Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 26, 2023
A A A
لوائح بأسماء المرشحين للرئاسة: حرق المبادرات وهدر الفرص
الكاتب: منير الربيع - المدن

 

 

يتعاطى الأفرقاء اللبنانيون مع الاستحقاق الرئاسي بانعدام الجدّية، كما مع كل المبادرات أو المساعي التي يقدم عليها الخارج. بعضهم يحاول التلهي أو التسلية في رمي الأسماء، وبعضهم الآخر يوغل في الإكثار من التوقعات وبناء الرهانات على اقتراب الوصول إلى اتفاق أو حلّ. فيما لا يبدو أحد في حالة استعجال من أمره. صحيح أن الخارج يسعى ويبادر، وصحيح أن هناك اهتماماً وحرصاً للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن ذلك لا يبدو مطلباً استراتيجياً ولا يشكل أولوية بالنسبة إلى الخارج. فهذا الأخير يأخذ ما يريد في ظل انتخاب الرئيس وفي عدمه. والأهم بالنسبة إلى القوى الخارجية أن لا يتكلف بأي ثمن لقاء إنجاز التسوية اللبنانية، التي تندفع القوى إلى إنجازها على قاعدة منع لبنان من الانهيار أكثر.

مواقف ومؤشرات
في تعداد مواقف القوى الخارجية، يمكن تسجيل مطالبات أميركية بضرورة انتخاب رئيس. سعي فرنسي مع مبادرة تقضي باتفاق على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وآلية تشكيلها. موقف مصري يريد الحفاظ على التوازن والدولة ومؤسساتها، خوفاً من انهيار أكبر وأشمل. موقف سعودي ثابت منذ العام 2020 بأن لبنان يحتاج إلى إصلاحات شاملة سياسياً واقتصادياً ومالياً. وموقف قطري عبر عنه أمير قطر في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن لبنان يقترب من مشارف الخطر ولا بد من مساعدته. وتحت هذا الإطار يمكن وضع التحرك القطري في لبنان، والذي يوضع أيضأص في خانة تحرك استطلاعي لمعرفة ما يمكن البناء عليه للوصول إلى تسوية.

كل هذه المواقف، تدل على مؤشرين: انعدام الجدية لدى بعض أعضاء الخماسية، في عدم الدخول بالتفاصيل وعدم تقديم الطروحات بشكل واضح ومباشر. بخلاف قوى أخرى تسعى إلى تلمّس ما يمكن القيام به، وتدخل في التفاصيل، كما هو الحال بالنسبة إلى فرنسا التي أغرقت نفسها في تفاصيل لم تعد قادرة على الخروج منها. وقد تعثرت مبادرتها. وبعكس المسار الذي تسلكه قطر من خلال تحركها، الذي بدأ مع زيارة وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي إلى بيروت، واستكمالاً بجولات الموفد القطري، من خلال الاستماع إلى غالبية القوى، وتجميع مواقف من دون الالتزام بتفاصيل أو الإنحسار بموقف.

التسريبات المتناقضة
وكما هو الحال بعدم وجود جدية خارجية لدى بعض القوى، خصوصاً أن لبنان لا يبدو على جدول أولويات هذه الدول.. هناك انعدام جدية داخلية في التعاطي مع الاستحقاق. والدليل الأبرز هو التسريبات التي تعمل القوى المختلفة على إطلاقها حول لقاءات الموفد القطري مثلاً، ومن قبله حول لقاءات المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان.

يسعى كل طرف في الداخل إلى تسريب ما يلائمه من أجواء، ومن سياقات سياسية بشكل يتقاطع مع رغباته ووجهة نظره. ولذلك، تبرز التسريبات المتناقضة حول الأسماء أو الوجهات التي يتم إلباسها للموفد القطري. فتارة يسرّب أحد الأطراف أن قطر تتبنى خيار قائد الجيش، وتارة أخرى يتم تسريب مسألة تبني خيار مدير عام الأمن العام الياس البيسري، بالإضافة إلى توزيع لائحتي أسماء، تضمان الأسماء نفسها تقريباً، ولكن مع تغيير تراتبية الطروحات.

فالورقة الأولى التي جرى تسريبها لبنانياً، تتضمن بالترتيب أسماء، قائد الجيش جوزيف عون، النائب نعمت افرام، مدير عام الأمن العام اللواء الياس البسيري، والوزير السابق زياد بارود. فيما الورقة الثانية التي جرى تسريبها، تتضمن ثلاثة أسماء، هي لقائد الجيش جوزيف عون، مدير عام الأمن العام اللواء الياس البيسري والمدير السابق للمخابرات جورج خوري. فيما بعد سرّبت ورقة ثالثة دمجت كل هذه الأسماء، أي الورقة الأولى يضاف إليها اسم جورج خوري، ولكن جرى تغيير تراتبيتها، في وضع اسم الياس البيسري في البداية، يليه اسم نعمت افرام، وبعدها اسم جورج خوري ومن ثم قائد الجيش.

وهذه الورقة حظيت بتعليقات كثيرة، أبرزها أن قطر لا تتبنى اسم قائد الجيش، فيما ذهب آخرون ليشرحوا محاضر اجتماعات مثلاً، تتعلق بأن النقاش كان حول حيازة سليمان فرنجيه على 51 صوتاً، وبالتالي عدم القدرة على إيصاله، فيما قائد الجيش لا يحظى بموافقة حزب الله، حركة أمل، والتيار الوطني الحرّ، وبالتالي لا يمكنه أن يصل إلى الستين صوتاً في ظل الفرز القائم حالياً. فورد طرح نعمت افرام، الذي يعتبره حزب الله أنه محسوب على 14 آذار، ولديه مصالح في الخليج وفي الولايات المتحدة، وبالتالي لن يكون حاظياً بموافقة الحزب، فيتم الإنتقال إلى طرح ثالث.. وهذا ما دفع إلى تغيير تراتبية الأسماء المطروحة.
هنا يبرز من يتحمس لطرح البيسري على قاعدة علاقاته الجيدة مع الجميع، ولا موقف سلبياً تجاهه من قبل حزب الله أو التيار الوطني الحر. يبقى كل ذلك في إطار التسريبات الأمنية، بشكل لا يظهر جدية في مقاربة الاستحقاق، إنما وضع كل الطروحات في خانة حرق المزيد من الأسماء، وتقطيع المزيد من الوقت وإهدار الفرص.