Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر June 22, 2019
A A A
رصيد بلدية بيروت يقارب المليار دولار لماذا لا تنعش اقتصاد المدينة في ظل التقشف؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

مع التخبّط الذي تشهده المناقشات الخاصة بمشروع قانون الموازنة العامة في مجلس النواب، في ظل المطبات التي تقف عائقا أمام شد أحزمة الإنفاق وتحسين موارد الخزينة، تبقى الجهود الحكومية الرامية الى ضخ تمويل جديد يحرك الجمود الاقتصادي من دون نتيجة.

فلا إنجاز خطة الكهرباء ولا إقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء نجحا في ضخ أجواء إيجابية في الاسواق تستعيد ثقة المستثمرين، بما يسهم في إعادة تفعيل العجلة الاقتصادية والاستثمارية، والبدء باستثمار الاموال المعقودة للبنان في مؤتمر “سيدر”. والبحث عن مصادر تمويل جديدة للعجز المالي لا يزال يصطدم بالفيتوات السياسية التي تحول دون المساس بكل ما يتصل بما يعتبر من المحرّمات، كالتهرب الضريبي او الجمركي او مكافحة الفساد والهدر.

وكما تفشل الحكومة في وضع يدها على مكامن المال العام المهدور شرعا أو لا، تغض النظر عن مسارب يمكن الافادة منها وتحريكها بما يسهم في ضخ سيولة تحرك الاقتصاد وتنعش القطاعات الإنتاجية والإنمائية. فالمال العام لا يقتصر على مالية الدولة، بل ثمة موارد كبيرة يمكن استغلالها وتكمن في أموال البلديات. ويُطرح السؤال: لماذا لا تلجأ الدولة الى البلديات لتخفيف ضغط الضائقة المالية والاقتصادية التي تثقل كاهل الاقتصاد وتكبح النمو، خصوصا أن من أولى مهمات البلديات العمل الإنمائي؟

وفي حالات الركود كتلك التي يعيشها لبنان، يبدو الإنفاق المحلي بديلا جيدا للقيام بهذه المهمة، وفي ظل موازنة تقشفية لا مكان للإنفاق الاستثماري فيها، سيكون للإنفاق المحلي أثره على الدورة الاقتصادية وعلى النمو.

ولا يختلف اثنان على أن المعايير التي تطبق على الدولة لا تطبق على البلديات، بما فيها المعايير التقشفية أو منع التوظيف التي لا تنطبق على المؤسسات العامة المستقلة والسلطات اللامركزية، القادرة على تخفيف حدة التداعيات السلبية للسياسات التقشفية.

تشكل بلدية بيروت نموذجا حيا لهذه المقاربة. فالبلدية التي تعتبر الأكبر في لبنان من حيث كونها بلدية العاصمة، تتمتع بميزانية تقارب الـ900 مليون دولار تقع في خطأ برمجة أولوياتها الإنفاقية، بحيث لا يلمس سكان العاصمة الإمكانات الهائلة التي يمكن توظيفها في تحسين بنيتها التحتية وتأهيلها.

وفي رأي مصادر بلدية ان المشكلة ليست في السياسات بل في الاولويات. فالرغبة في الإنفاق واضحة، ولكن المشكلة ان نعمة التمويل والوفر ليست مستدامة، خصوصا ان المصدر الرئيسي لمداخيل البلدية يأتي من رسوم البناء. وفي حال الركود الراهنة، فإن هذه المداخيل الى تراجع. من هنا الحاجة الى ترشيد الإنفاق وتحديد أولوياته.

لا تقلل المصادر من أهمية ما يقوم به المجلس البلدي على مستوى تحريك الأسواق وتشجيع السياحة وإحياء المهرجانات، ولكنها ترى ان مثل هذه الخطوات غير كافية وغير مثمرة ان لم تكن من ضمن رؤية استراتيجية على المدى الطويل، علما أن للعاصمة حاجات خدماتية وبنى تحتية كبرى، ولعلّ أهمها أزمة النفايات، حيث تقضي الرائحة المنبعثة في كل شوارع المدينة وأحيائها على كل إنجاز سياحي آخر. والمفارقة ان هذا الموضوع الذي يشكل أولوية قصوى للمدينة خصوصا وللبناني المربوط بعاصمته عموما، لا يزال رهينة جدلية واسعة حيال المقاربات الاصح للخيارات المطروحة للمعالجة، فيما الوقت يمر والمشكلة تتفاقم. فالاشكالية التي يثيرها خيار اللجوء الى المحارق لم تحسم بعد، فيما البلدية تستهلك الوقت والاموال على الدراسات والاستشارات ولم تصل بعد الى حسم هذا الملف الحيوي والحساس. وتكشف الارقام أن المبالغ التي أنفقت على الدراسات الاستشارية المتعلقة بمعالجة النفايات وتحويلها الى طاقة وتقويم الآثار التي تنتج من إنشاء معمل لمعالجة النفايات وتحويلها الى طاقة ووضع الاسس والمعايير للبنود المالية المتعلقة بمشروع كهذا، قد بلغت 782 ألف دولار في أقل من عامين (اول عقد بالتراضي مع الاستشاري “رامبول” للقيام بالدراسات يعود الى تشرين الاول 2017، تاريخ موافقة ديوان المحاسبة عليه، وتشرين الثاني 2017 تاريخ توقيع العقد وإحالة أمر المباشرة).