Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر October 20, 2020
A A A
افتتاحية “النهار”: لا إرجاء للإستشارات… وأجراس الإنهيارات تقرع!
الكاتب: النهار

في بلد باتت فيه رحلة مريض الكورونا تنذر برحلات الموت، كتلك الفاجعة التي أودت بمريض لم يحالفه الحظ بوجود سرير خال لانقاذه في أربعة مستشفيات بين بيروت والشمال ففارق الحياة… يفقد كل كلام آخر عن الملفات السياسية وغيرها أي جدوى ومضمون، فكيف ومتى أصبحت السياسة مرادفة للفضائحية الدائمة المكشوفة والتخلي المرعب عن المسؤوليات حيال الانسان اللبناني المصلوب؟

وسط تصاعد أسوأ الظروف والمعاناة المتنوعة اقتصاديا وماليا واجتماعيا ومعيشيا، ووسط انزلاق لبنان بكل ما للكلمة من معنى الى النموذج الوبائي الكارثي الذي عرفته دول عدة في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية، لا تزال “أسطورة” السياسة اللبنانية تتمثل في دوامة التساؤلات المحيرة: هل تراها تجري الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة المرجأة من الخميس الماضي الى الخميس المقبل ام يطاح بها تكرارا؟ يجري هذا وقصص المآسي التي باتت تتكرر في يوميات الناس من مثل المرضى الذين لا يعثرون على أسرة ولا على أدوية تنتظر ترف الذين يتمهلون في بت الاستحقاق الحكومي ولا يزالون يخضعونه لحسابات مرحلة ما قبل الانهيارات اللبنانية وما قبل الكوارث اللبنانية وما قبل تفشي كورونا. واذا كان كل ذلك لم يكف ولن يكفي، فماذا عن اكثر النداءات اثارة للرعب الحقيقي أطلقته عصر امس الهيئات الاقتصادية يكاد يشكل الصرخة الأخيرة ما قبل لفظ القطاع الخاص اللبناني أنفاسه الأخيرة اسوة بشهيد الكورونا الذي لم يعثر على سرير الاحتضار؟

في أي حال بدا لافتا للغاية ان تسابق التداعيات الخارجية لتأخير التكليف والتأليف وتصاعد أنباء الفضائح السياسية اللبنانية التي تسد طريق الانفراج الحكومي، مجريات المماحكات الداخلية بدليل تزامن الموقف الفرنسي الجديد امس مع اتصال مفاجئ لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وكذلك كلام نوعي لصندوق النقد الدولي محفز على استعجال الحكومة. مجمل هذه المعطيات معطوفة على أجواء الاحتدامات الاقتصادية والاجتماعية تضع الساعات الثماني والأربعين المقبلة الفاصلة عن موعد الاستشارات المرجأة في عين العاصفة علما ان لا معطيات تكفي للجزم باي اتجاه حاسم نهائي وهو امر مثير للمزيد من التخوف والتشويش.

غير انه فيما كانت أوساط بعبدا كانت تؤكد امس وتكرارا ان موعد الاستشارات النيابية الملزمة باق الخميس ومن دون تأجيل، اتسم المشهد السياسي بجمود بل بانقطاع شبه كامل لكل التحركات والاتصالات التي من شأنها ان تحرك البحث عن مخارج. ولذا ابدت أوساط سياسية معنية بالمأزق شكوكا واسعة في مرحلة التأليف اذا مر خميس التكليف من دون ارجاء، باعتبار ان تكليف الرئيس سعد الحريري سيكون محسوما بأكثرية تتجاوز الـ 70 نائبا. ولكن ذلك لن يكفل توافر أي ضمانات من شانها استعجال حلحلة عقد التأليف، علما انه اذا كانت عقدة التكليف حاليا تبدو كأنها حصرا بالعهد والتيار العوني، فان الانتقال الى التأليف سيضاعف العقبات متى اصبح حلفاء العهد أيضا شركاء في الاشتراطات والمطالب والمساومات. ورغم تأكيدات بعبدا ان الاستشارات في موعدها برزت معطيات منسوبة الى أوساط 8 آذار تتحدث عن انه ربما يكون لدى الرئيس عون ما يقوله قبل الخميس. اما في ما يتعلق بالزيارة التي كان يزمع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم القيام بها لباريس بعد واشنطن فتؤكد المعلومات ان ابرهيم لم يكن مكلفا بمهمة رسمية فيها. ولكن الزيارة ألغيت مساء بعدما تبينت إصابة اللواء ابرهيم بفيروس كورنا وهو في واشنطن.

 

عون وبومبيو
ومع ان الاتصال الذي تلقاه رئيس الجمهورية ميشال عون من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لم يتطرق الى الوضع الحكومي وفق المعلومات الرسمية التي وزعتها بعبدا عن الاتصال، فان توقيته بعد أيام من زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر للبنان، أكسبه دلالات قد لا يكون الاستحقاق الحكومي الذي تستعجله واشنطن، وكما سبق لشينكر ان اكد ذلك بعيدا عنه. وأفادت المعلومات ان بومبيو عرض خلال الاتصال للعلاقات اللبنانية الأميركية ومفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وشكر عون الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة كوسيط مسهل للتفاوض، مؤكدا ان لبنان مصمم على الحفاظ على حقوقه وسيادته في البر والبحر. وابلغ بومبيو عون ارسال بلاده مساعدات لاعادة اعمار الأحياء التي تضررت في بيروت نتيجة الانفجار في المرفأ في 4 آب الماضي. ولاحقا اصدرت الخارجية الأميركية بيانا حول اتصال بومبيو بالرئيس عون. ووفق البيان، استذكر بومبيو الذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات 17 تشرين الأول.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتطلع إلى تشكيل حكومة لبنانية تكون ملتزمة وقادرة على تطبيق الاصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى فرص اقتصادية وحكم أفضل ووضع حد للفساد المستشري.

 

… والخارجية الفرنسية
وتزامن ذلك مع موقف فرنسي جديد من الازمة الحكومية في بيان أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية وانتقدت فيه التأخير في تشكيل الحكومة. وقالت انه “في الوقت الذي يتضرر فيه لبنان على نحو متزايد من الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي فاقمتها عواقب الانفجار الذي وقع في 4 آب، لا يزال ثمة تأخر في تشكيل حكومة ذات مهمات محددة قادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة رغم الالتزامات التي أكدتها مجددا القوى السياسية اللبنانية كافة التي تقع عليها وحدها المسؤولية عن هذه العرقلة المطولة التي تحول دون تلبية التطلعات التي اعرب عنها المواطنون اللبنانيون”. ودعت “جميع القادة السياسيين اللبنانيين الى تحمل المسؤوليات التي تقع على عاتقهم” مؤكدة “استعداد فرنسا لمواكبة لبنان في سبيل الإصلاحات باعتبارها السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله حشد جهود المجتمع الدولي. ولذا يتعين على المسؤولين اللبنانيين ان يتخذوا أخيرا خيار النهوض بدل الشلل والفوضى فالمصلحة العليا للبنان والشعب اللبناني تتطلب ذلك”.

وقد برز في هذا السياق، اعلان صندوق النقد الدولي مجددا انه على أتم الاستعداد لمساعدة لبنان كما صرح بذلك مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور. وقال “نتطلع الى الحكومة المقبلة والخطوة الأولى ان تقدم الحكومة برنامج إصلاحات شاملا وموثوقا به يساعد في معالجة المشاكل الاقتصادية والمالية المتعددة التي يواجهها لبنان”. ولفت أزعور الى ان “هذا البرنامج يجب ان يكون مدعوما من مختلف الأطراف وموجها لاعادة الثقة والاستقرار الاقتصادي” مؤكدا ان “الصندوق جاهز للمشاركة في المناقشات مع الحكومة الجديدة للحصول على دعم مالي”.

 

النداء – الإنذار
في أي حال فان التداعيات المتمادية لتأخير تشكيل الحكومة الجديدة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي اتخذت طابعا بالغ الخطورة في مضمون النداء بل نفير الإنذار والخطر الفائق الذي دقته مجددا الهيئات الاقتصادية امس . وبعد اجتماع طارئ عقدته اطلقت الهيئات “نداء استغاثة لإنقاذ لبنان ” محذرة من ان كل الازمات والتراجعات التي سجلت حتى الآن “ليست الا البداية وسنصل الى مرحلة ستنعدم فيها السيولة بالعملات الصعبة ويرتفع سعر صرف الدولار من دون سقوف وتندثر القدرة الشرائية وتتعطل كل محركات الاقتصاد …”. وطالبت بالسير نحو تشكيل حكومة منتجة فورا مناشدة السياسيين “ألكف عن الممارسات السلبية وإنتاج الحلول وملاقاة المبادرة الفرنسية “.