Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر April 6, 2023
A A A
هل سيُعيد النوّاب المسيحيّون التفكير بأدائهم بعد عظة الراعي في خلوة بيت عنيا؟
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

 

لبّى 53 نائباً مسيحياً من أصل 65 دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في «أربعاء أيّوب» لقضاء «يوم رياضة روحية وصلاة» في بيت عنيا، علّه يخرج من هذا اللقاء الروحي توافق مسيحي ما على إسم رئيس الجمهورية المقبل. وإذ رأى البعض في خلوة النوّاب مع البطريرك الراعي، يوم صلاة عادي لن يؤدّي الى أي نتيجة ملموسة، أكّد البعض الآخر أنّه «ليس علينا أن نكون سلبيين، فإذا لم يتمّ التوصّل خلال الخلوة الى أي حلّ للأزمة الرئاسية، غير أنّ لقاء المسيحيين كان أفضل بكثير من عدمه، كما من استمرار التشنّج أو الخلافات فيما بينهم، ولا بدّ من أن تحمل الأيام المقبلة نتائج هذه الخلوة على الساحة السياسية.

فعظة البطريرك الراعي خلال القدّاس الذي شارك فيه النوّاب حملت مواقف قويّة، وقد استمدّها من توصيف للبابا فرنسيس عن السياسة السيئة القائمة على تفضيل المصالح الشخصية على الصالح العام، ولا بدّ من أن يُغيّر ما جاء فيها من تفكير البعض من النوّاب كما من أدائهم في المرحلة المقبلة.. وممّا قاله الراعي: «إنّ السياسة السياسة السيئة تستعمل كلّ الوسائل للوصول الى مصالحها فتسحق الفقراء وتستغلّ الأرض وتواجه النزاعات ولا تعرف كيف تحاور، ولا تعرف كيف تحاور».

 

وتجد مصادر سياسية متابعة أنّه يكفي سيّد بكركي في المرحلة الأولى أنّه تمكّن من جمع غالبية النوّاب المسيحيين، بعد أن صَبَر على غرار أيّوب، وإن كانوا يجتمعون بشكل مستمر تحت قبّة البرلمان ويتشاركون العمل في ملفات اللجان النيابية، سيما وأنّ اجتماعهم جاء تحت السقف الديني والروحي الذي يجمع المسيحيين فيما بينهم بالدرجة الأولى، غير أنّه ناقش كلّ ما يُحيط بموقع الرئاسة الأولى في البلاد بالدرجة الثانية، والتي تعني بطبيعة الحال كلّ شخص منهم، وذلك تلافياً لتفكّك الدولة إذا تقاعسوا عن مسؤولياتهم. لِذا فالتفاف المسيحيين حول الراعي هو أمر طبيعي في ظلّ الشغور الرئاسي الحالي للبحث في مخرج ما للأزمة الرئاسية. فوجود المسيحيين وبقاؤهم في لبنان أمرٌ يوليه النوّاب المسيحيون أهمية كبرى، ما يُحتّم عليهم التصرّف للحفاظ عليه انطلاقاً من الذهاب سريعاً لانتخاب الرئيس.

فاللقاء والحوار، على ما رأى أحد المشاركين في خلوة بيت عنيا، هما أفضل بكثير من أن تبقى المكوّنات السياسية المسيحية متمترسة في أمكنتها، ولا تُعلن عن مواقفها إلّا وسائل الإعلام، ولا تقوم سوى بمهاجمة بعضها البعض وترفض أي دعوة للحوار. وما تلبية النوّاب المسيحيين لدعوة الراعي، سوى لأنّه بات لديهم قناعة راسخة أنّه لا يمكن التوصّل الى حلّ للأزمة الرئاسية وما يليها من إستحقاقات من دون اللقاء والتحاور، ليس فقط من خلال تلاقيهم مع بعضهم البعض فقط، إنّما مع الأفرقاء الآخرين في مرحلة لاحقة. أمّا الهدف الأساسي فهو الحفاظ على كيان الدولة، وعدم تركها عرضة للتفكّك والتحلّل وفق أجندات خارجية.

وتتوقّع المصادر نفسها أن يبدأ طرح الأسماء المدرجة على لائحة بكركي، التي توسّعت وباتت تشمل 16 إسماً، وإن كانت الأحزاب المسيحية الأساسية أي «التيّار الوطني الحرّ» و»القوّات اللبنانية»، و»الكتائب اللبنانية» لا تزال مصرّة على عدم انتخاب فرنجية، على أنّ لكلّ كتلة أسبابها ورؤيتها الخاصّة بها. ولٍذا فإنّ عدم حضور رئيس «تيّار المرده» الوزير السابق سليمان فرنجيه ورئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع اللقاء المسيحي قد أضعفه، كونهما ليسا من بين النوّاب المسيحيين حالياً، رغم أنّ كلّ منهما كان ممثّلاً بكتلته النيابية، لا سيما لجهة الخروج باتفاق سياسي على اسم ما. فلو كان كلّاً من فرنجية وجعجع حاضرَين شخصياً لاتخذ اللقاء طابعاً مغايراً، إذ كان من الممكن أن يؤدّي الى كسر الجليد في العلاقات بين القادة الموارنة. ففرنجية كان أقنع باسيل وجعجع والجميّل بالتصويت له، أو على الأقلّ بتأمين النصاب القانوني لانتخابه، أو أقنعه كلّ منهم بالمرشّح الذي يُفضّله للرئاسة بحسب المواصفات التي يضعها كلّ حزب للرئيس المقبل للجمهورية.

غير أنّ بعض المراقبين يرى بأنّه حتى التسوية الإيرانية- السعودية التي بدأت بنودها تُنفّذ، وستظهر نسختها النهائية خلال الشهرين المقبلين، لن تؤثّر لا على قرار باسيل ولا على قرار جعجع أو الجميّل في تغيير موقفهم من رفض انتخاب فرنجية. ولهذا يجدون بأنّ الخطوة التالية لسيّد بكركي هي محاولة جمع الزعماء الموارنة أي باسيل- جعجع- فرنجية- الجميّل للخروج بموقف سياسي مسيحي ماروني واضح، يُمكن أن يُعرض على الفريق الآخر.

في الوقت نفسه، يؤكّد المراقبون أنّ التقارب السعودي- الإيراني لا يزال في طور التجربة، ما يجعل حسم الأمور متسرّعاً بعض الشيء قبل انتظار النتائج المتوقّعة منه. كذلك فالإنفتاح السعودي البارز على سوريا من خلال قرار دعوة الرئيس السوري بشّار الاسد الى حضور القمة العربية التي ستُعقد في الرياض في 19 أيّار المقبل، بعد نحو 12 عاماً على تجميد عضوية النظام في الجامعة العربية بهدف إنهاء عزلتها الإقليمية بشكل رسمي، لا يُمكن ألّا ينعكس بشكل إيجابي على لبنان. فمع تمسّك الحلفاء الداخليين بمواقفهم، وأن يكونوا «ملكيين أكثر من الملك»، لا سيما مع بداية ترجمة الإتفاق السعودي- الإيراني في المنطقة، سيُصبحون كمن يذهب الى الحجّ فيما الآخرون يعودون منه، والمطلوب ملاقاتهم الى منتصف الطريق.

وفي الجهة المقابلة، يبدو أنّ حزب الله جاهز اليوم للحوار مع الفريق الآخر، والأمر كذلك بالنسبة الى «حركة أمل»، إذ سبق وأن دعا رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي جميع النوّاب مرتين للحوار للوصول الى التوافق على إسم رئيس الجمهورية قبل العودة الى جلسات جديدة لانتخاب الرئيس، لكي لا تكون فولكلورية على غرار الجلسات الـ 11 السابقة. ولهذا يبدو لبنان أمام فرصة حقيقية للتوافق، لا سيما وأننّا أمام وضع إقليمي جيّد. فإذا كان حزب الله يُدافع عن ايران، والمعارضة اللبنانية تُدافع عن السعودية، والسعودية وإيران قد اتفقتا، فعلى الأقطاب الداخليين الإتفاق فيما بينهم، أو على الأقلّ الإستفادة من اللحظة التي تبدو مؤاتية، سيما وأنّ لبنان لن يعود مستقبلاً ساحة صراع بين هذين المحورين.