Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر October 18, 2016
A A A
داعش إلى أين بعد انطلاق معركة التحرير ؟
الكاتب: ايليا ج مغناير - الراي

أطلق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي معركة تحرير مدينة الموصل ومحيطها من تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) الذي احتلّها منذ تموز 2014 وأعلن فيها من داخل الجامع الكبير زعيم هذا التنظيم ابو بكر البغدادي قيام دولته التي انهارت كلياً في بلاد الرافديْن مع محاصرة المدينة الأخيرة الكبرى التي لا يزال يحتلّها لغاية اليوم، ولكن ليس لمدة طويلة.

وانطلق الهجوم من ثلاثة محاور رئيسية لتحرير الموصل، من الشرق (الحمدانية)، والشمال – الشرقي (بعشيقة) والمحور الجنوبي (كوير)، ومحاور فرعية متعددة لإطباق الحصار على الموصل قبل ان يخرج عناصر «داعش» للهروب أمام أكثر من أربعين ألف ضابط وجندي ومتطوع من القوات النظامية العراقية والكردية وقوات العشائر و«الحشد الشعبي» و«الحشد الوطني»، ويتّجهوا نحو سورية.

ويعتقد القادة العسكريون العراقيون ان معركة الجانب الأيسر من الموصل ستكون سهلة المنال، الا ان معركة الجانب الايمن – وحسب المعلومات الاستخباراتية الموثوقة – ستكون أصعب لتواجُد أعداد كبيرة من «داعش» داخل المدينة القديمة وعدد أكبر من المدنيين.

وهكذا بدأت نهاية «داعش» في العراق. ففي الساعات الاولى التي تلت إعلان بداية المعركة، استطاعت القوى الأمنية العراقية تحرير مدن عدة (الكبيبة، المخلط، الشروق، الحميدية، ابن نايف، نجمة وعدلة)، وتَقَهْقَر التنظيم بسرعة تحت وقع المدفعية الفرنسية والاميركية والضربات الجوية لسلاحيْ الجو الاميركي والعراقي. وأُلقيت عشرات الآلاف من المناشير فوق الموصل تطلب من السكان إما المغادرة عبر ممرات آمنة او الالتزام بالبقاء داخل المنازل لتجنب النيران التي تطال كل شيء يتحرك داخل المدينة. ووضعت وزارة الامن والاتصالات منظومتي كورك وآسياتل للاتصالات المجانية لسكان الموصل على الرقم 195 للابلاغ عن أماكن وجود «داعش» وكل ما يتعلق بحركات هذا التنظيم ومخططاته الظاهرة داخل مدينة الموصل.

%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b5%d9%84-2

وأكثر ما يخشاه العراق وسورية ان يغادر الآلاف من «داعش» الموصل الى الداخل السوري عبر الطرق المتعددة الصحراوية التي عرفها التنظيم ووضع الخطط لاجل استخدامها منذ مدة طويلة، وهو العالِم ان الموصل ستُهاجَم عاجلاً ام آجلاً. واذا قُدر خروج الآلاف، فهؤلاء يشكلون خطراً وتحدياً حقيقياً ضد القوات السورية وحلفائها في مدينة دير الزور السورية وكذلك نزولاً حتى بادية تدمر في الشرق السوري، لتُقلب الموازين في المعارك الدائرة هناك ويطول أمد الحرب لمدةٍ غير معروفةِ الملامح ولا النتائج. ورغم المحاولات الجارية في المدينة السويسرية لوزان بين روسيا واميركا لوقف المعركة في حلب الشرقية، الا ان الحلول السياسية لا تزال بعيدة المنال.

فانكسار «داعش» في الموصل لا يعني نهاية هذا التنظيم بل إضعافه لدرجةٍ كبيرة ونزْع مكوّنات «الدولة» التي كان يتغنى بها «في العراق والشام» ليقتصر عمله على العمليات الارهابية والكرّ والفرّ في بلاد الرافدين بينما سيحتفظ بعاصمته في الشمال السوري – الرقة ليُستفاد من وجوده وتهديده لمنْع الرئيس السوري بشار الاسد وحلفائه من تجميع جهودهم العسكرية باتجاه المعارضة السورية و«الجهاديين» المقاتلين مع المعارضة جنباً الى جنب. وتالياً فان دور «داعش» في سورية لم ينتهِ، ليس لان هناك مَن يحرّكه، بل لان هناك مَن يحاصره من جهة لدفعه الى التوجه لجهةٍ تخدم الرؤية السياسية المراد منها المحافظة على الأمر الواقع كما هو الى حين استلام ادارة اميركية جديدة ترسم هي خططها من اجل المستقبل السوري.

ويستبعد الخبراء ان تنجح اي تسوية في سورية تتضمّن وقفاً للنار لان الشرط الأساسي لا يمكن تحقيقه، وهو سلخ المعارضة السورية عن «الجهاديين» في «جبهة النصرة» او «جبهة فتح الشام» وحلفائها، لان من شأن ذلك إضعاف كل المعارضة السورية وتوجيه البنادق الى بعضهم البعض اذ ان «الجهاديين» سيعتبرون ان المعارضة تتركهم لمصيرهم ضدّ روسيا واميركا.

واليوم، نرى ان «جبهة فتح الشام» (او النصرة) ازدادت قوة وخصوصاً بعد انضمام نحو ألفيْ مقاتل من «جند الأقصى» والمرابطين الى صفوفها، ما يجعل أمر هزيمتها على يد «الجهاديين» أمراً أكثر صعوبة، لِما أصبح لهذه الجبهة من عدد وعتاد وقوة عسكرية تتضاعف كلّما راوغ وزير الخارجية الاميركي في فصل المعارضة عن «الجهاديين». والسبب الآخر لضرورة بقاء «الجهاديين» في سورية من «النصرة» او «داعش»، هو التواجد الروسي في بلاد الشام.

ولهذا فان لـ «داعش» وكذلك لـ «الجهاديين» الفرصة بالاستمرار ما دامت المصلحة السياسية تقضي ببقاء هؤلاء في سورية، في الملعب الخلفي الروسي، ما دام استنزاف موسكو وطهران وحلفائهما يستمرّ على أرض الشام. وهذا ما سيكتب أشهراً او ربما سنوات طويلة أخرى في عمر «داعش» الذي ارتأت المصلحة الدولية إبقاءه الى حين.