Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر August 29, 2020
A A A
منسيّون في «بلد العسل والبخور»: العمال الأجانب… قنبلة موقوتة أخرى في بيروت
الكاتب: رضا صوايا - الأخبار

لم يفرّق انفجار المرفأ، في ضحاياه وأضراره، بين لبناني وآخر ولا بين جنسية وأخرى. رغم ذلك، تصرّ ممارسات أفراد وجمعيات وجهات رسمية عدة – عمداً أو من دون قصد – على التمييز بين الضحايا والمتضررين، وخصوصاً ضد العمال الأجانب، وتحديداً القادمين من دول إفريقية وآسيوية ممن يعيش الآلاف منهم في العراء منذ وقوع الفاجعة. هؤلاء، ما من أحد يسأل عنهم: لا الدولة العاجزة أساساً عن رعاية مواطنيها، ولا دولهم التي تخلّت عنهم وأوصدت في وجههم أبواب قنصلياتها وسفاراتها، ما يجعل منهم قنبلة اجتماعية تنذر في حال تأخر الحلول بانفجار قد يصعب ضبطه.

مشكلة العمالة الأجنبية (غير العربية) بدأت بالتفاقم منذ ما قبل الانفجار، وتحديداً منذ تسارع الأزمة الاقتصادية والمالية وانهيار سعر صرف الليرة، ما دفع بالكثير من أرباب العمل إلى «رمي» (حرفياً) عمالهم في الشوارع، بحجة عدم قدرتهم على دفع مستحقاتهم بالدولار، علماً بأن كثيرين من هؤلاء لم يتقاضوا مستحقاتهم منذ أشهر (وفي بعض الحالات منذ أكثر من سنة). وجاء الانفجار ليزيد من حجم هذه الكارثة الإنسانية، وخصوصاً أن المناطق المتضررة كانت تضم تركزاَ ضخماً لليد العاملة الأجنبية.
«ما من أرقام دقيقة لدينا حول أعداد العمال الأجانب الذين أصبحوا بلا مأوى» بحسب محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، لافتاً الى «أننا كنا نسعى جاهدين قبل وقوع الانفجار إلى معالجة وضع العمال الذين تخلى عنهم أرباب عملهم ورموهم في الشوارع. وقد بادرنا لهذه الغاية إلى توقيع اتفاقية مع منظمة اليونيسف لتحسين شروط إيوائهم ومعيشتهم وترحيلهم. كما كنا نخطط لبناء مركز لاستقبالهم… إلى أن حلت الكارثة التي عرقلت هذه الجهود». عبّود أقر بأن «الدولة لم تتعامل، حتى اللحظة، بالشكل المناسب مع هذا الملف الإنساني الشائك». إلا أن الأمر «لا يعود مطلقاً لأسباب عنصريّة أو لعدم اكتراث بوضعهم المأسوي، بل لضعف الإمكانات في ظل مصيبة بهذا الحجم. فنحن بالكاد قادرون على التعامل مع الفاجعة التي ألمّت باللبنانيين».
تقدر فرح بابا، مسؤولة التواصل في «حركة مناهضة العنصرية»، أعداد العمال الأجانب الذين أصبحوا بلا مأوى بالآلاف، وما يزيد من صعوبة تحديد أعدادهم بدقة «افتقاد كثيرين منهم لأوراق ثبوتية ووضعهم القانوني غير الشرعي، ما يعزز مخاوفهم ويحول دون تواصلهم مع الجهات الرسميّة. أضف إلى ذلك أنه، حتى اللحظة، لا يزال العديد من العمال الأجانب يرمون في الشوارع من قبل أرباب عملهم، حتى إن بعض سكان المناطق المتضررة تخلّوا عن العاملين لديهم ليلة وقوع الانفجار»!
البابا لفتت إلى «غياب أي استراتيجية جدية وواضحة للتعامل مع هذا الملف، وجميع المبادرات في هذا المجال يقودها أفراد جمعيات، كل منها بشكل مستقل، ومن دون أي تعاون بينها. في بعض الحالات، تبرع لبنانيون بمسكن مجاني للعمال المتضررين، وفي حالات أخرى حصلت حملات تبرع لتأمين كلفة إيجار شقق لإيوائهم». ونبّهت إلى أنه «رغم أن عدداً كبيراً منهم انتقلوا للعيش مع أصدقاء لهم في مناطق أخرى، إلا أن كلفة هذا الأمر كبيرة جداً، إنسانياً وصحياً، إذ أنهم أساساً يعيشون بشكل مكتظّ في مساحات ضيقة، وهو ما قد يشكل خطراً إضافياً مع تفشي فيروس كورونا وعدم قدرتهم على الاحتفاظ بأي مسافات آمنة أو توفير غرف منعزلة لمن يصاب منهم».
عبود، من جهته، حذّر من «أن إهمال هذا الملف يشكل قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة في بيروت، وخصوصاً إذا طال أمد المعالجة ولم يعد في إمكان العمال الصبر وتحمل وضعهم». الأسوأ أن ممارسات بعض الأفراد والجمعيات تساهم في تعزيز حالة الاحتقان بين العمال الأجانب الذين يشعرون بالتمييز تجاههم، وبـ«تهميش يطالهم لناحية المساعدات الغذائية والألبسة ومواد التنظيف، وفي بعض الحالات تعرّض البعض منهم لاعتداءات جسدية»، بحسب البابا.
المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدولة اللبنانية، بل إن «أغلب دول هؤلاء العمال غير مبالية بوضعهم، وسفاراتهم وقنصلياتهم غائبة عن السمع»، بحسب البابا، مشيرة الى أن غالبية هؤلاء من «إثيوبيا وكينيا وبنغلادش وغامبيا وسريلانكا والكاميرون وسيراليون». وقد ساهم الضغط الإعلامي في تحريك بعض القنصليات، إلا أن «مبادراتهم لا تزال ضعيفة ومحدودة. فيما أغلب العمال يريدون العودة إلى بلادهم، ولا يكترثون بالحصول على مستحقاتهم التي حرم كثيرون منها لأشهر وسنوات».
أما المأساة الأكبر فتكمن في عدد العمال الأجانب الذين لا يزالون في عداد المفقودين ولا معلومات دقيقة عن أعدادهم أو عن هوياتهم. وبحسب محافظ بيروت، فإن «رجال الإنقاذ يرجحون بأن هناك مفقودين من العمال الأجانب لا أحد يدري بهم كونهم دخلوا بطريقة غير شرعية ولا يملكون أوراقاً ثبوتية»، فيما تقول البابا إن «معلوماتنا تشير إلى وجود ثلاثة مفقودين من العمال الأجانب من جنسيات غير عربية، لكننا نرجح أن يكون العدد الفعلي أكبر».