Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر August 31, 2023
A A A
القمار الإلكتروني في لبنان: تحديات اجتماعيّة وقانونيّة
الكاتب: البروفيسورة وديعة الاميوني - موقع المرده

يشهد لبنان تصاعداً ملحوظاً في الاقبال على القمار الإلكتروني الذي يعتمد على المراهنة والرهان باستخدام المنصات الإلكترونيّة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكيّة، وينشط على مواقع الكازينوهات الرقميّة والرهانات الرياضيّة والسباقات وألعاب الحظ الافتراضيّة المتنوعة.
يؤثر القمار الالكتروني بشكل سلبي على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للافراد، ويتمخّض عنه تداعيات شاملة يتطلب تدخلاً فعّالاً من المراجع المعنية لأجل الحد منها ومعالجة آثارها، خاصة ان القمار الالكتروني اضحى من القضايا المعقدة والمحورية في العصر الرقمي الحديث، بعد ان تفشى بشكل مقلق في ظل تحديات اجتماعية مثل التسبب في تفكك العائلات والانخراط في الديون والافلاس المالي وزيادة حالات السرقات والعنف والاكتئاب والقلق والتأثير السلبي على الصحة النفسية والعقلية. هذا اضافة الى تحديات قانونية خاصة انّ التشريعات اللبنانية اليوم تبقى غير كافية لأجل تحديد الجهات المخالفة ومكافحة التحايل على القوانين ووضع إطار تشريعي قوي يطال الجرائم المالية المتعلقة بغسيل الأموال وتهريبها من خلال القمار الإلكتروني. اما اذا تحدثنا عن التداعيات الماليّة والضريبيّة، فنرى أنّ الأموال التي يتم إنفاقها على هذه الآفة تنخرط في دورة غير منتجة، مما يؤثر على الاقتصاد ويقلل من الإنفاق الإيجابي عامة. ونشير هنا انّ القمار الإلكتروني غير الشرعي يفتقر إلى تنظيم ضريبي فعّال، يضع على المحك اشكالية تفادي دفع الضرائب وتدني عائداتها وتجاوز التزاماتها المالية تجاه المؤسسات الحكوميّة.
وعليه، يتوجب على للدولة اللبنانيّة الاسراع في وضع حلول جذريّة تعود بالنفع على المؤسسات العامة والمواطنين، والمبادرة في تعزيز التشريعات وتطوير القوانين لكي تشمل جوانب مكافحة الغش وحماية اللاعبين، والتصويب نحو استخدام القمار الالكتروني الشرعي الذي يجب ان يقترن بتفعيل المجال الضريبي ووضع نظام فعال يستهدف الأموال المتدفقة من القمار الإلكتروني ويضمن تحقيق عائدات ضريبية منه. هذا اذا ما نحدثنا عن أهميّة توعية المواطنين وترويج حملات تثقيقية بمخاطر القمار الإلكتروني وآثاره السلبية على الصعيدين الاجتماعي والصحي/النفسي للانسان.
اخيرًا نقول، أنّ مكافحة القمار الإلكتروني في لبنان تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة والمؤسسات ذات الصلة، بالإضافة إلى توعية الجمهور بمخاطره، واعتماد تشريعات صارمة. يمكن للبنان التصدي لهذه الاشكالية بفعالية، وحماية المجتمع من آثارها السلبية، وبالتالي التغلب على هذه التداعيات وتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار. ويمكن للمراجع السياسية المعنية الاهتمام بوضع قوانين صارمة لمكافحة وحظر القمار الإلكتروني غير الشرعي، مثل تعزيز التعاون الدولي لمكافحة القمار الإلكتروني عبر تبادل المعلومات والخبرات مع دول أخرى تواجه نفس المشكلة، وحصر منح التراخيص للمشغلين الذين يتوافقون مع معايير تنظيم محددة لضمان الشفافية والنزاهة في أنشطة القمار الإلكتروني، مع الزامية امتثالهم للقوانين وتقديم تقارير منتظمة إلى الجهات الرقابية. كما يجب على الدولة ان تضع قوانين تعاقب كل من يمارس القمار الإلكتروني غير الشرعي بغرامة مالية كبيرة قد تصل إلى حجز الممتلكات أو السجن لفترة طويلة في حالة تكرارها.
باختصار نقول انه يمكن للبنان القضاء على القمار الإلكتروني غير الشرعي والحد من تداوله من خلال التعاون الدولي وتنظيم القطاع بالتعاون والتنسيق مع خبراء فنيين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال لأجل توفير بيئة آمنة للمشاركين/اللاعبين والمراقبة والمحاسبة القانونية وضمان حق الدولة في العائدات الضريبية، وايضا اطلاق حملات التوعية المكثفة لاجل حماية المجتمع من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة من خلال الارشاد والتوعية والتوجيه.

*استاذة جامعية وباحثة اجتماعية