Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر July 8, 2022
A A A
الدولار الجمركي ينتظر إقرار موازنة 2022… فهل الظروف مؤاتية لتطبيقه؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

أعاد إضراب موظفي القطاع العام الى الواجهة رفع قيمة الدولار الجمركي، فطالبت جهات سياسية وحزبية، وتحديدا الحزب التقدمي الاشتراكي، بإقراره كونه “يوفر مداخيل يمكن استثمارها في دعم الموظفين بالحدّ الممكن فوق رواتبهم المعدومة”. وإذا كان من الإستحالة إبقاء الدولار الجمركي وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1508 ليرات للدولار الواحد، في حين وصل سعر الدولار في السوق الموازية الى نحو 28 ألف ليرة، فإن بقاء الدولار الجمركي عند هذا المستوى سيُعدّ دعماً غير معلن للبضائع المستوردة على حساب الإنتاج الوطني، بما يساهم في خفض القاعدة الضريبية، وتاليا خروج العملة الصعبة. ولكن السؤال: هل الدولة قادرة على فرض رسوم جديدة أو تعديلها في ظل اقتصاد غير محوكَم؟ وما الذي يضمن أن رفع الدولار الجمركي لن يؤدي الى زيادة التهريب والتهرب الضريبي، أو الى خفض قيمة المستوردات ما يعني عدم قدرة وزارة المال على تحصيل المتوقَّع من إيرادات في الموازنة؟

إذاً، حسمت الحكومة أمرها بتحديد سعر الدولار الجمركي (البند 133 من مشروع موازنة 2022) لرفع منسوب الإيرادات الجمركية، معتمدة سعر منصة “صيرفة”، الذي بلغ حاليا نحو 25 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد، على أن يعلنه وزير المال شهريا ويطبّق عند إقرار الموازنة في مجلس النواب “مع الأخذ في الإعتبار إلغاء الرسوم الجمركية عن الأدوية وعن أي سلعة غذائية”، وفق ما اعلن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي جزم بأن “زيادة اسعار السلع لن تتجاوز 3 الى 5%”.

وبغضّ النظر عما قد يحمله البند 133 من مشروع موازنة 2022 من إيجابيات وسلبيات، يُجمع الخبراء على أن تعديل سعر الدولار الجمركي في الظروف التي يمر بها لبنان اقتصاديا ومعيشيا، ستكون له انعكاسات سلبية على النشاط التجاري الذي سيتراجع بفعل اضمحلال الكتلة النقدية لدى التجار في ظل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية. فالكتلة النقدية لدى التجار والشركات محدودة وبالكاد تكفي لمواكبة الكلفة المرتفعة للسلع، ولا سيما منها المتعلقة بالحاجات الحياتية للمواطنين، وما تراجع حركة الاستيراد أخيرا إلا خير دليل على ذلك.

شماس: يضرب الاقتصاد الابيض
وسبق للهيئات الاقتصادية ان طرحت اعتماد سعر دولار بـ8 آلاف ليرة على أن تتم دراسة آثاره بعد 6 أشهر، ويأتي هذا الطرح وفق ما يقول رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس لـ”النهار” للتوفيق بين القدرة الشرائية للمواطنين التي تراجعت الى مستوى خطير، ورفد الدولة بالايرادات التي تراجعت بفعل استمرار الدولار الجمركي على سعر الصرف الرسمي، بما أدى الى تعثّر الدولة في تسديد نفقاتها، وتحديدا رواتب الموظفين.

وإذا كانت الهيئات الإقتصادية مقتنعة بضرورة التوفيق بين هذين الاعتبارين، فإن شماس مقتنع أكثر بأنه “اذا اصبحت الدولة خارج الخدمة، أو اذا لم يكن لدى الموظفين الحد الأدنى من راحة البال أو الامكانات المادية فلن يكون في مقدورهم الاستمرار بالانتاجية المطلوبة”. من هنا يعتبر ان “انصاف موظفي القطاع العام هو أمر اساسي جدا لتحفيز عمل القطاع الخاص”.

وكجمعية تجار، يرى شماس ان “رفع الدولار سيتسبب بصدمة ضريبية وأخرى اقتصادية لا يمكن للبلاد تحمّلها بأي شكل من الأشكال، اذ ستؤدي الى اختلالات بالتوازنات الاساسية بين الاسعار والاجور والقدرة الشرائية. لذا كان طرحنا ان نبدأ بسعر الـ 8 آلاف وهو السعر الذي يوازي سعر السحب من المصارف، ومن ثم نجري بعد 3 أشهر تقييما للموضوع حيال الايرادات والاستهلاك والاستيراد وغيرها. اذ يجب ألّا ننسى ان البلاد مشرّعة للتهريب، وفي حال رفع الدولار الجمركي أكثر، فإننا بذلك نكون قد ضربنا الاقتصاد الابيض وفتحنا المجال أكثر وأكثر للاقتصاد الاسود، وتاليا ستنخفض ايرادات الخزينة”. لذا وتفادياً لصدمة اقتصادية لا يمكن تحمّلها، ولكي يبقى التهريب تحت السيطرة، يقول شماس “يجب أن نصل الى رقم مقبول وهو 8 آلاف ليرة”. وفيما اكد أن الهيئات لم تحصل على جواب نهائي حيال طرحها، “على رغم تفهّم وجهة نظرنا”، قال: “للاسف لا ارقام مالية لدينا نعتمد عليها لنبرهن بالحجة القاطعة أن هذا الامر هو عين الصواب”.

الدولار الجمركي هو سعر الدولار الأميركي مقابل العملة المحلية، والهدف منه الحفاظ على أسعار السلع الأساسية المستوردة، والمواد الأولية المستوردة التي تُستعمل في تصنيع مواد أساسية. وفي معظم الحالات يستثنى الدولار الجمركي من سوق القطع ويحدَّد على سعر صرف أقل من السعر المتداول في السوق الحرة، وقد يصل أحيانا إلى تصفيره نهائياً. أما في لبنان، “بلد العجائب”، وفق تعبير خبير المخاطر والباحث في الإقتصاد محمد فحيلي، “فتسعى الحكومة وراء الدولار الجمركي لتحسين إيراداتها وتدرس إمكان تعديله من السعر الحالي 1508 ليرات للدولار الواحد إلى سعر صرف منصة صيرفة”.

ثم إن اقتراح مجلس الوزراء رفع سعر صرف الدولار لأغراض احتساب الجمارك على البضائع المستوردة، “لم يكن إلا عنوانا أساسيا لرفض الحكومة حتى محاولة ترشيد الإنفاق وإلغاء الإمتيازات الضريبية، ووجدت فيه فرصة لتحسين إيراداتها من دون المسّ بمكاسبها ومكاسب أزلامها”، وفق ما يقول فحيلي.

ففي بلاد تستورد القسم الأكبر مما تستهلك من مواد غذائية وأدوية ومن المواد الأولية التي تُستعمل في الصناعة المحلية، إضافة إلى قطع غيار المعدات والآليات، “لن يكون من السهل اعتماد سعر صرف واحد للدولار الجمركي لأن سعر الصرف يجب أن يعكس أهمية السلعة المستوردة في سلّة المواطن الإستهلاكية”، برأي فحيلي، وتاليا “سوف يكون هناك دولار جمركي للمواد الغذائية المستوردة (وقد يختلف بين ما هي أساسية وضرورية كالطحين والزيت، وغيرها كالشوكولا والقهوة)، وآخر على الإلكترونيات الخ… وهناك الكثير من التعقيدات التي قد تنتج من الدولار الجمركي”، لذا وفق فحيلي “يجب تحديد الهدف من وراء اللجوء إلى تعديل سعر صرف الدولار الجمركي، ومن الخطأ الفادح أن يكون هادفا الى تحسين إيرادات الخزينة”.

ومن التعقيدات التي يشير اليها فحيلي:
-لن يكون باستطاعة الحكومة إعتماد سعر صرف منصة “صيرفة” لتحديد سعر صرف الدولار الجمركي لأن سعر هذه المنصة متحرك ويجب أن يكون الدولار الجمركي ثابتا ومستقرا لتمكين التجار من تسعير بضائعهم.

-لن يكون الدولار الجمركي سوى سعر صرف رسمي يضاف إلى ما هو متداول رسميا ووفق تعاميم مصرف لبنان الأساسية: 150 (سعر صرف متحرك يحدد في السوق الموازية، الدولار الفريش)، 151 (8000 ليرة للدولار الواحد، سعر صرف ثابت)، 158 (12000 ليرة للدولار الواحد، سعر صرف ثابت)، و161 (سعر صرف متقلب يحدد على منصة “صيرفة”). يضاف إلى هذه القافلة من الأسعار سعر الصرف الرسمي المعتمد في المعاملات الجمركية حاليا 1508 ليرات للدولار الواحد وهو سعر صرف ثابت.

وقال: “في بلاد لا يوجد فيها نقل عام، سيكون قطاع السيارات وقطع الغيار من بين القطاعات المتأثرة بالدولار الجمركي. ولذلك تداعيات على اسعار السلع الإستهلاكية. وفي بلاد ترتيبها من بين الأسوأ عالميا لناحية استشراء الفساد، قد تكون هذه الخطوة دافعا لتهريب البضائع عبر الحدود، وللتهرب الضريبي. وبهذا لن تستطيع الدولة الحصول على ما تشتهي من إيرادات إضافية من جراء اعتماد الدولار الجمركي”.

ولا ينتهي الحديث عن الدولار الجمركي من دون الإشارة إلى أنه فشل في حجز منبر له في خطة التعافي المالي التي أُقِرت تحت عنوان: “إستراتيجية النهوض بالقطاع المالي” والتي دعت إلى توحيد أسعار الصرف، علما أن ما نحتاج إليه وفق ما يقول فحيلي هو “تحرير وليس توحيد سعر الصرف وتنظيم أسواق الصرف وفق القانون ورفع القيود عنها”، معتبرا أن “توحيد سعر الصرف يتطلب موارد غير متوافرة حاليا لا عند الدولة ولا عند مصرف لبنان”. وختم: “أي خطوة تولد فاشلة إنْ لم تترافق مع الإصلاح وخطة إنقاذ كاملة ومكتملة”.