Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر March 19, 2022
A A A
ما هي الدلالات الاستراتيجية والسياسية التاريخية لزيارة الأسد للإمارات؟
الكاتب: سبوتنيك

في خطوة حملت الكثير من الدلالات على مستوى التوقيت والأهداف، زار الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس الجمعة، دولة الإمارات العربية المتحدة، والتقى بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في الإمارات.
زيارة الرئيس السوري للإمارات والتي تعد الأولى من نوعها منذ اندلاع أحداث عام 2011، اعتبرها مراقبون تاريخية ومهمة في سبيل التمهيد لإعادة العلاقات السورية العربية، وإعادة دمشق إلى مقعدها بالجامعة العربية، فيما حمل توقيت الزيارة دلالة مهمة تعبر عن انتهاء حقبة الربيع العربي في سوريا وما تلاه من أحداث.
وأشارت الرئاسة السورية إلى أن اللقاء الذي تم في استراحة آل مكتوم في المرموم في دبي “تناول مجمل العلاقات بين البلدين وآفاق توسيع دائرة التعاون الثنائي لا سيما على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والتجاري، بما يرقى إلى مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين”.
زيارة تاريخية
وأكد ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن سوريا تعد ركيزة أساسية من ‏ركائز الأمن العربي، وأن بلاده “حريصة على تعزيز التعاون مع سوريا، بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية”، معربًا عن تمنياته بأن تكون هذه الزيارة فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا الشقيقة والمنطقة جمعاء.
وبحث الجانبان “العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين بما يحقق مصالحهما المتبادلة ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط”، وفقا للبيان الإماراتي.
كما ناقشا “عددا من القضايا محل الاهتمام المشترك وتأكيد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية إضافة إلى دعم سوريا وشعبها الشقيق سياسياً وإنسانياً للوصول إلى حل سلمي لجميع التحديات التي يواجهها”.
وقال المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، إن “زيارة الرئيس السوري بشار الأسد تنطلق من توجه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري”، مضيفاً أنها تأتي من “قناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم”.
وأكد عبر حسابه على “تويتر”، أن “الإمارات مستمرة في انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة”، موضحا أن “الظروف الإقليمية المعقدة تستوجب تبني منهجاً عملياً ومنطقياً لا يقبل تهميش الجهود العربية الساعية لمواجهة التحديات وتجنب شرور الأزمات والفتن”.
دلالات استراتيجية وسياسية
اعتبر الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، أن زيارة الرئيس بشار الأسد للإمارات مهمة جدًا من حيث التوقيت والأهداف والدلالة التاريخية، حيث تعبر عن اختتام عصر بأكمله، حقبة ما أطلق عليها الربيع العربي الذي تم فيه توظيف الجماعات الإرهابية لتدمير البنى السياسة والاجتماعية في الدول العربية وزرع الشقاق ما بين هذه الدول وقطع العلاقات العربية البينية أو تشويها وتسميمها عن طريق هذه الأزمات المفتعلة التي وظفت فيها يد الإرهاب وتنظيم الإخوان المسلمين.
وأضاف في حديثه لـ “سبوتنيك”، أن “اليوم ندرك بأن هناك دورًا متصاعدًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهذا الدور يمتاز بكونه متوازنًا إلى حد بعيد جدا، بحيث يستطيع أن يفتح قنوات الاتصال مع جميع الأطراف، وأن يمد يد التشبيك الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي مع العديد من البلدان، مؤكدًا أن دور الإمارات قد يكون أساسيا وحيويا ولا غنى عنه في الوقت الحاضر لإعادة العلاقات العربية البينية”.
ويرى دنورة أن الزيارة خطوة مهمة جدًا في سبيل عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وعودة العلاقات العربية البينية إلى ما كانت عليه ولو في حدود المشتركات الأساسية والبناء على أرضية مشتركة ما بين الدول العربية، وهذا الأمر من شأنه أن ينعكس على الكثير من الملفات التي تأزمت وتطورت في اتجاهات شديدة السلبية بسبب غياب العمل العربي المشترك وغياب التنسيق ما بين الدول العربية، لا سيما ملفات مثل اليمن العراق لبنان، وسد النهضة في مصر، وسائر الأزمات الأخرى التي أثر عليها غياب الموقف العربي المشترك، وأضعف موقف كل دولة منفردة.
ويعتقد المحلل السوري أن تواجد الحد الأدنى من التواصل والعمل العربي المشترك، يعني إيجاد مساحة من الحركة والمناورة لجميع الأطراف العربية، ومساحة من العمق الاستراتيجي لكل دولة عربية بتوافقها مع الدول الأخرى، معتبرًا أن الزيارة إيجابية من أكثر من جهة، وأهمها إنهاء حقبة الربيع العربي، فخلال عقد من الزمن استفرد أعداء الأمة العربية بكل دولة، وأضعفوا أمنها الاستراتيجي واستقرارها الداخلي.
وفيما يتعلق بدولة الإمارات، اعتبر دنورة أن الإمارات نجحت في أن يكون لها دور ريادي متوازن، حيث أثبتت على مدار عدة سنوات أن لديها مساحة واسعة من القرار المستقل الذي لا يتبع الضغوط الخارجية، فافتتحت الإمارات سفارتها في دمشق في قوة الضغوط الأمريكية من إدارة ترامب وقانون قيصر، واستمر التنسيق الاقتصادي والمعونات المقدمة من الإمارات إلى سوريا في ظل الحصار.
وتابع: “اليوم تبدي الإمارات مساحة كبيرة من الاستقلالية في السياسة في إطار الأزمات المتصاعدة حديثًا، مثل الأزمة الأوكرانية وزيارة وزير الخارجية الإماراتي لموسكو، واتخذت الإمارات موقفًا متوازنًا، لم تسر في الإطار القطيعي الذي صارت فيه العديد من الدول التابعة والتي لا تملك ناصية قرارها المستقل، ووجدنا القرار الإماراتي المستقل فيما يتعلق بإمدادات النفط والالتزام بحصص أوبك بلس، وموقفها في التصويت على ما يخص الأزمة الأوكرانية في الأمم المتحدة”.
وبين أن المثلث المحوري بأضلاعه الثلاثة مصر وسوريا والخليج العربي، عاد ليكون فاعلًا، وهو من شأنه أن يقوي المجتمع العربي أمام التحديات العربية والإقليمية، ويمنع الدول العربية من أن تكون ساحة لتصفية الحسابات ما بين القوى الخارجية، وأن تدخل رغما عنها في سياسة المحاور التي تنتقص من مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، ويمنع أيضا أن تكون الدول العربية نفسها وحدودها المشتركة السياسية والجغرافية ساحات لتصفية الحسابات والصدامات وخطوط مواجهة ما بين قوى خارجية على حساب المصلحة المشتركة للدول العربية.
تضامن عربي
بدوره اعتبر حسن إبراهيم النعيمي، المحلل السياسي والاستراتيجي الإماراتي أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات تبين إدراك الدول العربية وفي مقدمتها دولة الإمارات أهمية إنهاء الصراعات واستبدالها بالتضامن العربي والتعاون الاقتصادي خاصة لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي فاقمتها أزمة كوفيد-19.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، فقد أصبح التقارب السوري مع الإمارات والدول العربية، خطوة أكثر إلحاحًا بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط، وانشغالها بمشاكلها الداخلية والأزمات الحادة التي تواجه النظام الرأسمالي بقيادتها، والذي بدأ في التراجع والانحسار السياسي والعسكري، إضافة إلى انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية .
وأكد أن كل تلك المعطيات فرضت على الدول العربية إيجاد شكل من أشكال التعاون فيما بينها، حيث تأتي زيارة الرئيس بشار الأسد في هذا الإطار وردًا على مبادرة دولة الإمارات الرامية إلى عودة سوريا إلى الحضن العربي، مشيرا إلى الدور الإيجابي الذي تقوم به الإمارات لفتح قنوات الاتصال فيما بين الدول العربية وبعضها البعض، وإذابة الجليد الذي راكمته الظروف الصعبة والتدخلات الخارجية في الفترة السابقة.
وأعربت الخارجية الأمريكية، عن خيبة الأمل والانزعاج من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، مؤكدة رفضها لما وصفته “محاولات إضفاء الشرعية” على الحكومة السورية.
وتعد زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، للإمارات العربية المتحدة هي الأولى له إلى الخليج منذ 11 عاما.