Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر November 21, 2019
A A A
المهمات العاجلة لأيّ حكومة جديدة
الكاتب: زياد حافظ - البناء

الفوائد والسيولة
في المقال السابق عرضنا الأولوية الأولى لحكومة الإنقاذ المرتقبة وهي معالجة خدمة الدين العام. والأولوية الثانية تكمن في مقاربة أسعار الفوائد وتداعياتها على السيولة التي بدورها تؤثّر على سعر الصرف. فالفوائد التي فرضها مصرف لبنان خالفت قواعد السوق وتمّ تحديدها بشكل استنسابي دون الانتباه إلى التداعيات القاتلة على الاقتصاد الوطني.
أولاً: الفوائد المرتفعة تزيد من كلفة الدين الذي بلغ أرقاماً قياسية وبالتالي هناك ضرورة لتخفيضها.
ثانياً: الفوائد المرتفعة تجعل كلفة الاستدانة لتمويل المشاريع الاقتصادية المنتجة مرتفعة جدّاً بشكل لا يتناسب مع المردود المتوقّع لمشروع اقتصاد يحمل بعض المخاطرة. فلماذا يقدِم المستثمر على الاستثمار في مشروع يحمل تلك المخاطر وبإمكانه الحصول على مردود مقبول دون أيّ مخاطرة؟ كذلك الأمر ينطبق على المصرفي، فلماذا يتحمّل مخاطر إقراض المستثمرين بينما يستطيع أن يؤمّن مدخولاً أكثر من مقبول من التوظيف في سندات الخزينة ودون أيّ مخاطرة؟
ثالثاً: وهنا الأخطر، إنّ سياسة الفوائد المرتفعة على سندات الخزينة أدّت إلى سحب السيولة من التداول، وبالتالي الإجراء الطبيعي الأولي هو تخفيض الفوائد لإعادة السيولة لتمويل حاجات الناس وخاصة النشاط الاقتصادي. طبعاً، المناخ المضطرب في لبنان لا يشجّع على الاستثمار ولكن لا بدّ من خلق بيئة مالية تستطيع أن تعيد العجلة الاقتصادية إلى دورها الطبيعي. تخفيض الفوائد من الإجراءات التي يجب أن تتخذ بسرعة.
رابعاً: السيولة المطلوبة مرتبطة بمعالجة موازنة الدولة التي هي مصدر الدين العام. فالعجز المتراكم في الموازنة لا يمكن أن يستمرّ. وإبراز موازنة متوازنة، أيّ موازنة لا تزيد النفقات على الواردات، ممكنة. فموازنة 2019 كانت تحمل عجزاً أكثر من 6 بالمئة من الإجمالي، ولكن سرعان ما تبخّر العجز بعد الأيام الأولى للانتفاضة. السيولة تعود عندما تنخفض النفقات، ومعظمها من الهدر، وليس من الرواتب كما يحلو للبعض، وتزيد الواردات عبر ضبط الحركة الجمركية حيث التهرّب منها بحماية السلطة أصبحت مرتفعة جدّاً. لا داعي للدخول في سجال حول يقين الأرقام حول قيمة التهريب لأنها تقديرات وإنْ كان بعضها مبالغاً بها لتحقيق غرض سياسي في عرضها. لكن نشير هنا إلى التهريب، مع الاعتداء على أملاك الدولة، ومع النفقات غير المشروعة كبدلات إيجار لأبنية للحكومة بأسعار خيالية، إضافة إلى التسيّب في ضبط واردات الخلوي، فهي كفيلة بتوفير القسط الأكبر من السيولة المطلوبة.
خامساً: السيولة المنتقصة في الدولار يجب أن تختفي. فالطلب على الدولار لتسديد فواتير المحروقات والخلوي على سبيل المثال غير مبرّر. فالفواتير يجب أن تحرّر بالليرة اللبنانية كذلك الأمر للعديد من الفواتير كالمطاعم مثلاً والمشتريات من السوبرماركت. ليس مقبولاً أن تقوم التبادلات الاقتصادية والمالية في لبنان خارج إطار الليرة اللبنانية. هذا يخفف بشكل ملحوظ الطلب على الدولار وبالتالي على السيولة. أيضاً هنا، المناخ المضطرب يجعل من الدولار عملة ملاذ آمن بعد فقدان الثقة بأداء المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والماليين في لبنان. فالطبقة السياسية والقطاع المصرفي بشقّيه الرسمي والخاص مسؤولون عن الحالة التي وصل لبنان إليها.
سادساً: التخفيف من الاستيراد وخاصة في الكماليات والتخفيض من تصدير الدولارات من قبل الأسر التي تستقدم مستخدمين خطوات لا بدّ من أن تتخذ. ففرض التعرفة الجمركية المرتفعة على الكماليات ضرورة على الأقلّ في الظروف الراهنة. كما أنّ التشديد في ضبط حركة استيراد اليد العاملة للخدمة في المنازل والتي تستنزف من السيولة في الدولار أمر لا بدّ منه. بعض التقديرات أنّ التحويلات لخادمات المنازل تصل إلى ما يقارب ملياري دولار سنوياً. السؤال هل هذا الإنفاق ضروري في الظروف الراهنة؟
ومن ضمن الإجراءات التي تضبط السيولة هو أن تقوم الدولة بشكل مباشر في استيراد المواد الأساسية كالمحروقات دون المرور بوسطاء وسماسرة. فيمكن التعاقد مع دول مستعدّة لتوفير المحروقات وبتسهيلات بالدفع وحتى ربما بالعملة اللبنانية. فالاستغناء عن السماسرة يساهم في تخفيض الكلفة على المستهلك، كما أنّ التسهيلات في الدفع تخفّف من الضغط على السيولة في لبنان.
سابعاً: لا يمكن الاستسهال بدور الضغوط الأميركية على الدولة اللبنانية وعلى مفاصل الاقتصاد. لكن لهذه الضغوط حدود لا تستطيع الولايات المتحدة تجاوزها إذا كانت لا تريد دفع لبنان إلى الخيارات الجذريّة التي تقطع العلاقة مع الغرب. فالفوضى التي تسعى إلى خلقها في لبنان لها كلفة كبيرة على المصالح الأميركية مباشرة وغير مباشرة. فعلى سبيل المثال هناك عدد من المصارف اللبنانية تملكه مؤسّسات أميركية وازنة لن ترضى بخسارة استثماراتها. لذلك من مهام حكومة الإنقاذ المرتقبة معالجة الضغوط الأميركية بشكل يحفظ مصالح الجميع من دون الرضوخ للإملاءات الخارجية.
خبير اقتصادي وأستاذ جامعي سابق وأمين عام سابق للمؤتمر القومي العربي