الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش أمس جولته على المرجعيات الرئاسية، وجدد تمسّكه بضرورة الاقلاع عن الخلافات السياسية وإجراء الانتخابات النيابية واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، معرباً عن استعداده للمساعدة في إحياء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

وجال غوتيريش على مرفأ بيروت واطلع على الأضرار التي لحقت به جراء انفجار 4 آب، ومن ثم توجه إلى عين التينة فاستقبله الرئيس بري، الذي اعتبر أن «إسرائيل لم تنفذ القرارين اللذين يتكلمان عن وقف الانتهاكات الحربية، وهي لا تريد دوراً للامم المتحدة في أي مهمة تتعلق بالجنوب اللبناني، لا سيما في موضوع الحدود البحرية، علماً أن هذا الموضوع تكلمنا فيه ونريده برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة الأميركيين، ومعروف أن الشركات التي تم تلزيمها تؤخر الموضوع بسبب حجج أمنية وحتى الآن لا يزال هناك مماطلة في هذا الموضوع ما يؤثر على الاقتصاد». بدوره، قال غوتيريش: «نعمل كل ما بوسعنا من أجل تسهيل المفاوضات والوصول إلى حلّ من أجل ترسيم الحدود البحرية للاستفادة من نفطهم».

ثم انتقل غوتيريش إلى السراي الحكومي وعقدا اجتماعاً موسعاً، جدد خلاله ميقاتي «تأكيد التزام لبنان سياسة النأي بالنفس عن أي خلاف بين الدول العربية، وأنه لن يكون في مطلق الأحوال، إلا عامل توحيد بين الاخوة العرب، وحريصًا على أفضل العلاقات مع كل أصدقائه في العالم». أما غوتيريش فقال: «سمعتُ من ميقاتي التزام الحكومة بأن تجري المفاوضات مع صندوق النقد والتزامها بإجراء عدد من الاصلاحات الإدارية والمالية اللازمة، لكي يتمكن لبنان من الاستفادة من الإمكانات المتاحة في ظل الدعم الدولي المتاح اليوم، مّا يضمن البدء بتحقيق نوع من التعافي».

وأشارت مصادر مطلعة على المباحثات التي أجراها غوتيريش لـ«البناء» إلى أن «زيارته أكدت تضامن المجتمع الدولي مع لبنان في أزمته العميقة، وأن لبنان لا يزال محل اهتمام الأمم المتحدة، وكذلك حرصهم على الأمن والاستقرار والسعي لمساعدته في مختلف الصعد لاستعادة نهوضه»، وأوضحت المصادر إلى أن «غوتيريش بحث جملة من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا سيما الاصلاحات الأساسية المفترض أن تقرها الحكومة والمجلس النيابي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وإجراء الانتخابات النيابية وتطبيق القرارات الدولية، لا سيما 1701 وترسيم الحدود البحرية»، ولفتت المصادر إلى «رسائل متعددة ومباشرة من الزيارة، أولًا للشعب اللبناني، حيث أنه غير متروك لمصيره، وكأن الأمم المتحدة تسعى أن لا ينهار لبنان الانهيار النهائي لأن لبنان غير متروك لقدره وللأزمات التي يعيش بها ويوجد نوع من المساعدة وهي مساعدة سياسية وغير سياسية له، تمثلها الأمم المتحدة لكي يقف لبنان على قدميه، ويتخطى الصعوبات الكبيرة التي يعيش بها».

إلا أن أوساطاً مطلعة لفتت لـ«البناء» إلى أن زيارة غوتيريش تمت بطلب من الأميركيين ومن خلفهم الاسرائيليين، للبحث بملف ترسيم الحدود وجس نبض المسؤولين عن مدى إبرام تسوية لملف الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة ومع سورية، مع ترتيبات أمنية تتعلق بأمن اسرائيل عبر وقف اطلاق النار، لا سيما وأن القرار 1701 ينص على وقف الأعمال الحربية، لا وقف اطلاق النار، وبالتالي لا زال الوضع على الحدود في حالة حرب، وربما ينفجر الوضع في أي لحظة وسط مخاوف يعبر عنها المسؤولون الإسرائيليون من حرب قد يشنها حزب الله على «إسرائيل» لأسباب عدة منها تحرير مزارع شبعا». واعتبرت الأوساط أن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة تأتي لتمهيد الأجواء أمام زيارة الموفد الأميركي إلى لبنان بشأن ملف ترسيم الحدود أموس هوكشتاين لإعادة إحياء المفاوضات، وسط معلومات تتحدث عن أنه يحمل في جعبته اقتراحات جديدة لحل هذا الملف.