Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر June 24, 2022
A A A
افتتاحية “الجمهورية”: رحلة شاقة للتأليف .. والمعارضون الى الإسـتحقاق الرئاسي دُر
الكاتب: الجمهورية

إنتهى التكليف وبدأ التأليف ليواجه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مرحلة شاقة لبلورة الحكومة العتيدة سريعاً «لأننا لم نعد نملك ترف الوقت»، حسبما قال، مُعلناً مَد اليد للجميع، وداعياً ايّاهم الى «التعاون لوضع لبنان في اقصى سرعة على مَشارف الحلول المنتظمة». وهو سينطلق في استشاراته النيابية والسياسية غير الملزمة للتأليف بعد ظهر الاثنين والثلاثاء المقبلين يستتبعها باستشارات سياسية، فيما بَدا انّ القوى التي لم تسمّه تتجاوز موضوع التأليف الى التركيز على التحضير لخوض معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستبدأ مهلتها الدستورية مطلع ايلول، حيث تنتهي ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في نهاية تشرين الاول المقبل.

أظهَر تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مجددا تشكيل حكومة انّ التفاهمات المسبقة لا تزال سيدة القرار في العمل السياسي اللبناني، وإن أدرجَ البعض الـ٥٤ صوتاً التي نالها ميقاتي في خانة «التكليف الضعيف» إلّا انه استفاد من تشتت المعارضة وعدم اجماعها على قرار موحد من جهة، ومن جهة ثانية اكد رغبته في تحمّل المسؤولية وخبرته في ادارة الازمات وشجاعته في لعب دور الانتحاري، وهي صفات سجّلت له نقاطاً على اي مرشح منافس له يتملّكه خوف كبير من ان تبتلعه رمال لبنان المتحركة اذا لم يكن له سند قوي اقليمي ودولي، وهذا هو الحال في ظل تَرك لبنان لقدره…

 

ودعت مصادر سياسية واكبت الاستشارات الى التوقف عند «اشارات في منتهى الاهمية» أفرزتها المواقف السياسية للكتل النيابية، وقالت لـ»الجمهورية» انّ «اصطفاف الكتل وتَوزّع الاصوات هو مَدار نقاش وقراءة معمقة: أولاً الحزب التقدمي الاشتراكي سمّى نواف سلام، «القوات اللبنانية» لم تسمّ، «حزب الله» سمّى ميقاتي، لا صوت درزيا سجّل في خانة ميقاتي، تَمايز في موقف تكتل «لبنان القوي» بخروج النائب محمد يحيى عن قراره مسمياً ميقاتي، كذلك نواب الارمن الثلاثة، انقسام نواب التغيير (١٠-٣)، حصول ميقاتي على عدد جيد من اصوات النواب السنة وعلى ١١ صوتاً من الاصوات المسيحية… اما الاخطر، تضيف المصادر، فهو انّ المنافس الاقوى لميقاتي كان «اللاأحد»، اي اذا كان هذا اللاأحد هو المرشّح x لكان من الممكن ان تطيح المعارضة بمرشح السلطة وتتحوّل الى اكثرية لأنّ أوراق اللاأحد بلغت ٤٦، اي بفارق ٨ اصوات عن ميقاتي، ولو أُعطي 30 منها لنواف سلام لكان يمكن ان يصبح الاخير رئيساً مكلفاً».

 

وحول الميثاقية، اكدت المصادر انّ «الميثاقية هي فقط في التأليف لا في التكليف ولا في الثقة بالحكومة، وهذا الامر سقط من الاهتمامات في احتساب نوعية الاصوات وتوزّعها على الطوائف، فوحده التشكيل يحتسب على الميثاقية الثابتة عرفاً وحتى دستوراً كمناصفة».

 

وإذ رأت المصادر «انّ سيناريو التأليف يمكن ان يمون على غرار حكومة تصريف الاعمال الحالية»، تخوّفت في الوقت نفسه من «ان يشكّل آخر توقيع لعون في عهده قبل ان ينهي ولايته عائقاً امام ولادة الحكومة اذا لم يتفاهم ميقاتي مع باسيل، وهنا نكون قد دخلنا في أزمة صلاحيات وفراغ مفتوح على مستوى كل السلطات».

 

ميقاتي الرابع

 

وقالت مصادر الفريق الذي سمّى ميقاتي لتأليف الحكومة لـ«الجمهورية» انه مع المجلس النيابي الجديد بات معروفاً انّ منطق الارقام في الاختيارات اصبح من زمن الماضي، وبالتالي باتت العبرة في تثبيت النجاح وليس في عدد الارقام، وهذا ما انطبقَ على يوم الانتخابات الطويل في مجلس النواب، اي على انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس، كذلك تكرّس هذا الامر في انتخابات رؤساء اللجان النيابية واعضائها والمقررين، حيث انتصر التوافق على لغة الارقام.

 

امّا الواقعة الثالثة فكانت في «الاستشارات النيابية الملزمة امس التي انتهت بتسمية ميقاتي الذي فرضَ نفسه خياراً متقدماً غير قابل للكسر». وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ بوانتاجات عدة أجرتها «القوات اللبنانية» مع حلفائها الاقليميين على مدى الايام الثلاثة التي سبقت يوم الاستشارات وظهرَ فيها ميقاتي متقدماً على السفير نواف سلام بأكثر من 5 اصوات. ويضاف الى ذلك اتصالات مصرية ـ اردنية أدّت الى مغادرة خيار هزيمة جديدة محققة لـ«القوات» وحلفائها، وهذا ما أدى الى قرار سريع بالتراجع عن خيار المواجهة وترك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خياره وحيداً مع حزب الكتائب و10 نواب تغييريين بعد ان تم توريطه ابتداءً».

 

واضافت هذه المصادر انّ ميقاتي الذي فُوجىء بموقف جنبلاط الذي أيّد نواف سلام، فإنه على رغم من ذلك ومن ملاحظات جنبلاط على اداء حكومته الاخيرة، واعتماداً على إمساكه، أي جنبلاط، بورقة الميثاقية الدرزية كاملة وتَفهّماً منه (اي ميقاتي) للاحراج الذي طبعَ الخيارات الجنبلاطية الاخيرة، فإنه من الواضح انه سيتم تجاوز واقِع ما جرى وسيَحتكر جنبلاط التمثيل الدرزي في الحكومة الجديدة اذا قُدّر لها ان تشكّل».

 

ورأت المصادر نفسها «أنّ «القوات» بخيارها تحاول ان تحافظ على هوامش تعطيل بادعاءاتها انها ترغب في ان تمثّل وهي في هذه الخطوة تحافظ على حضورها في مواجهة «التيار الوطني الحر» وتمنع احداً من الاستئثار بالتمثيل المسيحي، وفي الوقت نفسه تكون مساهمة في عرقلة حكومة ميقاتي، و«القوات» بهذه الطريقة تبقى على تماس مع معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي تشكّل الهَم الاكبر لدى رئيسها الدكتور سمير جعجع غير المقتنع بأنه فقدَ فرصته في الوصول الى رئاسة الجمهورية».

 

امّا على صعيد التيار الوطني الحر فتقول المصادر «انّ موضوع «التيار الوطني»، والذي يمكن ان يكون المخرج له اعادة إنتاج الحكومة الحالية مع بعض التغييرات في الاسماء المسيحية والسنية والدرزية، وهذا يُمَكّن حكومة ميقاتي، اذا ولدت، من ان تتجاوز الامتحان الاصعب على طريق الولادة وهو توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم تأليفها».

 

ولفتت المصادر ايّاها الى «ان ليس هناك من شك في انّ الاصوات الـ 26 للثنائي الشيعي والاصوات السنية الـ 16 مقرونة بدعم الرئيس سعد الحريري هي الاساس الصلب الذي اتّكَأ عليه ميقاتي الرابع للعودة الى رئاسة الحكومة. وفي المحصّلة هزيمة جديدة تلقّاها «السياديون» و«التغييريون» في المجلس الجديد مُضافاً اليهم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تَجرّع الهزيمة إماّ بِفَخ، او بقرار ذاتي من نفسه، وهذه النتيجة مع ما سبقها تؤكد ان موازين القوى الحقيقية هي التي تحكم توازنات البرلمان الجديد».

 

إرتياح في بعبدا

 

وفي نهاية اليوم الطويل أبدَت مصادر قريبة من رئيس الجمهورية لـ«الجمهورية» ارتياحها الى انجاز الاستحقاق الدستوري الخاص بالاستشارات النيابية الملزمة، والذي تم وفق الترتيبات التي وضعت لهذه الغاية وانتهت الى ما انتهت اليه بطريقة طبيعية جداً لم تحمل اي مفاجآت على الاطلاق.

 

وقالت هذه المصادر انّ رئيس الجمهورية وجّه الى الذين استشارَهم سؤالاً واحداً: من تسمّون لتأليف الحكومة العتيدة؟ وكانت الاجوبة متطابقة مع ما أعلن من على منصة القصر الجمهوري امام الاعلاميين.

 

وعمّا رافق بعض اللقاءات، قالت المصادر انه أثناء لقاء عون والنواب «التغييريين» الذين شاركوا في وفد واحد كما رغبوا ذلك وليس بمِثل ما تَضمّنه برنامج الاستشارات، سَمع منهم كلاما واضحا. وعندما أبلغ انّ 10 منهم سمّوا سلام من أصل 13، طلبَ عون منهم تسمية مَن رفض هذه الصيغة، فأبلغ بالأسماء الثلاثة لتدوينها على لائحة عدم التسمية.

 

4 نواب شاركوا كتابياً

 

وكشفت المصادر لـ«االجمهورية» انّ بعض الكتل النيابية التزمت بما يقول به النص الدستوري، وحملت كتباً شخصية ورسمية من النواب الذين غابوا عن وفودهم الى الاستشارات لأسباب مختلفة، إمّا بداعي السفر أو بداعي المرض. وهم 4 نواب من كتل مختلفة: فريد البستاني من كتلة «لبنان القوي»، النائب ستريدا جعجع من كتلة «الجمهورية القوية»، النائب وليم طوق من كتلة «التكتل الوطني المستقل»، وعلي المقداد من كتلة «الوفاء للمقاومة». وقد التزم كلّ منهم موقف كتلته النيابية. ولَمّا لم يلتزم النائب اللواء اشرف ريفي بمثل هذه الخطوة اعتبر مقاطعاً للاستشارات.

 

نتيجة الاستشارات

 

وكان المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير قد اعلن بعد انتهاء الاستشارات أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبعد أن التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعه على نتائج الإستشارات النيابية الملزمة، استدعى ميقاتي الى اللقاء لإبلاغه ايّاها وتكليفه تشكيل الحكومة.

 

وقد أفضت نتيجة الإستشارات إلى نَيل ميقاتي 54 صوتاً، مقابل 25 صوتاً لنواف سلام، ونالَ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري صوتاً واحداً، والدكتورة روعة الحلاب صوتاً واحداً، فيما امتنعَ عن التسمية 46 نائباً.

 

الفرص المتاحة

 

وفي كلمة له من القصر الجمهوري بعد تكليفه دعا ميقاتي الجميع الى التعاون «على إنقاذ وطننا وانتشال شعبنا مما يتخبّط فيه، لأنّ مسؤولية الإنقاذ مسؤولية جماعية وليست مسؤولية فرد». واعلن مَد اليد «إلى الجميع من دون إستثناء». وقال: «الوطن في حاجة اليوم إلى سواعدنا جميعاً. لن تنفعنا حساباتنا ومصالحنا وانانياتنا اذا خسرنا الوطن». وأكد أنّ «المهم اليوم أن نَعي أنّ الفرَص لا تزال سانحة لإنقاذ ما يجب إنقاذه. نحن قادرون معاً على انتشال البلد من أزماته». داعيا الى «أن نضَع خلافاتنا واختلافاتنا جانباً ونَنكَبّ على استكمال الورشة الشاقة التي تتطلّب أن نضعَ أمامنا انقاذ شعبنا ووطننا كهدف واحد أوحد»، مشيراً الى «اننا لم نعد نملك ترف الوقت والتأخير والغرق في الشروط والمطالب. أضعنا ما يكفي من الوقت وخسرنا الكثير من فرَص الدعم من الدول الشقيقة والصديقة، التي لطالما كان موقفها واحداً وواضحاً: «ساعدوا أنفسكم لنساعدكم».

 

وقال: «لقد أصبحنا أمام تحد الانهيار التام أو الأنقاذ التدريجي إنطلاقا من فرصة وحيدة باتت متاحة أمامنا في الوقت الحاضر. على مدى الاشهر الماضية دخلنا باب الانقاذ من خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووقّعنا الاتفاق الاولي الذي يشكّل خريطة طريق للحل والتعافي، وهو قابل للتعديل والتحسين بمقدار ما تتوافَر معطيات التزام الكتل السياسية، وعبرها المؤسسات الدستورية، بالمسار الاصلاحي البنيوي».

 

واستعجلَ ميقاتي التعاون مع المجلس النيابي «لإقرار المشاريع الاصلاحية المطلوبة قبل استكمال التفاوض في المرحلة المقبلة لإنجاز الاتفاق النهائي مع صندوق النقد وبدء مسيرة التعافي الكامل». وكرّر القول «إنه من دون الاتفاق مع صندوق النقد لن تكون فرص الانقاذ التي ننشدها مُتاحة، فهو المعبر الأساس للانقاذ، وهذا ما يعبّر عنه جميع اصدقاء لبنان الذين يُبدون نية صادقة لمساعدتنا».

 

ودعا «جميع القوى السياسية» الى «لحظة مسؤولية تاريخية. لحظة نتعاون فيها جميعاً لاستكمال مسيرة الإنقاذ الفعلي بأقصى سرعة»، مشدداً على «تجاوز كل اسباب الانقسامات والرهانات التي دمّرت مجتمعاتنا واقتصادنا وضربت مؤسساتنا». وتوجّه الى اللبنانيين قائلاً: «لا خلاص لوطننا إلا بتكاتفنا وتآزرنا»، ومؤكداً «أن لبنان لن يموت، وهو سيتغلب على مِحَنه».

 

مقارنة

 

وفي مقارنة لاستشارات الامس مع استشارات التكليف لتأليف الحكومات السابقة في عهد الرئيس ميشال عون، فإنّ الرئيس سعد الحريري نال 112 صوتًا عند تكليفه في 3 تشرين الثاني 2016 وألّف حكومة استقالت في أيار 2018 بسبب الإنتخابات النيابية. ثم نال 111 صوتاً عند تكليفه في 24 أيار 2018 وشكّل حكومة استقالت إثر ثورة 17 تشرين في العام 2019. ثم كُلّف الرئيس حسان دياب بـ 69 صوتاً في 19 كانون الأول 2019 وشكّل حكومة استقالت في 10 آب بعد انفجار مرفأ بيروت. بعده كُلف السفير مصطفى أديب بـ 90 صوتاً لكنه لم يتمكّن من تشكيل الحكومة. ثم كلّف الحريري مجدداً بـ 65 صوتاً إلّا أنّه أيضاً لم يَتمكن من تأليف حكومته، ليُكلّف ميقاتي بعده بـ 72 صوتاً واستقالت حكومته التي تصرّف الاعمال حالياً في 21 أيار الفائت إثر إنجازها الانتخابات النيابية وتسلّم المجلس النيابي الجديد مهماته.

 

هنية في بعبدا

 

على صعيد آخر علمت «الجمهورية» انّ رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية سيزور قصر بعبدا اليوم للقاء رئيس الجمهورية، في إطار زيارته للبنان التي بدأها قبل يومين والتقى خلالها المسؤولين اللبنانيين الكبار والامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، وترأس سلسلة اجتماعات لكوادر حركة «حماس» في بيروت، والتقى عدداً من قيادات الفصائل الفلسطينية في لبنان، خصّصت للبحث في أوضاع الحركة والفلسطينيين في لبنان.