Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 27, 2023
A A A
تمديد الهدنة أم تمديد الحرب؟
الكاتب: د. عصام نعمان - البناء

ماذا تعني “الهدنة الإنسانية” المعلنة في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر لكلٍّ من حركة حماس و”اسرائيل”، وماذا بعدها؟
قيادة “حماس” أكّدت “أن أيدينا ستبقى على الزناد”، والناطق باسمها أبو عبيدة، خرج بخطابِ انتصارٍ أجمل فيه ما أنجزته المقاومة، ووجّه التحية الى اهالي الضفة الغربية ولبنان واليمن والعراق “الذين يحاصرون العدو ويدكّون حصونه”، ودعا الأهالي في الأردن إلى “تصعيد كلّ أوجه التحرك الشعبي ضدّ الاحتلال”. كذلك دعا أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة الى الاستمرار بالقتال طالما العدو الصهيوني متمسكاً بتنفيذ أهدافه العنصرية الوحشية.
وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالنت حذّر من أنّ اتفاق الهدنة لا يعني نهاية الحرب، مشيراً الى انّ الجيش الإسرائيلي “سيعاود العمليات بكامل قوته بعد الهدنة من أجل القضاء على حركة حماس وتمهيد الظروف اللازمة لإعادة الرهائن”.
ماذا بعد هدنة الأيام الأربعة؟
ما من شيء يؤكد أنّ الهدنة ستُمدّد، وإذا مددت أن الحرب بعدها ستتوقف. لذا، سواء استمرت الحرب او توقفت، يقتضي تفحّص هوامش المناورة التي يمتكلها كلُّ من طرفي الحرب: المقاومة وحلفاؤها من جهة و”إسرائيل” المدعومة من الولايات المتحدة من جهة أخرى.
من المهمّ التأكيد أنّ الحرب التي استمرت جولتها الأولى نحو 49 يوماً جرت، ومن المحتمل ان تُستأنف عملياتها، بشكلٍ او بآخر، من فلسطين غرباً الى إيران شرقاً، ومن العراق وسورية ولبنان شمالاً الى اليمن جنوباً، وقد تتجاوز هذه المنطقة المترامية الأطراف الى مناطق أخرى. لذلك يقتضي توقع استمرار الحرب والإحاطة، ولو بخطوط عريضة، بهوامش المناورة التي يمتلكها كلٌ من الطرفين المتحاربين وبالكوابح المتوافرة ضدها.
يُقصد بهوامش المناورة المساحة السياسية والميدانية والاستراتيجية التي يستطيع أطراف الحرب استخدامها للقيام بعمليات سياسية او عسكرية او لوجستية لتعزيز أوضاعهم في مواجهة أعدائهم. ولإيضاح هوامش المناورة، تقتضي الإحاطة بمرتكزاتها الأساسية وهي القدرات، والفرص، واحتمالات ردود الفعل.
إنّ قدرات الجانب المقاوم هي ذاتها التي لدى أطراف محور المقاومة، أي سورية وإيران كما تنظيمات المقاومة في كلٍّ من فلسطين المحتلة، ولبنان، والعراق واليمن. مع العلم أنّ دولتي سورية وإيران غير منخرطتين علنياً وميدانياً في الحرب ضدّ العدو الصهيوني، إنما تنخرط إيران، سياسياً وتسليحاً وتجهيزاً وتدريباً ودعماً لوجستياً وديبلوماسياً وفي الأمم المتحدة لمصلحة مختلف أطراف المقاومة ضدّ العدو. أما سورية فتدعم تنظيمات المقاومة سياسياً وتعبوياً واستخبارياً وعسكرياً، بحدود دنيا، نظراً لانشغالها بمواجهات داخلية ضد تنظيماتٍ معادية لحكومتها المركزية، وتتحسّب لمخاطر مبعثها قواعد عسكرية للولايات المتحدة على طول الحدود السورية – العراقية من الشمال إلى الجنوب الشرقي.
عسكرياً، تمتلك إيران قوات برية وبحرية وجوية ذات قدرات وازنة، كما تمتلك صواريخ بالستية لا يقلّ مداها عن ألفي كيلومتر ذات قدرات تدميرية شديدة. سورية تمتلك قوات برية وطائرات مقاتلة وصواريخ دفاع جويّ فعالة. لكن لا سورية ولا إيران تشاركان في الحرب ميدانياً لاعتباراتٍ داخلية وإقليمية ودولية إنما مع حرصهما، لا سيما إيران، على دعم تنظيمات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن.
على صعيد تنظيمات المقاومة، يمتلك حزب الله اللبناني صواريخ دقيقة ذات فعالية تدميرية شديدة كما صواريخ أرض – أرض (البركان) ذات قدرة تدميرية هائلة، وربما لديه ايضاً أسلحة أخرى عالية الفعالية ما زالت قيد الكتمان. اما “حماس” والجهاد الإسلامي فيمتلكان معظم أنواع الأسلحة والصواريخ التي يمتلكها حزب الله ما عدا الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى. غير أنّ الأمر البالغ الأهمية هو امتلاك حزب الله و”حماس” والجهاد الإسلامي القدرة على تصنيع مختلف الأسلحة والذخائر، ولا سيما الصواريخ التي يقومون غالباً باستخدامها.
في المقابل، تمتلك “إسرائيل” جيشاً برياً لا يقلّ تعداده عن 300 الف جندي وقوات احتياط لا يقلّ تعدادها عن نصف تعداد الجيش النظامي العامل، كما تمتلك طائرات حربية متطورة من صنع الولايات المتحدة وأقماراً صناعية، كما لديها أسلحة نووية غير معروفة الأنواع والقدرات التدميرية.
على صعيد الفرص، يُتاح لـِ “إسرائيل” الكثير منها بحكم سيطرتها على معظم مناطق فلسطين، كما تمتلك جاهزية قتالية لمواجهة أعدائها المتربّصين بها في الشمال (لبنان) والشمال الشرقي (سورية)، لكنها تفتقر الى فرص مؤاتية لمواجهة إيران، ما يحمّلها على محاولة استدراج الولايات المتحدة دائماً للاشتراك سويةً بمهاجمة إيران بغية تعطيل برنامجها النووي.
على صعيد احتمالات ردود فعل الطرفين المتحاربين، يبدو المشهد غامضاً. لكن ظاهر الحال، بمؤشراته السياسية والعسكرية المتواترة، يدلّ الى أنهما مصمّمان على الاستمرار في القتال لغاية تحقيق أهدافهما.
إلى ذلك، يبدو استئناف الحرب بعد انتهاء “الهدنة الإنسانية” محكوماً بكوابح متعددة من شأنها تقييد أو تعطيل إرادة القتال لدى كِلا الطرفين المتحاربين على النحو الآتي:
أ) ـ الكابح الإنساني: تكبّد كِلا الطرفين، خصوصاً فصائل المقاومة والأهالي في قطاع غزة، خسائر بشرية هائلة من النساء والأطفال والمسنين، فضلاً عن الكثير من المستشفيات والمراكز الصحية الأمر الذي يشكّل عامل ضغطٍ قويّ على فصائل المقاومة، خصوصاً اذا كان مصحوباً بضغوطٍ من دول ذات تأثير وازن عليها لإقرار هدنة أو هدنات متعددة طويلة الأمد.
ب) ـ نفاد الأسلحة والذخائر، مع العلم أنّ كِلا الطرفين المتحاربين قادران على تصنيع الأسلحة والذخائر التي يحتاجانها.
ج) ـ ضغوط سياسية واقتصادية شديدة من دولٍ لها تأثير وازن على كِلا الطرفين او على أحدهما بشكل حاسم.
د) عوامل طبيعية قاهرة كالزلازل والأعاصير والأمطار الغزيرة والطوفان التي تعيق حركة القوى العسكرية.
من مجمل هذه الكوابح والتطورات المحتملة يمكن الخروج بالاستنتاجات الآتية:
وحدها العوامل الطبيعية القاهرة يمكن أن تعطّل تصميم قوى المقاومة في كلٍّ من قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن أو تحملها على عدم الاستمرار في الحرب أو التوقف مؤقتاً عنها قبل ارتداع “إسرائيل” أو إكراهها على وقف القتال بفعل أحد الكوابح الطبيعية، أو ضغوط الولايات المتحدة المتخوّفة على مصالحها في المنطقة، اذا توسّعت رقعة الحرب.
كذلك تبدو حكومة نتنياهو مصمّمة على الاستمرار في حربها الوحشية الجنونية على الشعب الفلسطيني، ولن تتوقف إلاّ بفعل احد العوامل الضاغطة الآتية:
ـ عامل طبيعي قاهر كزلزال او إعصار او فيضان شديد.
ـ انهيار الائتلاف الحاكم نتيجةَ انسحاب الوزراء الأكثر تطرفاً منه.
– ضغط شديد من الولايات المتحدة.

إلى ذلك، ثمة مخاطر وتحدّيات أخرى مفتوحة على احتمالاتٍ ترجّح تمديد الهدنة او تمديد الحرب.