Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر October 14, 2019
A A A
الحكومة مُحاصرة والإصلاحات «مكانك راوح».. البنك الدولي وماكرون قد يضعان «فيتو»
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

على ما يبدو ان مشروع موازنة العام 2020 سيُقر دون اصلاحات تذكر، مما ينذر ان الرئيس ماكرون والبنك الدولي قد يضعان «فيتو» كبيراً على مقررات مؤتمر «سيدر». فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وبعد إقرار الموازنة سيمتعض جداً، وقد لا يعود متحمساً ابداً لدفع الاموال الموعود بها لبنان، رغم ان مقررات مؤتمر «سيدر 1» نصّت على اعطاء لبنان 11 ملياراً ونصف المليار، وان لبنان سيتسلم هذا المبلغ بعد إقرار الإصلاحات اللازمة.
اذاً، الحكومة مُحاصرة! نعم إنها محاصرة من أربع جهات: مصالح مكوّناتها، ضغط المجتمع الدوّلي، الإحتجاجات الشعبية، ووضع المالية العامّة. وعلى الرغم من التفاؤل الذي يُحاول رئيس الحكومة وبعض وزرائها بثّه في الإعلام، إلا أن الحقيقة المرّة أنه وبعد مرور أكثر من شهر على إجتماع بعبدا المالي الإقتصادي، ما زال ملف الإصلاحات «مكانك راوح»!
الإصلاحات أصبحت معروفة كلّها ولم تعدّ تنفع الأوراق الإقتصادية التي تُقدّم من منطلق أن ورقة بعبدا المالية الإقتصادية والتي وافق عليها كل مكونات الحكومة تحوي على مُعظم الإصلاحات الواجب القيام بها. إذًا لماذا لم تستطع لجنة الإصلاحات الوزارية برئاسة الرئيس الحريري حتى الساعة إقرار إصلاحات ورفعها إلى مجلس الوزراء لإقرارها في مشروع الموازنة أو إقرارها في مشروع قانون بالتوازي مع الموازنة.
ولعل أكثر أوجه الضغط على الحكومة هو الإحتجاجات الشعبية والإضرابات التي أصبحت بوتيرة أسبوعية وحتى شبه يومية. فاليوم يُضرب أصحاب الأفران إحتجاجًا على بيعهم الطحين بالدولار الأميركي، كذلك إمتنعت محطات البنزين عن بيع المحروقات الأسبوع الماضي لنفس السبب. أما على صعيد الإحتجاجات، فقد تظاهر أمس طلاب من الحزب الشيوعي أمام مصرف لبنان رفضًا لسياسة المصارف ورفضًا لسياسية الحكومة في فرض ضرائب على المواطنين، كما قام مواطنون بإقفال طريق بيروت – صيدا في الناعمة رفضا لمطمر النفايات. وقبلها قام ناشطون في حزب سبعة بالدخول إلى المجلس النيابي في محاولة لإيصال رسالة إلى النواب حول دورهم الرقابي في الحفاظ على المال العام. واليوم تشهد ساحة الشهداء مظاهرة دعت إليها منظمة الشباب التقدمي تنطلق من ساحة الكولا دفاعًا عن الحريات.
غياب الإصلاحات
مشروع موازنة العام 2020 مثلما رفعه وزير المال علي حسن خليل تمّ إقراره بالكامل مع بعض التعديلات التي طالت الأرقام مثل رفع قيمة الدعم للكهرباء وتخفيض إعتمادات المحروقات، الأثاث والمفروشات في بعض موازنات ومؤسسات الدوّلة.
هذه التعديلات تُبقي عجز الموزانة المُتوقّع تقريبًا بنفس المستويات مع إرتفاع طفيف نتيجة رفع دعم مؤسسة كهرباء لبنان أي ما يُقارب 7.5%، إلا أن مُشكلة هذا الرقم تبقى في القدرة على تنفيذها وهو ما أثبتت موازنة 2018 أنه غير قابل للتطبيق وكذلك الأمر بالنسبة لموازنة العام 2019. فعجز موازنة السنة السابقة يلعب دورا كبيرا في تحديد عجز السنة الحالية نظرًا إلى أن إنتقال هذا العجز من سنة إلى سنة هو أمر تلقائي في غياب إصلاحات جذرية.
المعلومات التي صرّح بها وزير المال، تُشير إلى أنه تمّ التوافق في لجنة الإصلاحات الوزارية على مشروع قانون ضمان الشيخوخة، مشروع قانون الجمارك، مشروع القانون الضريبي، ومشروع قانون الشراء. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك لم يتمّ حتى الساعة إقرار هذه المشاريع في مجلس الوزراء!
في الواقع، الخلافات السياسية هي التي تقف وراء عدم إقرار الإصلاحات وهذا الأمر لا يجب إنكاره! كأن كل شيء مُرتبط بتوافق مُعيّن يطال ملفات عدّة منها الملف السوري المُستجدّ والذي من المرجّح أن يُعاود خلق إنقسام عامودي بين مكونات الحكومة. فمن جهة هناك القوات اللبنانية، الحزب الإشتراكي، قسم من وزراء المُستقبل يُعارضون أي تواصل مباشر مع الحكومة السورية، ومن جهة أخرى هناك التيار الوطني الحرّ، حزب الله، المرده، حركة أمل الذين يؤيّدون التواصل الرسمي مع الحكومة السورية. وبالتالي من الواضح أن أي إعادة طرح للموضوع في مجلس الوزراء سيكون له تداعيات على عمل الحكومة. ولم يُخفّف موقف وزير الخارجية خلال الإجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية من الإنقسام، بل على العكس ردّ المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء على خطاب باسيل بالقول أن الخطاب يعكس وجهة نظر وزير الخارجية وليس الموقف الرسمي الذي حدّده البيان الوزاري.
كما يُشكّل موضوع العقوبات والموقف منها وطريقة التعاطي معها محور خلاف أخر تواجهه الحكومة اللبنانية. وما أزمة الدولار التي إندلعت في الأسواق إلا وجه من أوجه التباعد في التعاطي مع العقوبات الأميركية والتي من المتوقّع أن تأخذ منحى جديداً إبتداءً من الأسابيع المقبلة.
أيضًا هناك تباعد على طريقة حلّ مُشكلة تأمين مداخيل سريعة للخزينة اللبنانية للأسباب التي طرحناها أعلاه والمُتعلّقة بقدرة الدوّلة على تحصيل الإيرادات بالكامل وعدم تخطّي الإنفاق المُتوقّع. فهناك توجّه بين بعض أعضاء الحكومة (أي بعض القوى السياسية) إلى فرض ضرائب رشح أنها قد تصل إلى 39% على ضريبة الدخلّ، وأكثر من 17% على الضريبة على القيمة المُضافة! هذا الأمر يُعارضه بعض القوى السياسية المُشاركة في الحكومة وعلى رأسها حزب الله الذي رفع السقف عاليًا برفضه أي ضرائب جديدة على المواطنين وبالتالي هناك حائط مسدود أمام إقتراح رفع الضرائب.
وبالتزامن يعلو صوت القوات اللبنانية المُعارضة لطريقة مُناقشة الإصلاحات حيث صرّح الدكتور سمير جعجع أنه «بعد شهر من الإجتماعات التي عقدتها لجنة الإصلاحات الوزاريّة لا نزال في المكان نفسه وهم جل ما يقومون به هو وعدنا ببعض الإصلاحات الدفتريّة؟». وبحسب الوزير ريشار قيومجيان «الحل للخروج من نفق الازمة السياسية والاقتصادية المستعصية بسيط، وهو الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فكل الاعباء التي تتحملها الخزينة معروفة المصدر كقطاع الكهرباء او كمشاريع البنى التحتية والطرقات».
ولاقى الحزب الإشتراكي، موقف القوات اللبنانية في منهجية التعاطي مع الإصلاحات من خلال تصريح النائب بلال عبد الله الذي غرّد على التويتر بقوله: «يتوجب التعاطي بحذر شديد مع كل ما من شأنه المس بالاستقرار الاجتماعي والمعيشي للمواطنين، تحت شعار إصلاح أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعية، بخاصة بعد ما سمعناه من طروحات مستفزة ومقلقة لمن اعتصم باسم التجار، في ظل تغييب دور الحركة العمالية والنقابية».
هذا ويعقد مجلس الوزراء جلسة عند الرابعة من بعد ظهر اليوم في السراي الحكومي وذلك لمتابعة درس مشروع موازنة 2020. ويسبق هذه الجلسة، إجتماع للجنة الإصلاحات الوزارية برئاسة الرئيس الحريري. هذا الأخير كان قد صرّح من دار الإفتاء بعد إدلائه بصوته في إنتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في بيروت والمناطق اللبنانية كافة، أن «إن شاء الله ستقر الموازنة، وسيتبعها سيل من الإصلاحات، والقرارات التي تريح البلد». وهذا الأمر يؤكّد أن هناك صعوبات جمّة تواجه الإصلاحات وهناك شبه إستحالة لإقرارها مع الموازنة حيث سيتمّ التعاطي معها على «القطّعة».
على كل الأحوال، هذا الأسبوع هو أسبوع حاسم لمشروع موازنة العام 2020، حيث من المتوقّع أن يتمّ التوافق على الحدّ الأدنى من الأمور التي سيتمّ ضمّها إلى مشروع الموازنة تحت طائلة دعوة لجنة الإصلاحات الوزارية إلى إجتماع في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وحضور رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
فضيحة الفيول
في سياق أخر، كشف الوزير السابق وئام وهاب في مقابلة على شاشة المنار، أن الدولة اللبنانية تستورد الفيول منذ 20 عامًا وذلك من شركة «سوناتراك». وقال وهاب أن هذه الشركة هي شركة وهمية غطاء لشركة أخرى تستورد الفيول مع زيادة سنوية بالكلفة بقيمة 40% أو ما يوازي 300 مليون دولار أميركي يتمّ توزيعها على جيوب منتفعين ومنهم 5 زعماء في لبنان!
وإذ ناشد وهاب تكليف أحد القضاة الذين يثق بهم التحقيق بهذا الأمر، أبدى إستعداده للإدلاء بشهادته إلى القضاء وإعطاء معلومات عن الصندوق الذي تذهب إليه هذه الأموال وأسماء الأشخاص المستفيدين منه.
وإذا ما إعتمدنا على تصريح الوزير وهاب، فإن حجم السرقة التي طالت خزينة الدولة على مدى 20 عامًا هي 6 مليار دولار أميركي!!! فهل ستقوم الدوّلة اللبنانية بالتحقيق بهذا الأمر واسترجاع الأموال المنهوبة في حال ثبت الأمر؟
زيادة المخاطر
على كل الأحوال، الأجواء السائدة في لبنان لا توحي بالثقة خصوصًا من الناحية المالية والإقتصادية خصوصًا مع توقّعات ببلوغ العجز الـ 6 مليار دولار أميركي في نهاية هذا العام. فهذه الأجواء تضرب ثقة المجتمع الدولي في لبنان وتدعم سيناريو تخفيض تصنيف لبنان مما سيُغيّر وجه لبنان المالي والإقتصادي في حال وصلنا إلى أخر هذا العام من دون إصلاحات خصوصًا على صعيد الكهرباء والجمارك والتهرب الضريبي…. من هذا المُنطلق، نرى أن إستمرار تعطيل الإصلاحات المنصوص عليها في ورقة بعبدا المالية الإقتصادية (من أي جهة أتت) هو أمر لا يخدم الصالح العام.
لذا يبقى على هذه القوى التركيز على الفساد الذي يعصف بلبنان على كل المستويات، لأن هذا الأمر هو الوحيد الكفيل بتأمين مداخيل سريعة لخزينة الدولة من دون إلحاق الضرر بالمواطنين والشركات. للتذكير فإن حجم الخسائر التي يُكبدّها الفساد على الخزينة اللبنانية تفوق الـ 7 مليار دولار سنويا مع 7 مليارات دولار أميركي إضافية خسائر على الإقتصاد اللبناني أي ما مجموعه 14 مليار دولار أميركي.