Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر November 8, 2023
A A A
افتتاحية “الجمهورية”: لبنان طلب من أميركا ردع إسرائيل .. وبايدن طلب وقف النار ونتنياهو رفض
الكاتب: الجمهورية

بَدا أمس أنّ الحرب الاسرائيلية التدميرية على غزة والمواجهات والتراشق بين المقاومة وقوات الاحتلال اسرائيلي على الجبهة الجنوبية اللبنانية في سباق مع الوقت عشيّة القمتين العربية والاسلامية المقررتين في الرياض السبت والاحد المقبلين، حيث تسعى واشنطن الى فَرض هدنة وقف نار موقّت تحت العنوان الانساني، لشعورها بتعاظم نقمة الشارع العربي والرأي العام الدولي نتيجة المجازر التي ترتكبها اسرائيل يومياً في غزة، بما يهدّد مصالحها من جهة ويعكس مدى الفشل الاسرائيلي ومخالفة اسرائيل للقوانين الدولية وحقوق الانسان، فأوفدَ الرئيس الاميركي جو بايدن مستشاره اموس هوكشتاين الى لبنان حاملاً رسالة تؤكد «انّ الولايات المتحدة لا تريد أن ترى النزاع في غزة يتمدّد، وتشدّد على أنّ استعادة الهدوء على طول الحدود الجنوبية يجب أن تكون الأولوية القصوى لكل من لبنان وإسرائيل». فيما يعمل البيت الابيض في الموازاة على إقناع إسرائيل بوقف نار موقت «لأسباب انسانية»، ولكنها رفضت مُشترطة أن تُطلق حركة «حماس» الأسرى الاسرائيليين لديها قبل البحث في اي هدنة او وقف للنار، ما دَلّ الى خلاف بدأ يعصف بين واشنطن وتل أبيب.

أعلنت وزارة الخارجية السعودية أمس تأجيل القمة العربية – الإفريقية الخامسة التي كان مقرراً عقدها السبت المقبل إلى موعد يُحدد لاحقاً.

وقالت الوزارة في بيان مقتضب انّ هذا التأجيل تقرر بعد التنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومفوضية الإتحاد الإفريقي، مؤكدة أن سبب التأجيل هو الحرص على أن لا تؤثر الأحداث السياسية في المنطقة على الشراكة العربية – الإفريقية التي ترتكز على البُعد التنموي الاقتصادي.

ومن المقرر أن تستضيف الرياض السبت القمة العربية الطارئة في شأن غزة على ان تليها في اليوم التالي قمة منظمة التعاون الإسلامي التي سيشارك فيها الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي الى جانب ملوك ورؤساء الدول الإسلامية.

وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ إلغاء القمة العربية ـ الافريقية كان بهدف استبدالها بالقمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي بعدما دُعي إليها الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي وبقية رؤساء الدول الإسلامية المنضوية تحتها.

وانتهت المصادر الى القول انه من المستحيل ترتيب أعمال ثلاثة قمم في يومين، ذلك انّ معظم رؤساء الدول المشاركين في القمتين العربية والاسلامية يشكلون أعضاء القمة العربية ـ الافريقية ضمناً وهي خطوة عبرت عن الإهتمام السعودي بالضيف الايراني في هذه المرحلة بالذات.

مجلس الأمن يفشل مجدداً

وفي هذه الأجواء فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع قرار لوقف النار إثر احاطة أُجريت في مجلس الأمن بعد اجتماع مغلق حول غزة بناء على طلب الصين ودولة الامارات العربية المتحدة، اللتين أعدّتا المشروع وقد نال موافقة عشرة من اعضاء مجلس الامن غير الدائمين، لكنّ مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا أبطلا مفاعيله باستخدامهما حق النقض «الفيتو».

وقالت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ«الجمهورية» ان نهاية الاقتراح المشترك كانت حتمية. لأنّ الاجواء التي تسود أروقة مجلس الأمن لم تتبدل منذ اكثر من اسبوعين تقريباً وسقطت خلالها مجموعة من المشاريع المتناقضة. ولفتت إلى انّ الفيتو الاميركي ما زال يتربّص لأي اقتراح لا يدين حركة «حماس» ويتجاهل الدعوة الى وقف شامل للنار، وهو ما حصل أمس.

وموقف أميركي حاد

وفي الموازاة نقلت شبكة «CNN» الاميركية عن نائب مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة روبرت وود قوله «لا اتفاق في هذه المرحلة».

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد حَضّ أمس الأول على وقف إطلاق النار، محذّراً من أن القطاع يتحوّل «مقبرة للأطفال». وقال إن «الكارثة التي تتكشّف فصولها تجعل وقف إطلاق النار لدواع إنسانية أكثر إلحاحاً على مَر الساعات». وأضاف أن «الكابوس في غزة هو أكثر من مجرد أزمة إنسانية. إنها أزمة للبشرية».

وشدّد على «أن المساعدات الإنسانية التي تعبر رفح نحو القطاع المحاصر غير كافية. ففي أسبوعين عبرت 400 شاحنة، مقابل 500 كانت تعبر يومياً، وقد شدّد على أنّها لا تلبّي على الإطلاق الحاجات الكبرى».

في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار في قطاع غزة ما لم تُفرج حركة «حماس» عن المحتجزين لديها منذ شهر.

هوكشتاين موفد رئاسي

وفي هذه الاجواء زار هوكشتاين لبنان أمس موفداً للرئيس الاميركي وناقلاً منه رسالة للمسؤولين اللبنانيين تحذّر من تمدّد النزاع في غزة الى لبنان وتدعو الى «التطبيق الكامل» للقرار الدولي 1701. فالتقى تباعاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حضور وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، كذلك التقى نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، والمدير العام السابق للامن العام اللواء عباس ابراهيم واتصل بالمديرالعام للامن العام بالانابة الياس البيسري. وقال في تصريحات له بعد هذه اللقاءات «إنّ المحافظة على الهدوء على الحدود الجنوبية اللبنانية على درجة عالية من الاهمية بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية، وكذلك يجب ان يكون بالنسبة للبنان وإسرائيل. هذا ما ينصّ عليه القرار الأممي 1701 ولهذا صُمّم».

وأبلغ هوكشتاين الى رئيس الحكومة أنه يزور لبنان موفداً من الرئيس الأميركي جو بايدن، لبحث الوضع في جنوب لبنان، وانه لمسَ من خلال محادثاته ان لبنان واسرائيل لا يرغبان بتصعيد الوضع.

وعلمت «الجمهورية» انّ البحث بين هوكشتاين واللواء ابراهيم تناول ما انتهت إليه الإتصالات الجارية لترتيب عملية تبادل الاسرى من حاملي الجنسيتين الاسرائيلية ومن دول مختلفة لدى «حماس» و»الجهاد الاسلامي» في إطار الإتصالات المفتوحة بين الرجلين منذ فترة، وسطَ رواية تحدثت عن وجودهما معاً في قطر قبل زيارته الى بيروت.

زيارة ضمن حراك

وأوضحت مصادر رسمية تابعَت عن قرب لقاءات الموفد الاميركي هوكشتاين لـ«الجمهورية» انّ زيارته لبنان تأتي من ضمن الحراك الاميركي في المنطقة الذي قام به عدد من المسؤولين الاميركيين الكبار واستثنى لبنان، فزار هوكشتاين بيروت ليبقى لبنان على خريطة الاتصالات. وانّ هدف الزيارة الاساسي هو تهدئة الوضع على جبهة الجنوب ومنع توسّع الحرب والتصعيد، وشرحَ ما تقوم به الادارة الاميركية من اتصالات ومَساعٍ مع اسرائيل وغيرها لوقف الحرب على غزة ولو مؤقتاً وتحقيق هدنة انسانية تتيح إدخال مواد الاغاثة الى القطاع.

ولدى السؤال اذا كان هوكشتاين قد عرض تفاصيل ما تقوم به الادارة الاميركية؟ أجابت المصادر: «لم يدخل المسؤولون اللبنانيون في التفاصل ولا هو دخلَ فيها، بل عرضَ العناوين العامة للخطوات الاميركية لتخفيف حدة النزاع في المنطقة. وقد طلب الرئيسان بري وميقاتي من الموفد الاميركي ان تعمل الولايات المتحدة الاميركية على وضع حد لتصعيد اسرائيل سواء في غزة او في لبنان، «فليس نحن من نبادر الى التصعيد بل اسرائيل».

ولاحظَت المصادر انّ اللهجة الاميركية والاسرائيلية حيال لبنان «تغيّرت من التهديد والوعيد الى لهجة أهدأ وتقديم تطمينات»، ودعت الى مراجعة موقف وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الذي قال مساء امس ان «لا نية لدينا لخوض حرب مع «حزب الله»، ولكن إذا أقدمَ نصرالله على ارتكاب خطأ فسيقضي على لبنان». وهذا معناه عدم الرغبة الاميركية والاسرائيلية في الذهاب بالمواجهات العسكرية الى ما هو أوسع وأخطر.

لكن المصادر اكدت انه صحيح انّ المواجهات ما زالت ضمن الحد الادنى من قواعد الاشتباك على رغم من بعض الخروقات التي حصلت هنا وهناك، لكن الامور يمكن ان تنفلت وتتصاعد في اي لحظة وبسبب اي خطأ. لذلك، فالحل هو ما يطلبه لبنان بوقف إطلاق النار في شكل تام عبر الحل السياسي لأنّ اساس المشكلة هو احتلال فلسطين وما يجري فيها.

السفارة الاميركية

وليلاً اضاءت السفارة الاميركية على زيارة هوكشتاين ببيان قالت فيه «انّ كبير مستشاري الرئيس بايدن، آموس هوكستين زار لبنان اليوم (أمس) والتقى عددا من القادة الكبار. وأعربَ عن اهتمام الولايات المتحدة العميق بلبنان وشعبه خلال هذا الوقت العصيب». وأضاف البيان: «أعربَ هوكشتاين عن خالص تعازينا لحياة المدنيين التي فُقدت. واستمع إلى مخاوف المسؤولين اللبنانيين وأبلغهم بما تقوم به الولايات المتحدة لمعالجتها. وأكد مجددا أن اميركا لا تريد أن ترى الصراع في غزة يتمدّد، وشدّد على أنّ استعادة الهدوء على طول الحدود الجنوبية يجب أن تكون الأولوية القصوى لكل من لبنان وإسرائيل. وذكّر جميع المحاورين بأنّ قرار مجلس الأمن 1701 هو أفضل آلية لتحقيق هذا الهدف ودعا إلى تنفيذه بالكامل».

وكان بري وميقاتي قد التقيا في عين التينة قبل وصول هوكشتاين، وعرضا لتطورات الأوضاع في الجنوب في ضوء تصاعد العدوانية الإسرائيلية، وصاغا الموقف الذي أبلغاه الى الموفد الاميركي، وهو كما لخصه ميقاتي بقوله: وقف إطلاق النار في قطاع غزة بأسرع وقت ممكن، ووقف نزيف الدم الذي يحصل، والضغط على إسرائيل لوقف استفزازاتها في الجنوب اللبناني وآخرها التعرّض للمدنيين».

جنوباً

في الجنوب اللبناني، تواصلت المواجهات على الجبهة بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي، وتصاعَدت على وَتيرة استمرار الاسرائيليين في إطلاق التهديد والوعيد ضد لبنان و«حزب الله».

وقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو امس «إننا نقوم في الجبهة الشمالية بعمليات دفاعية وهجومية وهاجَمنا أهدافاً عدة لـ«حزب الله»، معتبرًا أنّه «إذا اختار «حزب الله» الدخول في الحرب فسيكون قد ارتكب خطأ عمره». ولفت إلى أنّه «لن نُوقف إطلاق النار ولن نُدخِل الوقود الى غزة قبل إطلاق الأسرى»، زاعمًا الوصول إلى «أماكن لم تتوقع حماس أن نصل إليها».

فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: «لسنا معنيين بفتح جبهة حرب مع «حزب الله» وإذا اقترف (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصرالله خطأ فإنه سيورّط لبنان وسيدفع ثمنًا باهظًا». وأشار إلى «أننا نستهدف قادة حركة حماس بكل مستوياتها بدءا من (رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيي) السنوار»، لافتًا إلى أنّ «حركة حماس لن تحكم غزة بعد الحرب».

في المقابل، اشار نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لـ«إن بي سي»، الى انه «إذا استمرت إسرائيل وأميركا في عدوانهما فسيؤدي ذلك الى مواجهة شاملة»، ولفت الى ان «حزب الله يشارك من أجل تخفيف الضغط على غزة». واوضح انّ «هجماتنا المتزايدة هي رسالة بأنه إذا توسّعت إسرائيل فستكون هناك عواقب وخيمة».

الى ذلك دانَ تكتل «لبنان القوي» في بيان إثر اجتماعه الدوري برئاسة النائب جبران باسيل، «استمرار العدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة وسط صمت دولي ثقيل وأفق مسدود باتجاه الحل». كذلك دان «العدوان الذي أودى بحياة أربعة مدنيين في بلدة عيناثا في جنوب لبنان، وفي الحالين فإنّ ما تقوم به اسرائيل هو جرائم حرب». ورفض «الخطاب الإسرائيلي المُتزايد باعتبار لبنان جزءاً من أرض إسرائيل»، معتبراً ذلك «تزويراً للحقائق وللتاريخ ويدلّ على نيّة إسرائيل التوسعية وانخراطها في سردية خطيرة تحوّل الصراع حول الأرض الى صراع ديني حضاري لا تُحمد نتائجه. وهي بذلك تكون نقيض فكرة لبنان التنوّع والتسامح وتَعايش الحضارات وحوارها».