Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر August 29, 2023
A A A
التحرير الثاني: الإنتصار الثالث والأقرب الى فلسطين
الكاتب: مريم نسر - الديار

لم يكن التحرير الثاني عام ٢٠١٧ حدثاً عادياً، إنما شكَّل مُنعطفاً تاريخياً في تجربة المقاومة، لأنه تَميَّز بكونه أول تدخّل عسكري ميداني علني خارج دائرة الصراع مع الإحتلال الصهيوني وخارج الأرض اللبنانية، وهذا ما أعطى هوية جديدة للمقاومة ، حوّلتها من كونها حركة تحرير وطنية الى كونها قوّة مؤثّرة على المستوى الإقليمي، وبمعزل عن المبررات الموضوعية التي شرحها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في عدة مناسبات لهذا النوع من التدخّل، فإن نتائج خطيرة ومُهمة ترتبت على هذا التحرير:

– أولاً: وفّر ميدان المعركة الجديد للمقاومين امتلاك مهارات القتال في المدن والمرتفعات والأماكن المفتوحة، واستخدام أنواع جديدة من الأسلحة، بل تطوير بعضها بما يتناسب مع الحاجات العملياتية.

– ثانياً: شكّل تدخّل المقاومة تعزيزاً لدورها في حماية الحدود اللبنانية، وليس فقط الحدود الجنوبية، وهذا ما امتدّ أثره على حماية الحدود البحرية والثروات النفطية.

– ثالثاً: فرَض الميدان الجديد خططاً جديدة للعمليات الهجومية والأمنية في عمق خطوط العدو، مما رفع في القدرة القتالية الهجومية التي يحتاجها تحرير الجليل.

– رابعاً: عزّز التحرير الثاني من قيمة التنسيق بين الجيش والمقاومة، ووجّه الأنظار الى أهمية اتخاذ القرارات الإستراتيجية على المستوى السياسي في مواجهة الغطرسة الأميركية، فهنا يمكن اعتبار أن النصر السياسي تَحقَّق بمجرَّد معارضة الإرادة الأميركية.

– خامساً: أفشل التحرير الثاني خطة التقسيم التي كانت مُعِدَّة لسوريا ولبنان والعراق، حين استطاعت المقاومة كسر خطوط الربط الحدودية بين الغرب السوري والشمال الشرقي اللبناني، الذي كان مقرَراً أن يكون “ولاية داعشية” ممتدة من ريف حمص والقصير الى شمال لبنان.

– سادساً: حوّلت المعركة التي خاضتها المقاومة على الحدود، التهديد الوجودي الى فرصة إستقطابية، فقد عززت هذه المعركة الروح الجهادية لبيئة المقاومة، حيث كان لكل بيت من بيوتاتها نصيب في التضحية بشهيد أو جريح أو مقاوم، وهذا ما أدى فيما بعد الى الإلتصاق العميق بين جمهور المقاومة وقيادتها، فالتضحية في ثقافة هذه المقاومة لم تُشكِّل خسارة يوماً، بل كانت ثمناً دائماً لشراء حصة في انتصاراتها..

لذا لم يكن التحرير الثاني إنتصاراً واحداً وإنما كان مجموعة انتصارات، ولم يكن عيداً واحداً، إنما كان مجموعة أعياد عابرة للحدود وجامعة لأبناء الوطن الواحد، ولم يكن إنجازاً عادياً وإنما كان إختباراً جديداً لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، المقاومة التي استجابت والشعب الذي احتضن والجيش الذي حضر بقرار رسمي حاسم، وبهذا التكامل تَحقَّق التحرير الكامل.

لقد تَنقّلت المقاومة في لبنان بين ثلاثة انتصارات، وبعد كل انتصار كانت تتقدّم خطوة باتجاه إزالة الكيان الصهيوني، فهي كانت في بداياتها تهديد أمني للكيان، وبعد الألفين، عام تحرير الجنوب واقتراب المقاومة جغرافياً من الأراضي المحتلة، تحوّلت الى تهديد استراتيجي..

وبعد حرب تموز ٢٠٠٦ وبسبب قوّة الردع التي أظهرتها المقاومة وفرض المعادلات الجديدة التي تُتيح لها النمو والتطور، دون امتلاك العدو القدرة على التدخل الجراحي لمنع هذا التطور، تحوّلت الى تهديد وجودي للكيان، مما هزّ ثقة الجبهة الداخلية بقيادتها، وثقة المتدينين ببقائهم أكثر من ثمانين عاماً منذ التأسيس، وثقة جيش العدو على القدرة على الانتصار، كما أن أحد إفرازات اهتزاز الثقة ما يشهده الكيان من إنقسامات حادة على المستوى السياسي، واتهامات متبادلة وتشكيك بين أعضاء الطبقة الحاكمة.

أما بإنجاز التحرير الثاني، خسر الكيان الصهيوني رهانه الأخير على إشغال المقاومة بحرب استنزاف مذهبية، وبالتالي ارتفع مستوى تهديد المقاومة للكيان، وقرّب الأجل الذي يُحاول الكيان تأخيره ألا وهو تحرير فلسطين…