Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر October 3, 2023
A A A
جروح الأرمن لم تندمل… برميل الغاز أغلى من دماء الشعوب
الكاتب: رضوان عقيل - النهار

تلقّى الارمن في لبنان وكل بقعة يقطنون فيها بقلوب محترقة أوجاع إخوتهم، ولا سيما عندما سمعوا من الزعيم الانفصالي في اقليم جمهورية ناغورني – كراباخ سامفيل شهرمانيان جملة “ستزول من الوجود” اعتبارا من كانون الثاني 2024. وبغضّ النظر لمن تعود تلك الارض لأرمينيا أم لأذربيجان يثبت الواقع السياسي ان البقاء للاقوى وان مصالح الدول الكبرى تغلب خيارات الشعوب والبلدان الصغيرة، فكيف اذا كانت منقسمة على نفسها. ويجري تبديل الخرائط بشطحة قلم وهذا ما مارسه الزعيم السوفياتي جوزف ستالين عام 1921 وغيره من زعماء البلدان الكبرى عندما تعاملوا مع الدول الصغيرة على أنها عقارات خاصة تعود ملكيتها لهم ويتصرفون بها كما يشاؤون ومنطقتنا خير شاهد على ذلك. ومن غير المستغرب ان يمر الارمن في مثل هذه المعمودية من الدم والنار والدموع على مدار المئة سنة الاخيرة حيث يحل عنصر القوة والبطش والسيطرة على اصحاب الحقوق و”التهام أرض الغير وممارسة التطهير العرقي وأعمال القتل في نزهات عسكرية”. ويتشارك الارمن هنا المعاناة نفسها مع الفلسطينيين على ايدي اسرائيل التي اقتلعت شعبا وشردته وأبقت على قسم منه تحت نير الاحتلال وصادرت القدس.

يتحدث الارمن اللبنانيون بوجع تغلب عليه الآهات وهم يتفرجون على عذابات اخوتهم وانسلاخهم من اماكن عاشوا فيها حيث يطغى عامل الجغرافيا والمصالح الاقتصادية على حساب شرعة حقوق الانسان. وما زاد من ازمات هذا المكوّن الخلافات الدائرة في البيت الارمني في يريفان بين السلطة والمعارضة وسط بروز سيل من الانتقادات الموجهة الى ئيس الوزراء نيكول باشنيان الذي انتقل من حضن موسكو الى اغراءات واشنطن ظناً منه ان هذا التبديل في الخيارات الاستراتيجية يقوّي موقف ابناء جلدته في كراباخ، فجرّت عليه هذه المغامرة غير المدروسة نزوح الارمن من الاقليم. كما انه وقع في اخطاء عدة قدمها هدايا مجانية على طبق من فضة لاذربيجان وقبلها تركيا الناشطة في تمدد شرايينها الاقتصادية وتثبيت حضورها في جمهوريات القوقاز. وتبقى ارمينيا النقطة الاضعف في هذا المحيط ولم تبقَ لها جارة صديقة سوى ايران التي لا تتلاقى في الخيارات والتوجهات السياسية مع أذربيجان الشيعية صديقة اسرائيل. ويتابع الارمن في لبنان اوجاع اخوتهم حيث نظموا تظاهرة بدعوة من حزب الطاشناق امام السفارة الاذربيجانية تحت عنوان “الاعتراض على الابادة والتطهير العرقي الذي تنفذه اذربيجان في أرتساخ بحق الارمن”. وصبّ الامين العام للحزب النائب آغوب بقرادونيان جام غضبه على السلطة في ارمينيا “المرتهنة” واصفاً باشنيان بـ”الصديق الوفي لتركيا وأذربيجان”. ويقول بقرادونيان لـ “النهار” ان “برميل الغاز الذي تتسابق عليه الدول، ولا سيما منها الكبرى، اصبح أغلى من دماء الشهداء الارمن والشعوب التي تتعرض للقتل والتنكيل والتهجير، وهذا ما يحصل اليوم في أرتساخ “. ويلتقي كلامه هذا مع ما قاله عضو لجنة الدفاع عن القضية الارمنية في لبنان لودفيك ايوازيان، كيف يتم التخلي عن قضية هذا الشعب والتفرج على معاناته. ويرى ان الارمن يعيشون المأساة نفسها التي ترافق الفلسطينيين على ايدي الاسرائيليين، وان “اذربيجان ومن خلفها تركيا تقضمان ارض ارتساخ وان هذا المكون الحيّ متروك لشأنه من العام 1915 حيث يتعرض لابادة جماعية لم تتوقف فصولها التي تترجم اليوم على ايدي ثلاثة ديكتاتوريين يحلّون على رأس ثلاث دول في تركيا واذربيجان وروسيا”.

ويضيف: “نحن في أسوأ التوقعات لم نفكر في الوصول الى هذه الخلاصة التي انتهت اليها الامور من الخسائر في ارتساخ “. ويتحدث عن التظاهرة امام السفارة الاذرية للتنديد بما تفعله سلطات بلادها ضد الارمن وقضيتهم العادلة “في وقت يتفرج مجلس الامن على دماء الارمن”.

وبالعودة الى واقع الارمن اللبنانيين، كان من الملاحظ تراجع الدور الذي كانوا يلعبونه في سنوات سابقة وان تأثيرهم وصل الى حدود الانكفاء وقد تمثل في تراجع سياسي. لا يوافق النائب بقرادونيان على هذا التحليل مع اعترافه بان هذه الانعكاسات ظهرت عند جميع المسيحيين وكل اللبنانيين. ولا يقلل من حجم الارمن الذين غادروا لبنان، لكنه يقول ان حضورهم اصبح اكبر بعد الطائف في المعادلة اللبنانية على مستوى حقوق الطائفة. ولا يخفي كثيرون هنا باعتراف غير الارمن انهم كانوا يشكلون بيضة القبان في الانتخابات النيابية في بيروت قبل الطائف، وكيف كان حزب الكتائب في عز ايام حضوره في الشارع المسيحي يعتمد على اصوات ناخبيهم في العاصمة والمتن الشمالي. ولم تكن ارقام المقترعين الارمن مقارنة مع المسجلين على لوائح الشطب في آخر دورتين على مستوى توقعات احزاب الطاشناق اولاً ثم الهنشاق والرامغفار. ويقر بقرادونيان هنا بان المكون الارمني “مظلوم في لبنان لكنه لن يعرف الاستسلام وسيستمر في سبيل قضيته العادلة”. ولا يقلل من ارقام هجرة الارمن الذين كانوا يقدرون قبل الحرب بـ 220 الف نسمة ووصل عددهم اليوم الى نحو 130 الفا. وامام هذه المشهدية الارمنية يلفت ايوازيان الى نزيف الهجرة الذي انعكس على نحو واضح في لبنان.

وثمة ارمن كثيرون هاجروا الى ارمينيا ثم اخذوا في الآونة الاخيرة يعودون الى لبنان نتيجة ارتفاع الاسعار في بلدهم الأم. ويرفض مصطلح انكفاء الارمن في لبنان بل يعتبر ان مناخات هذا الانكفاء تشمل الجميع.

من برج حمود الى جبل أرارات الذي يلفّه الحزن – مع التوقف عند وجهة النظر الاذرية – هذه الايام حيث تستقبل يريفان الفارين من كراباخ ويدفع الارمن الضريبة مرة اخرى ولم تندمل جروحهم بفعل توازنات القوة ومصالح اللاعبين الكبار التي تثبت بالفعل ان ثمن برميل الغاز أغلى من قضية شعب بكامله.