Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر August 27, 2022
A A A
لماذا يتهرّبون من الردّ ويهربون من التحدّي؟
الكاتب: ناصر قنديل - البناء

ليسوا مجهولين الذين قالوا إن حزب الله إيرانيّ وليس حزباً لبنانياً، فكلام البطريرك بشارة الراعي وحزب القوات اللبنانية يكفي ليكشف أن قوى وازنة ومرجعيات لها مكانتها في لبنان، وصلت حداً غير مسبوق في الطعن بلبنانية حزب الله، والقول إنه مجرد قوة إيرانيّة. وطبعاً ليس القصد أن هناك من يحملون الجنسية الايرانية هم الذين يتشكل منهم حزب الله، وقد نال في الانتخابات النيابية أعلى رقم من الأصوات التفضيلية التي نالها أي حزب آخر، محققاً رقم 335 ألف صوت أي أكثر من مجموع الأصوات التفضيلية التي نالها معا كل من حزب القوات وحزب الكتائب وما يُسمّى بنواب التغيير، بقرابة 30 ألف صوت، لكن يمكن القول إن المقصود هو أن حزب الله يخدم السياسة الإيرانية على حساب لبنان، وأنه يضع المصلحة الإيرانية أولاً ولو اقتضى الأمر التضحية بالمصلحة اللبنانية. وللتذكير، يدأب البطريرك بشارة الراعي منذ كلامه المباشر والصريح في 22 نيسان 2021 عن أن «حزب الله قوة إيرانية»، على تكرار هذه المعادلة بإصرار، ومثله يفعل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع منذ كلامه في إطلاق حملته الانتخابية في 14 آذار 2022 وقوله المباشر «إن حزب الله أقرب إلى قوة احتلال ايرانية»، ولحق بالبطريرك وجعجع من هم أقل شأناً ووزناً ليتحدثوا صبح مساء عن احتلال إيراني للبنان، وهم يقصدون حزب الله طبعاً.

عندما دخل حزب الله على خط ملف النفط والغاز اللبناني، وطرح معادلة «لا غاز ونفط من المتوسط ما لم يحصل لبنان على مطالبه»، تواصلت الحملات التي تشكك بخلفية حزب الله، وتربط موقفه بالسعي لتوفير أوراق قوة تفاوضية لإيران في ملفها النووي المطروح على طاولة المفاوضات. وهذا بالطبع ينسجم مع نظرية القول إن حزب الله قوة إيرانية، أي أنه يعرض لبنان للخطر سعياً لخدمة المصالح الإيرانية، لكن الأحداث منحت اللبنانيين على اختلاف مواقفهم من دور حزب الله فرصة ذهبية لا تقدّر بثمن، وغير قابلة للتكرار، كي يحسموا خياراتهم، ويعرفوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ويتقابل الذين يُصرّون على وطنية لبنانية عالية تحكم مواقف حسابات حزب الله، والذين يتهمونه بأنه قوة إيرانية تخدم المصالح الإيرانية على حساب لبنان، فقد تصادف أن ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني وملف المفاوضات حول مستقبل الترسيم والاستخراج في حقول النفط والغاز اللبنانية، في توقيت واحد على الطاولة، ويلفّ الغموض مصير كل منهما، ولا يستطيع أحد مهما كانت درجة اطلاعه ومتابعته للمعلومات حول مسار تطورات كل من الملفين، أن يحسم الوجهة التي سيسلكها أي من الملفين، ففي كل منهما معلومات متضاربة حول فرضيات التوصل الى تفاهم أو عدم التوصل الى تفاهم. وفي هذا التوقيت المستمر منذ أسبوعين على الأقل، يخرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ويتحدّى الذين يطعنون بوطنية ولبنانية أهداف وخلفيات حزب الله وموقفه ومعادلاته، ويقول إنه اذا تم توقيع الاتفاق النووي ونالت ايران مرادها ولم يحصل لبنان على مطالبه فالحزب ذاهب الى التصعيد، وإذا تم العكس ولم يوقع الاتفاق النووي ولم تنل إيران ما تريد وحصل لبنان على مطالبه، فالحزب ذاهب الى التهدئة.

منذ سبعة أيام ولياليها، صدر هذا الكلام عن السيد حسن نصرالله، وكان المتوقع أن يجاريه المشككون بمواقف تقبل التحدي وتتولى الردّ، وقد أرهقت آذان اللبنانيين بصراخها عن أن حزب الله مجرد خادم للمصالح الإيرانية، وعلى حساب لبنان. وهذه فرصة ليقولوا له نقبل التحدي، ويعلنون إنهم واثقون، بل متأكدون، انه اذا لم تحصل إيران على ما تريد في الاتفاق النووي فإن حزب الله سيذهب للتصعيد ولو حصل لبنان على مطالبه، وكذلك أن يعلنوا انهم متأكدون من العكس، أنه إذا حصلت إيران على ما تريد في الملف النووي فإن حزب الله ذاهب للتهدئة حتى لو لم ينل لبنان ما يطالبه به، فيتاح للبنانيين هكذا خلال أيام أو أسابيع كحد أقصى ان يعرفوا مع انقشاع الغموض حول مصير الملفين، ما إذا كانت الاتهامات الموجّهة لحزب الله في مكانها أم أنها مجرد افتراءات، لكن صمت هؤلاء عن الرد وقبول التحدي يقول إنهم يعلمون صدق حزب الله بما قاله أمينه العام، وإن اتهاماتهم له جزء من خطة إساءة متعمّدة لا تستند إلى اي أساس، سوى السعي لوهم استرضاء خارج هو الذي يصح القول فيه إنه مستعد للتضحية بلبنان وليس بمصالحه فقط كرمى لعيون «إسرائيل» بدون ان يرفّ له جفن، لكن المشكلة ليست في العتب على الذين لا يعلمون، بل على الذين يعلمون. وفي كل حال الصمت مريب وأشد سوءاً من الاتهامات!