Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر July 8, 2023
A A A
الاستثمار في العقار لا يزال الملاذ الآمن والاسعار دون مستوياتها: المغتربون عماد السوق والمطوّرون يعوّلون على تغييرات تقلب المشهد
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

 

تعكس أسعار العقارات في جميع اسواق العالم صورة النمو ومعدلاته وقوة الاقتصاد. وفي لبنان البلد الصغير المساحة كان العقار فيه الملاذ الآمن الى جانب المصارف لحماية جنى العمر والاستثمارات المربحة البعيدة المدى. وبعد 17 تشرين والسقوط الجماعي للقطاعات الاقتصادية كافة نتيجة الانهيار المريع للعملة الوطنية، دفع القطاع العقاري الثمن إسوة ببقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، فتوقفت عجلة البناء والتطوير والبيع وانهارت الاسعار في بعض الاماكن الى ما دون النصف، خصوصا بعد التوقف الكلّي للمصارف التجارية ومصرف الاسكان عن منح القروض، اضافة الى تنامي عروضات البيع مقابل ندرة في الشراء. وعلى مدى عامين متتاليين اقتصرت المبيعات على بعض الشقق المنجزة التي سعى مطوروها الى بيعها بأسعار مخفضة لتسديد ما عليهم من تسليفات ومتوجبات للمصارف، ولكن منذ سنة تقريبا وبعدما أخذ الاقتصاد يعيد تكيّفه مع الازمة، بدأ الاقبال على شراء العقارات خصوصا من المغتربين الذين وجدوا في الاسعار المطروحة فرصة ذهبية للاستثمار بعدما فقدوا ملاذهم الآمن في المصارف.

والى انخفاض الاسعار، لا تزال السوق العقارية في لبنان محكومة بعاملين أساسيين وفق ما يقول الخبير العقاري رجا مكارم، الأول أن “كل التداولات العقارية اصبحت محصورة بالدولار الطازج النقدي القابل للتحويل، فيما التعامل بالدولار المصرفي القديم يتم بقيمته التحويلية التي وصلت الى 10% من قيمته التقليدية. والعامل الثاني يتعلق بغياب تام للتسهيلات المصرفية، فمن ينوي الشراء عليه تسديد الثمن بالكامل نقدا وعدّا. لذا اصبحت السوق العقارية متاحة لعدد أقل من القادرين على تأمين الدولار الطازج القابل للتحويل الى الخارج، وهذا يعني أن من يملك الدولار الجديد هو الذي يتحكم بالسوق”.

ويقارن مكارم بين هبوط قيمة الاموال والايداعات لدى المصارف إلى 10 أو 15% من قيمتها أي بانخفاض 85 – %90 وبين العقار الذي حافظ على قيمة أعلى بكثير، علما أنه في العام 2019 لم يكن العقار أكثر جذبا، إذ انخفضت أسعار الشقق والاراضي ما بين 2019 و2022 الى ما بين 30 و50%، فيما ارتفع عدد الشقق المباعة عام 2020 و2021 عن الشقق المباعة عام 2019 بكثير. أما خارج المدن وفي بعض الارياف فقد تجاوز الهبوط في الاسعار الـ70%، ولا من يشتري.

وعلى رغم عدم تقبّل الكثير من المالكين فكرة انخفاض الأسعار، لا تزال ثمة فرص كثيرة متوافرة للمستثمر، مقيما كان أم مغتربا، وفق ما يقول مكارم، “إذ يمكن شراء شقة في منطقة فرن الحايك الراقية (في الاشرفية) بسعر 2000 دولار للمتر المربع الذي كان يتداول في 2019 ما بين 2500 و 3000 دولار، كذلك يمكن شراء بيت قديم تراثي في ارقى احياء الاشرفية بنصف سعره الذي كان عليه في العام 2019. وفي منطقة البترون مثلا يمكن شراء أرض ذات واجهة بحرية (Pieds dans L’eau) بأقل من 2000 دولار للمتر المربع، علما أن الاسعار كانت قد وصلت في 2019 إلى 4000 دولار للمتر، ويمكن شراء عقار (أرض) في وسط المدينة بأقل من 1000 دولار لمتر الهواء القابل للبناء، في حين كانت اسعارها في العام 2019 لا تقل عن عن 1200 دولار”.

واللافت أنه في خضم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، حصلت قبل بضعة أسابيع عملية بيع عقار في محلة ميناء الحصن (على حدود منطقة سوليدير الغربية) في موقع مميز مطل على البحر ولا يمكن حجبه حيث يمكن بناء 82 ألف متر مربع قابلة للبيع، بما فيها الشرفات بسعر لم يتجاوز 42 مليون دولار أي ما يعادل 500 دولار لمتر الهواء القابل للبناء والبيع. ويقول مكارم إن “الشقق الفخمة العالية الجودة والمميزة بموقعها لا تزال تستقطب طبقة ميسورة قادرة من المقيمين أو المغتربين على دفع قِيم تفوق 4 أو 5 ملايين دولار في ارقى أبنية بيروت. وعلى سبيل المثال يذكر مكارم أنه تم شراء شقق فاقت قيمتها الـ 4000 دولار للمتر الواحد (شقة مميزة في أحد أفخم وأجمل ابنية بيروت بسعر 4900 دولار للمتر، فيما الشقة نفسها كانت تقدر في العام 2019 بما لا يقل عن 7000 دولار للمتر المربع).

ولكن ما الذي يحفز هؤلاء المشترين على الشراء؟ يرجع مكارم الاسباب الى غياب مشاريع التطوير الجديدة، وما عزز أكثر اسعار هذه الشقق المتوافرة حاليا هو ان كلفة بنائها اليوم تفوق بكثير الاسعار المعروضة في السوق.

ويتوقع مكارم ارتفاع الاسعار مجددا، مستندا الى عوامل عدة، منها “أن لبنان مر في منتصف الثمانينات من القرن الماضي بأزمة أقسى حيث كانت العقارات تسعّر بالليرة اللبنانية وتدنت قيمتها كثيرا مقابل الدولار، ونهض القطاع مجددا. أما اليوم فالعقارات مسعرة بالدولار فيما عدد الشقق المعروضة يتضاءل في غياب مشاريع تطوير جديدة”، لافتا الى ان “عوامل ارتفاع الاسعار تفوق عوامل انخفاضها، لذا ننصح المشترين عندما يجدون طلبهم الذي يوافق ميزانيتهم ان يبادروا الى الشراء من دون إضاعة الوقت، إذ لا ينفع الانتظار ولا الندم”.

مع بداية عام 2020 وبعد الازمة الاقتصادية والمالية التي حلت بلبنان وبداية تدهور سعر الصرف، بدأ انخفاض اسعار العقارات في لبنان بنسبة 50% وأكثر، وفقا للمناطق اللبنانية، ومن ثم نشطت حركة عقارات عندما قام كبار المودعين بشراء العقارات بشيكات مصرفية بقيمة أقل من قيمة الدولار الفعلي. ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي إنه “مع عودة دوران الحركة الاقتصادية في العام 2022، عادت السوق العقارية الى التحسن، متأثرة بالازمة الاقتصادية العالمية والتخوف من فقدان الدولار لقيمته الحقيقية، فعمد الكثير من اللبنانيين وخصوصا المغتربين منهم الى استثمار أموالهم في شراء العقارات، بما رفع سعر العقار بنِسب تراوح ما بين 20 و30% عما كانت عليه منذ بداية الازمة. ولاحظ جباعي أن “سوق العقارات أصبحت اكثر نشاطا هذه السنة مع اقبال المغتربين على شرائها خصوصا في مناطق الجنوب اللبناني بما رفع سعرها بين 60 و70% عما كان عليه بداية الازمة”. فالعقار برأيه “يعتبر الملاذ الآمن للمغتربين خصوصا أن القطاع المصرفي في لبنان يعاني أزمة ثقة، وتاليا يتخوف هؤلاء من ايداع اموالهم فيه، توازيا مع توسع رقعة الازمة العالمية وأزمة المصارف العالمية”. وعلى رغم ارتفاع الاسعار حاليا، إلّا ان جباعي يؤكد أن الاسعار لا تزال مناسبة للشراء كونها لم تصل بعد الى اسعارها التي كانت عليها قبل أزمة 2019. لذا ينصح “من لديه رأسمال أن يستثمره بالعقارات من اجل المحافظة عليه مستقبلا”، واكثر يتوقع أنه “في حال التوافق على رئيس للجمهورية مع اتفاق عام مع صندوق النقد الدولي مرتبط بخطة تعاف مالية واقتصادية شاملة سيعود سعر العقار الى التحليق أكثر مما كان عليه 2019، وذلك لاسباب عدة منها “الاتجاه الى شراء العقارات بدلا من الاحتفاظ بالكاش، وان لبنان سيصبح بلدا نفطيا عاجلا أم آجلا بما يحرك العجلة الاقتصادية في البلاد، وتاليا فإن اسعار العقارات وخصوصا القريبة من مناطق استخراج النفط والغاز ستشتعل وتحلّق عاليا، اضافة الى أنه من الواضح أن لا حل سريعا لأزمة المصارف بما سيستدعي المزيد من الاتجاه الى العقارات، يضاف الى هذه العوامل أن مصرف الاسكان بدأ بالتحضير لرزمة قروض بالدولار”.

قروض مصرف الاسكان؟
اتخذ مجلس الوزراء قرارا بتعديل ملحق اتفاق القرض من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الموقّع في 26/11/2019 بين مصرف الإسكان والصندوق العربي بواسطة مجلس الإنماء والإعمار، وهذا التعديل وفق رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب، يقضي بتعديل عملة القرض الذي سيكون بالدولار الأميركي بدل الليرة اللبنانية نظرا إلى تدهور سعر الصرف، وتاليا يؤكد أنه “سيكون في استطاعة اللبنانيين الحصول على قرض بـ40 ألف دولار لذوي الدخل المحدود و50 ألف دولار لذوي الدخل المتوسط”. أما الشروط للافادة من القرض فتقضي بأن لا يكون للمستفيد أي مسكن باسمه في لبنان أو مستفيدا من أي قرض آخر، وأن لا تكون مساحة العقار الذي ينوي شراءه أكثر من 150 مترا مربعا.

وإذ توقع الافراج عن مبلغ الخمسين مليون دينار كويتي خلال شهرين على الاكثر بعد الإتفاق النهائي على بعض الامور التقنية مثل نسبة الفائدة، ثمة نحو 5 آلاف عائلة لبنانية ستفيد من هذا القرض فيما سيؤخذ في الاعتبار مدخول العائلة وليس راتب الفرد في العائلة، على أن يتم تفعيل منصة يستطيع من خلالها المواطن تعبئة استمارة الشروط من منزله.