Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر February 3, 2018
A A A
البطريرك العبسي: التحدي الكبير هو أن نخرج من ذواتنا إلى الوطن

 

رأس بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك مار يوسف الاول العبسي، قداساً احتفالياً في كاتدرائية القديس يوحنا الذهبي الفم في مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك التي وصلها في زيارته الأولى لها بعد انتخابه بطريركا، حيث أقيم له استقبال حافل.
وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى البطريرك العبسي الكلمة الاتية: “يطيب لي أن نلتقي اليوم بالفرح، في عيد أبرشية بيروت المحبوبة والمحروسة من الله، على دعوة من سيادة الأخ الموقر المتروبوليت كيرلس سليم بسترس راعي هذه الأبرشية، لنحتفل بالرب يسوع، بسر موته وقيامته، في هذه الليترجيا الإلهية، شاكرين له عطاياه كلها.
العيد الذي يجمعنا اليوم هو ذكرى لحدث تاريخي ورد في الإنجيل المقدس، ذكرى تقدمة الرب يسوع المسيح إلى الهيكل، تلك التقدمة التي كانت تجري، بحسب الشريعة الموسوية، في اليوم الأربعين لميلاد كل ذكر بكر.في هذا الحدث ترى الكنيسة، على ضوء تأملها في سر الخلاص الإلهي، أكثر من تقدمة، ترى لقاء بين يسوع الطفل الإلهي الآتي بالخلاص من جهة، والبشرية كلها الممثلة بالشيخ سمعان والمنتظرة لهذا المخلص من جهة أخرى. في عيد اليوم ترى الكنيسة الله تعالى في شخص السيد المسيح يبادر إلى لقاء الإنسان ليظهر له خلاصه، وترى الإنسان في شخص الشيخ سمعان يتقبل هذا الخلاص، ويعلنه من ثمة للعالم أجمع بفرح قائلا: “الآن تطلق عبدك بسلام أيها السيد لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام وجوه الشعوب كلها”. عيد اليوم هو أن المسيح المخلص المنتظر هو هذا الطفل الإله الذي تقبله سمعان من مريم ويوسف وحمله على ساعديه ولمسه ورآه وتأمل به. وقد أكد في ما بعد يوحنا الرسول هذه الحقيقة التاريخية الإيمانية حين قال في رسالته الأولى: “إن ما كان من البدء، ما سمعناه وما رأيناه بأعيننا وما تأملناه وما لمسته أيدينا… به نبشركم” (يو 1: 1-3).
وتابع: “التحدي الكبير اليومي أن نخرج من ذواتنا إلى الوطن. أن لا نكون نحن في وطن بل أن يكون الوطن فينا، في كنائسنا ومساجدنا، في بيوتنا ومدارسنا. إلا أنه ما من تحد مهما كان كبيرا يعصى علينا الانتصار عليه ما دامت لدينا الإرادة. أن نختار ونريد وطننا في كل وقت وفي كل ظرف. أن نختار ونريد شركاءنا في الوطن في كل وقت وفي كل ظرف، محترمين خصوصياتهم وحقوقهم، متخذين الوفاق نهجا، هذا هو التلاقي الصحيح الذي يعد بالخلاص.
أيها الأحباء، إن هذا الصرح الذي نحن قائمون فيه طالما كان موضع لقاء اللبنانيين وخاصة البيروتيين، وما زال، بفضل أساقفة عظام تعاقبوا عليه وخدموا الكنيسة، ومن بينهم الجالس فيه اليوم سيادة المتروبوليت كيرلس. أحرق هذا الصرح في الأحداث اللبنانية الأخيرة ودمرت كاتدرائيته في وسط بيروت. إلا أنه بفضل أبناء الأبرشية الأسخياء أعيد إلى ما هو عليه وأجمل، وكذلك الكاتدرائية التي تعد لؤلؤة الأبرشية ومعلما لبنانيا، وذلك لإرادة الإبقاء على دورنا في بناء لبنان حيا فاعلا. ولا بد لي هنا من ذكر مأثرتكم الأخيرة الكبيرة، من بين منجزات متعددة متنوعة، المأثرة التي لا تؤكد على هذا الدور الذي لأبرشيتنا البيروتية فقط بل تبرز أيضا وجه بيروت ولبنان الناصع، ألا وهي المأوى الجديد الذي بنيتموه بسعيكم وتعبكم. إن هذا المأوى يكشف عن وجه الكنيسة الاجتماعي، عن التزامها بخدمة المحتاجين والضعفاء والمهمشين. فالشكر الكبير لكم أيها الأبناء البيروتيون المحبوبون. إن أبرشيتكم، بتاريخها وجغرافيتها، بأسقفها وكهنتها ورهبانها وراهباتها، بحضورها وشهادتها، بمؤسساتها وأعمالها، هي اليوم مركز ثقل في كنيستنا الملكية. أحييكم أجمل تحية وهنيئا لكم قربكم من كنيستكم وغيرتكم عليها وفخركم بها وعملكم فيها”.
وأضاف: “أحيي وأشكر الإخوة الحاضرين الذين من الكنائس الشقيقة. حضوركم اليوم دليل وتأكيد على المحبة المتبادلة وعلى التعاون الوثيق القائم في ما بين الكنائس التي في بيروت في مجالات متنوعة. هذا يقوي بلا شك شهادتنا الإنجيلية الواحدة، لا سيما لمن هم في الخارج، ويجعلها أكثر صدقا وتأثيرا. في عيد التلاقي الذي نحتفل به كلنا اليوم لنصل إلى الله تعالى أن يحث خطانا في مسيرة التلاقي وأن يقربنا بعضنا من بعض كل يوم أكثر من أمس إلى أن نبلغ الوحدة في كمال المحبة.
أحيي وأشكر الإخوة المسلمين الذين أحبوا أن يكونوا معنا اليوم. في حياتنا الوطنية والاجتماعية وحتى الإيمانية نقاط نلتقي عليها. فلنبحث عنها ولنكثر منها ولنشجع عليها من أجل تكوين المواطن الصالح وبناء الوطن الواحد الذي اخترناه بإرادتنا الحرة. بعضنا مع بعض نرسم صورة نموذجية لمن يبحث ويسعى إلى التلاقي بالاحترام والمحبة.
وأنتم أيها الأبناء المحبوبون، أبناء أبرشية بيروت الذين هم فرحنا وفخرنا وقوتنا، أهنئكم بالعيد وأشكركم على مشاركتكم في هذه الليترجيا الإلهية التي تجسد وحدتنا في الإيمان والرجاء والمحبة، لا سيما الذين حضروا هذا اللقاء بشكل من الأشكال، وبنوع خاص المجلس الأبرشي والجوق. أشكر أولادي الكهنة والرهبان والراهبات. أشكر وسائل الإعلام وخصوصا تلفزيون تيلي لوميار.والشكر الخاص لسيادة الأخ المتروبوليت كيرلس راعي الأبرشية على دعوته ومحبته وللإخوة السادة المطارنة على مشاركتهم ومحبتهم.
والشكر الكبير، الأول والأخير، لله تعالى الذي قدرنا أن نلتقي اليوم في هذه الكنيسة المقدسة، جماعة مصلية متقبلة على ذراعيها الطفل يسوع ومنادية بالخلاص للبنان ولجميع أهله مع الشيخ سمعان وقائلة: “أطلقنا الآن بسلام أيها السيد فإن أعيننا قد أبصرت خلاصك”.