Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر December 26, 2017
A A A
جيش دول الساحل في مواجهة «فيديرالية» التطرف
الكاتب: مقال . تييري بورت

تسعى خمس دول في منطقة الساحل الأفريقي إلى تشكيل وحدات قتالية مشتركة، على نحو ما فعلت الحركات «الجهادية» في المنطقة هذه، وهي اجتمعت تحت راية واحدة للتعاون والاشتراك في العمليات. ومع عملية «سيرفال»، أطاح الجيش الفرنسي، حكم الارهابيين في شمال مالي. فانخفض الخطر في المنطقة، وتنفست الصعداء دول الجوار، النيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو والتشاد. وهذه إلى جانب مالي تشكل مجموعة الدول الخمس في الساحل. ولكن اتفاق السلام الذي أبرم في الجزائر في 2015 لم ينفذ إلى اليوم. وسلطات باماكو عاجزة عن إرساء حل سياسي، واستمالة الطوارق في شمال البلاد. وانبعث، شيئاً فشيئاً، الخطر الجهادي وبدأ يتمدد من جديد. «والخطر هذا اليوم أقوى مما كان قبل خمس سنوات»، يقول مسؤول امني موريتاني. فقوم الـPeuls يميل اليوم إلى الإرهابيين «الإسلاميين»، على خلاف ما كانت حاله في 2012. ولذا، تعاظم الخطر وصار يهدد أفريقيا الغربية كلها حيث يعيش القوم هذا.

وتجمع أوجه شبه سكانية واقتصادية وجغرافية بين دول الساحل الأفريقي الخمس، وتشد أواصرهم اليوم الحرب على الإرهاب ومكافحة الفقر. وكانت محاربة الإرهاب والفقر نواة مجموعة الخمس في الساحل. ولكنها أرجأت مساعي التطوير الاقتصادي، وتصدرت أولوياتها مكافحة الإرهاب. وفي 2017، برزت فكرة قوة عسكرية تجمع بين الدول هذه. وأقرها مجلس الأمن في حزيران المنصرم، بعد شهر على قمة باماكو بين الرئيس الفرنسي ونظرائه الساحليين الخمس. فكرّت سبحة الاجتماعات الدولية، وآخرها عقد في 13 الجاري في باريس، حيث التقى الرؤساء الافريقيون الخمس بإيمانويل ماكرون والمستشارة الالمانية ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي. ويرمي الاجتماع إلى تفعيل قوة عديدها 5 آلاف رجل في 2018، وهؤلاء مقسمون على 7 فرق (اثنان في مالي، واثنان في النيجر، وواحدة في التشاد، وواحدة في موريتانيا، وواحدة في بوركينا فاسو). وقوة مجموعة الدول الخمس، ومقر قيادتها في مالي، موزعة على 3 «شُعب»: الشعبة المركزية، وفيها مالي وبوركينا فاسو والنيجر؛ والشعبة الشرقية وهي تشمل النيجر والتشاد وتوجه دفتها التشاد؛ والشعبة الغربية في موريتانيا ومالي. وأجازت الاتفاقات قتال جنود قوة مجموعة الخمس في منطقة تمتد 50 كلم في بلد مجاور. وحق ملاحقة الإرهابيين والتنسيق بين الوحدات القتالية في مجموعة الدول الخمس، هو الجسر إلى حصار الإرهابيين على وجه أمثل، والحؤول دون فرارهم إلى الصحراء. والجيش الموريتاني، على رأسه الجنرال السابق محمد ولد عبدالعزيز، شن في الأعوام الأخيرة حملة لمكافحة الإرهاب الإسلامي بالغة النجاعة. وعمود هذه الحملة 8 مجموعات من «قوات التدخل الخاصة»، أي حوالى 200 إلى 300 جندي، وهم موزعون على وحدات صغيرة عديدها من الشباب اليافع والعازب، وهم يشاركون في مهمات طويلة في الصحراء المترامية في موريتانيا، على حدود مالي. ويتوقع أن تحاكي قوة «جي 5» (مجموعة الدول الخمس في الساحل) نموذج القوة الموريتانية هذه. ويقول الجنرال حننا ولد سيدي أن القوة المرتقبة ستزود بأسلحة ثقيلة، على خلاف القوات الخاصة الموريتانية. ويرمي الجنرال ولد سيدي إلى إدراج قوة «جي 5» المرتقبة في إطار قانوني. وترغب موريتانيا في انضواء جنودها تحت لواء تفويض أممي يحميهم في عملياتهم خارج الحدود، ويوفر لهم رواتب مجزية مثل رواتب جنود «ميوسما»، وهم عسكريون بتفويض أممي يعملون في مالي. ولكن واشنطن في عهد ترامب، وهي تتردد في التعاون الدولي وتقلص الانفاق الخارجي، رفضت المشروع هذا. وتوصل الى اتفاق يقضي بتوفير «مينوسما» خدمات لوجيستية (المياه، الوقود، الذخائر) لقوات «جي 5» مقابل مبالغ تسدد لاحقاً. وكأن «مينوسما» تؤجر لهم هذه الخدمات وتقرضهم إياها. والمال هو مسألة بارزة. ويطالب الجنرال سيدي بتوفير التمويل لقوات «جي 5». فهذه القوة من غير سلاح جوي، ويرجح أن تعتمد على وسائل الاستخبارات الأميركية والفرنسية، وتقترح دول الساحل مبلغ 240 مليون يورو لتمويلها. وكلفة عملها السنوية تبلغ 100 مليون يورو. واجتماع باريس رمى إلى جمع هذا المبلغ.

والوقت ينفد. فالدولة المالية تتفكك يوماً بعد يوم، وينفرط عقدها وتتراجع أمام المجموعات الجهادية التي يشتد عودها وترص صفوف تنظيمها. وفي مطلع آذار المنصرم، أعلن خمسة رجال ولادة جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، على رأسها إياد أغ غالي، وهو من الطوارق، وسبق أن شارك في عدد من حركات التمرد الانفصالية قبل أن يعتنق التطرف. ومجموعته «أنصار الدين»، تنتشر في منطقة كيدال، وتعرف هناك بـ «أنصار الدين الشمالية» لتمييزها عن «جبهة تحرير ماسينا» المعروفة بـ «أنصار الدين الجنوبية». وتنظيم «المرابطون» في منطقة غاو، انضم إلى هذين التنظيمين في القتال. وسرت أنباء غير مؤكدة عن مقتل زعيمه مختار بلمختار. وربما هو حي يرزق ويعيش بين سبها وأوباري في جنوب ليبيا. وخاتمة عنقود المجموعة الإرهابية الموحدة، هو تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». والتنظيمات موزعة على مناطق نفوذها، ولكن مقاتليها قد يشاركون في عمليات مشتركة. وعديد هذا التجمع الإرهابي حوالى ألفي مقاتل، نصفه من قوم الـPeuls وهم يتنسبون إلى «أنصار الدين الجنوبية». ويسيطر «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على منطقة الصحراء الكبرى. و «لا يسع أي سيارة المرور في هذه الصحراء، وليس في الامكان حفر أي بئر، من دون إذن القاعدة في بلاد المغرب…». يقول مسؤول أمني موريتاني. ويتمدد داعش، وعديده من قدامى «المرابطون» و «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، بين مالي والنيجر. وانضم إليه أخيراً حوالى 200 مقاتل أتوا من ليبيا على متن مركباتهم حاملين أسلحتهم. وتقول مصادر موريتانية إن داعش يقف وراء قتل 4 جنود أميركيين في النيجر، في تشرين الأول الماضي، على رغم أنه سمح لحركة «نصرة الإسلام…» بتبني الهجوم. ويخشى مسؤولون أمنيون موريتانيون انضمام مقاتلين داعشيين من سورية والعراق، إثر هزيمتهم هناك وتدهور أوضاع التنظيم في ليبيا، إلى «نصرة الإسلام والمسلمين». والحاجة تمس إثر بروز تجمع الإرهابيين هذا، إلى إسراع دول الساحل الخمس في إنشاء جيشها المشترك لينسق مع ثلاث قوى: قوة فرنسية عديدها 4 آلاف جندي تشارك في عملية «بركان» وتنتشر في منطقة الساحل، وقوة «مينوسما»، وهي تعد 10 آلاف جندي، والجيش الجزائري.