Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر January 21, 2023
A A A
سعر صرف الدولار من دون كوابح… فهل يصل إلى 100 ألف ليرة؟
الكاتب: النهار

فيما يستمر التأزم السياسي في ظل غياب أي مؤشرات لتسوية رئاسية من شأنها أن تمهد الطريق أمام انفراج حكومي وتساهم في تطبيق الإصلاحات المرجوة، ومع عقد حكومة تصريف الأعمال جلساتها تسييرا للأمور الطارئة وسط سجال سياسي محتدم حول دستورية انعقادها، ليس مستغربا أن يواصل مسلسل سقوط الليرة اللبنانية أمام الدولار الى قعر غير منظور، حتى باتت توقعات “بنك أوف أميركا” بوصوله الى 100 ألف ليرة قبل حلول سنة 2024 قاب قوسين، مدعوما بتطور جديد يتعلق بالتحقيقات القضائية الأوروبية مع مسؤولين ماليين ومصرفيين لبنانيين.

ولعل ثمة عاملاً آخر ساهم بارتفاع سعر الصرف الى هذه المستويات، يتعلق بتقييد مصرف لبنان تدخّله في الأسواق عبر منصة صيرفة، حيث تراجع تدخله من 300 مليون دولار يوميا في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، إلى نحو 40 مليونا يوميا فقط، وهو عامل يساهم في زيادة الطلب على الدولار مقابل العرض.

ولكن، هل سيشهد سعر صرف الدولار ارتفاعات اضافية غير مسبوقة؟ يربط الخبير الاقتصادي غسان شماس الارتفاع الاخير غير المسبوق لسعر صرف الدولار بتقنين المصرف المركزي دولارات صيرفة وحصرها بالأفراد من دون المؤسسات، ما حدا بالمؤسسات والتجار الى اللجوء الى السوق السوداء على نحو تسبب بارتفاع سعر صرف الدولار الى هذه المستويات التاريخية. ولكن قبل صيرفة من أين كان التاجر يمول استيراداته؟ يقول شماس إنه “في أواخر العام 2022 بيّنت الاحصاءات الجمركية أن حجم الاستيراد ناهز الـ 8 مليارات دولار، بارتفاع نسبته 40% مقارنة بعام 2021، وهذا الإرتفاع سببه اتكال التجار على منصة صيرفة على نحو حفّزهم على الاستيراد، وتاليا فإن حجب منصة صيرفة عن التجار والمؤسسات سيساهم الى حد ما بانخفاض نسبة الاستيراد”. وبحسب شماس فإن “منع المؤسسات من استخدام صيرفة هو سيف ذو حدّين، خصوصا أن معظم المصارف كانت تفيد من شراء دولار صيرفة لتعزيز رسملتها بالدولار”.

ويلفت الى المؤشرات السياسية التي أثرت سلبا على ارتفاع سعر الصرف، معتبرا أن “الوضع السياسي المتأزم وفي مقدمه الشغور الرئاسي وعدم التوافق والتخبط باقرار الكابيتال كونترول وارتفاع اسعار الخدمات ساهم بشكل كبير بارتفاع سعر الدولار”. أما دولارات المغتربين التي جرى ضخّها في فترة الاعياد والتي كان يعوّل عليها لخفض سعر الصرف، فيؤكد شماس أنها “ساهمت بوجود الدولار في السوق لكنها لم تسهم بخفض سعر الصرف في السوق السوداء”.

أمام هذا الواقع، اعتبر شماس أنه “لم يكن أمام الدولة الا اللجوء الى إجراءات للتخفيف عن كاهل موظفي القطاع العام، فعمدت الى تقليص أيام العمل بغية السماح لموظفيها بالعمل في مجالات أخرى، علما أن كل هذه القرارات تُختصر بجملة واحدة هي غياب خطة اقتصادية واضحة لتدارك المتطلبات الحياتية اليومية للمواطن”.

وبالنسبة الى المؤشرات التي يمكن أن تساهم بانخفاض سعر الدولار، إن كانت لا تزال متوافرة، رأى شماس أن أهم العوامل هي “مبادرة مصرف لبنان الى سحب الليرة من السوق، علما أنه على رغم انخفاض النقد بالتداول نحو 17% بيد أنه اعاد ضخها من جديد لتسديد الرواتب والمساعدات للقطاع العام”.

ولكن يبدو أن شماس لا يأمل بانخفاض لسعر صرف الدولار، “بدليل أن الدولة قررت أن يكون سعر صرف الدولار الرسمي على الـ 15 الف ليرة من دون أن تصدر فيه تعاميم، في حين أصبحت قروض الدولار في المصارف على الـ15 ألفا ايضا”، ليستدرك بالقول: “اذا لم يبادر مصرف لبنان الى طبع العملة وعمد الى سحب كميات من العملة بالتداول، فإن المواطن سيضطر إلى تصريف الدولار كي يسدد للمصارف المستحقات المتوجبة عليه، وتاليا يمكن أن يؤدي ذلك إلى انخفاض الدولار لمدة زمنية محددة بشهر أو شهرين”. لكن شماس يشير الى نظرية أخرى معاكسة، تقول بما أن المواطن سيدفع الرسوم الجمركية وقروضه للمصارف والديون على 15 ألف ليرة، ما يعني أن الكتلة النقدية ستزيد، وتاليا سيرتفع الدولار.

وفيما يُجمع الخبراء على حتمية ارتفاع سعر صرف الدولار ووصوله الى مستويات “مفتوحة” قد تصل الى 100 ألف ليرة وأكثر، رأى شماس أن عدم ضبط سعر الدولار سيؤدي الى نتائج كارثية منها عدم قدرة موظفي القطاع العام على تسديد ما عليهم للمصارف كونهم يتقاضون رواتبهم على سعر 1500 ليرة، الا اذا تم تدارك الموضوع من الدولة عبر رفع رواتب موظفي القطاع العام بطريقة غير مباشرة على شكل مساعدات.

ولا يرى شماس أن الحل لأزمة سعر الصرف هو نقدي بل اقتصادي، إذ إن تعاميم مصرف لبنان التي تساهم بخفض الدولار بسرعة هي حلول نقدية سريعة ولا تعالج اساس المشكلة. أما الحلول الإقتصادية، فتركز على الاصلاحات وتاليا معالجة اساس المشاكل الاقتصادية الراهنة.
في الخلاصة، يؤكد شماس أن غياب الخطط الإقتصادية الواضحة يحفّز على ارتفاع سعر الدولار.