Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر February 6, 2023
A A A
“دولرة” السلع الغذائيّة… ضربة جديدة للمواطن وفوضى فوق الفوضى
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

بعد تبرير طويل في مؤتمره الصحافي، “دولر” وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أسعار السلع الغذائية، في خطوة تهدّد الأمن الغذائي للمواطن، وتمعن انهيارا في عملته الوطنية، لا سيّما في ظلّ غياب الرقابة الرسمية وتطبيق القانون.

سلام الذي طمأن اللبنانيين بأنّ التسعير بالدولار يحافظ على السعر، دون ربطه بارتفاع سعر الصرف مع منع اضافة الهوامش بالليرة، لم يخبرهم أنّ ما من أحد يستطيع أن يضمن عدم تلاعب التجار بأسعار السلع من الأساس، وعندما أشار كذلك إلى أنّ هذا الإجراء استثنائي ولفترة زمنية محددة، فانه بذلك يؤكد أنّنا في بلد يصبح القرار فيه تلقائيا عرفا، وأمرا واقعا.

إذا، وبعد طول انتظار نجحت نقابة مستوردي المواد الغذائية وأطراف أخرى، في إقناع وزارة الاقتصاد والتجارة بدولرة السلع الغذائية، على أن يتمّ الدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف السوق أو بالدولار النقدي، وبعيدا عن الإبجابيات التي يراها فقط المستوردون، والتي تتلخّص بأنّ القرار سيضبط الفوضى الحاصلة في التسعير وتقلّب الأسعار بين لحظة وأخرى، فإنّ القرار لم يوضح: كيف سيمنع القرار تقلّب الأسعار، في ظلّ تقلّب سعر صرف الدولار؟ والأهم من سيضمن التزام التجار في زمن الفوضى؟

“شو هالقرار؟”، بهذه الكلمات عبّرت مسؤولة المراقبة ونائبة رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتورة ندى نعمة عن موقف الجمعية الرافض للقرار، لافتة إلى أنّه ما من بلد في العالم يقف مع التجار إلّا لبنان، مؤكدة على أنّ هذه القرارات الاعتباطية من قبل المسؤولين تزيد من الضغط على كاهل المواطن، خصوصا مع انهيار القدرة الشرائية لديه، ما يفسح المجال أمام التاجر للعب أكثر بالأسعار، في ظلّ غياب أيّ آلية للرقابة، وهنا ندخل بـ “الاقتصاد الفوضوي”، وكان الأجدر بالمسؤولين وضع خطة اقتصادية قبل الذهاب إلى إجراءات لحماية التاجر.

ولفتت نعمة إلى أنّه لو لم تكن أسعار الخضر والفواكه مقبولة لمات الناس جوعا، وأنّ القوانين تمنع التسعير بالدولار، وأنّه تمّت التغطية على ذلك بإصدار قرار، مشيرة إلى أنّ تسليم الاقتصاد للتجار بالدولار موضوع خطر، سيؤدّي إلى زيادات هائلة بالأسعار بحجة “إنو عم يطلع وينزل الدولار”، ومؤكدة أنّ الوزارة تصغي للتجار ولا تصغي للناس، وأنّ وزير الاقتصاد لم “يدعونا يوما الى أي اجتماع كممثلين للناس، فهو يدعو التجار فقط ويتفق معهم”.

وكانت جمعية حماية المستهلك قد أصدرت بتاريخ 31 كانون الثاني الفائت بيانا رأت فيه أنّ الاقتراح يبدو صحيحا ظاهريا، إذ يحدّد سعر السلعة وفق سعر الدولار لحظة البيع، وبذلك لا يمكن للتاجر التلاعب بالسعر، وإلّا سيتمكّن موظفو الوزارة من التدخل وضبط التاجر بالجرم المشهود، لكنها لحظت في المقابل، أنّ الخطة دونها عقبات كثيرة منها: ” وفق أي سعر سيتم احتساب الدولار؟ منصة او سوق سوداء او دولار بـ 8 ، 12 أو 15 ألف ليرة؟ وسعر السوق السوداء وفق أي مرجع؟ مع احتمال تغيير السعر بين دقيقة وأخرى…” أضافت: “من سيحدد سعر السلعة بالدولار، هل هو التاجر ووفق فواتير ستكون بمعظمها مزورة؟ وأي سعر تاجر سيعتمد المستورد الأساسي الوسيط، أم الصغير؟… عمليا سيكون لكل تاجر سعره الخاص، وهو سيحدده وفق مصلحته. والكثير من التجار، اذا لم يكونوا كلهم، سيعمدون الى تحديد السعر، أي سعر بهامش ربح كبير”.

كما لفتت الجمعية إلى أنّ الوزارة لن تستطيع التحكم بالدولرة على الاطلاق، بل هي ستهدي فقط التجار سلاحا حادا يسمح لهم بادارة العملية التجارية وفق مصالحهم … كما يهدي الوزير التجار والمصارف الدولرة على طبق من ذهب… واقترحت للحل:

– إقرار السلطة الفوري لخطة دعم مبرمج للقطاع الصناعي والزراعي وشركات التكنولوجيا الرائدة مع استثمار أكبر مبالغ ممكنة فيها، مما سيسمح بالتصدير وزيادة حجم العملات الصعبة وتحسين عجز الميزان التجاري.

– محاسبة المسؤولين عن الانهيار واسترجاع الثروات المنهوبة والمهربة.

– فتح باب المنافسة على مصراعيه ورفع العوائق التي وضعتها الاحتكارات السياسية والتجارية امام لبنانيي المهجر ليشاركوا في المنافسة ونهضة البلاد.

– إعادة تشكيل الدولة خارج القيد الطائفي كما نص عليه الدستور.

وختمت بيانها بأنّ الدولرة مجرد مهرب إضافي تسعى اليه سلطة الطوائف للهروب من مسؤوليتها بعد ثلاث سنوات وخمسة اشهر من الانهيار.

“دولرة الأسعار هي نعمة للتجار ونقمة للمواطن”، برأي الباحث الاقتصادي و خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي الذي أشار لـ “الديار”، أنّ مكونات القطاع الخاص تواصل بالهروب إلى الأمام والامتناع عن ممارسة الرقابة الذاتية، فالمطالبة بدعم الاستيراد سنة 2021 كانت لمصلحتهم والمتضرّر الأكبر منها كان المواطن، واليوم يطالبون بدولرة الأسعار.

وتابع: “حذار!” ، فالتسعير بالدولار لسلع الاستهلاك سوف يحلّ مشاكل مالكي “السوبرماركات” والمحلات التجارية ومستوردي المواد الغذائية، لكنّه بالتأكيد سوف يدفع بالعملة المحلية إلى الهاوية أكثر وأكثر، ولن تبقى ليرات لشراء الدولارات! وهذا هو هلاك المواطن والوطن.

وأوضح فحيلي أنّه خلال السنوات الثلاث الماضية، فقدت الليرة اللبنانية قدرتها على العمل “كمخزن للقيمة” (store of value) و “معيار المدفوعات المؤجلة” (standard for deferred payments) بسبب فقدان الثقة بالدولة الداعمة للعملة، رغم كلّ ما يمتلكه لبنان من ذهب، ولكن مع ذلك فإنّها تظل مقبولة، ولو جزئيًا، على أنّها “وحدة حساب” (Unit of Account) و “وسيلة تبادل” (Medium of Exchange). يجب الحفاظ على هذا القدر من الكرامة للعملة الوطنية لترك ولو خيط أمل لاستعادة الثقة فيها.

محاربة الدولار لن تحمي الليرة
ولفت فحيلي إلى أنّ محاربة الدولار لن تحمي الليرة اللبنانية، إذ علينا أن نجد طريقة لجعل الليرة هي العملة المفضلة أو المستعملة، عندما يتعلق الأمر بتسوية المدفوعات في المتاجر المحلية، ويجب أن يكون هذا هو الحال سواء كانت الأسعار مرتفعة أو أعلى، أو كان الدولار قويًا أم أقوى! وقال إنّ التحكم في الأسعار (دولرة الأسعار هي شكل من أشكال التحكّم فيها) يزيد الأمور تعقيداً، فهو لا يلجم ارتفاع الأسعار، بل ينشط حركة السوق السوداء في المواد الغذائية، ولا يمنع التقلّبات ولا الاضطرابات في الأسعار، مشدّدا على أنّه من الخطأ وضع المواد الإستهلاكية الأساسية تحت رحمة المحتكرين والمضاربين في سوق الصرف، خصوصاً أنّ السلطة صاحبة الاختصاص (مصرف لبنان)، اعترفت بأنّ الاقتصاد بكلّ مكوّناته أصبح تحت رحمة المحتكرين والمضاربين ومن يسيطر على تطبيقات الواتساب.

ورغم خطورة الوضع الاقتصادي ، يؤكّد فحيلي أنّ الحلول موجودة ومنها: تفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي (بطاقة، شيكات، تحويل)، بالحد الأدنى بالليرة اللبنانية ولتسديد فواتير الاستهلاك، ما يعطي الليرة امتيازا أمام الدولار في الاستهلاك، والعودة الى “الشمول المالي في الحسابات بالليرة اللينانية والحدّ ممّا يعاني منه المواطن اليوم وهو “الاستبعاد المالي”، إقفال حسابات توطين الرواتب بالليرة ساهم في تدهور العملة الوطنية، مؤكّدا أنّ الإصلاح هو خشبة خلاص لبنان الوحيدة من الأزمات الذي يتخبط بها.

خلاصة القول… لم يتحدّث أحد عن إيجابيّة القرار المفترض دخوله حيز التنفيذ بعد أسبوع، إلّا أصحاب هذا الاقتراح، أي التجّار بمسميّاتهم الاقتصادية والنقابية المختلفة، وحتى يظهر الخيط الأبيض من الأسود في هذا الموضوع، سيبقى المستهلك تحت رحمة التجّار، لكن هذه المرّة بعصا الدولار، فيما يستمّر أصحاب السلطة في الهروب إلى الأمام!