Beirut weather 18.3 ° C
تاريخ النشر February 27, 2022
A A A
الأزمة تضرب الخضار: إنخفاض 50% في الإنتاج مُقابل تحليق في الأسعار
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

لم يعد تقشّف اللبنانيين مقتصرا على اللحوم الحمراء والدجاج والأسماك وسواها، بل تعدّاه ليشمل الخضار التي لطالما كانت وجهة الفقير نظراً لاستخداماتها المتعددة في إعداد الأطعمة غير المكلفة.

صدّق… حتّى الخضار لم تعد بمقدور معظم اللبنانيين كما في السابق…

للوهلة الأولى يبدو أنّه أمر طبيعي، ففي فصل الشتاء عادة ترتفع أسعار بعض الخضار، إلّا أنّ المفارقة اليوم أنّ أسعارها تستمر في التحليق، رغم هبوط سعر صرف الدولار، وأنّها لامست أسعارا خيالية لم تشهدها أسواق لبنان حتّى في أوج الحرب الأهلية.

 

 

مصير الزراعة مجهول

بعد مرور أكثر من سنتين على الأزمة، تأثر القطاع الزراعي كما سواه من قطاعات الدولة، فلم يعد مستقرا ويعاني من تقلّبات عديدة، هذا ما يقوله لـ «الديار» رئيس «تجمّع المزارعين والفلاحين» في البقاع إبراهيم ترشيشي، مؤكّدا على ارتفاع كبير جدا في أسعار بعض الأصناف، فقد يكون الصنف «مقطوعا» من السوق أو أنّ كميته قليلة جدا، فيما هناك أصناف كثيرة سعرها متدن على الدوام. وحذّر «بأنّنا مقبلون على ارتفاع كبير في كلفة إنتاج الموسم الزراعي المقبل، ومن الطبيعي لن يلائم ارتفاع الأسعار المستهلك نظرا لتدهور قدرته الشرائية».

وتوقّع ترشيشي أن تكون كلفة الإنتاج الزراعي للسنة المقبلة ( منذ أول نيسان) مضاعفة مرتين أو ثلاث مرات، نظرا لارتفاع سعر صفيحة المازوت إلى نحو 18 دولارا، بعد أن كانت تترواح بين 3 و 4 دولارات العام الماضي، كما أنّ المحروقات كانت تشكّل بين 5 و10% من كلفة الإنتاج الزراعي، فيما وصلت هذا العام لنحو 50%، أي أكثر بنحو 3 أو 4 أضعاف.

عامل آخر يفاقم كلفة الإنتاج الزراعي، وفق ما ذكر ترشيشي ، هو تضاعف أسعار البذور (بذور البطاطا كانت بـ 400 اليوم بـ 850$) والأدوية والأسمدة الكيميائية (كانت بـ 500 وأصبحت تفوق الـ 1000 $)، وارتفاع قيمتها النقدية في ظل دولار مرتفع بالأصل واضعا مصير الزراعة والمزارع في خانة «المجهول» في الأشهر المقبلة. و يؤكد أنّه رغم انخفاض الدولار من 33 ألفا الى 20 أو 21 ألفا، لا تزال أسعار بعض الخضار مرتفعة وقد تكون زادت، وتحديدا تلك التي تقطف يوميا مثل الكوسى والخيار واللوبياء والبندورة والباذنجان، موضحا أنّ السبب هو تزامن هبوط الدولار مع تأثير الأمطار والعواصف والحرارة المتدنية ما يقلل من إنتاجيّة النبتة، فضلا عن تضرر أكثر من 50% من البيوت البلاستيكية جراء الصقيع، ما اضطر المزارعين الى استبدال منتوجات بأخرى، وانتظار ما بين 40 أو 50 يوما لتعويض الإنتاج، مؤكدا أنّه حين تكون كمية المنتج قليلة في السوق، ويكون الطلب عليها كبيرا ترتفع الأسعار.

وعما اذا كان لبنان سيستورد من الخارج اذا كانت كلفة الانتاج الزراعي مرتفعة؟ يجيب ترشيشي أنّ سعر أيّ بضاعة مستوردة يبلغ ضعفي سعرها المحليّ، وذكر أنّ وزير الزراعة سمح باستيراد كلّ أنواع الخضر من الأردن بدون إجازة مسبقة، فاستورد بعض التجار كميات قليلة جدا ومن ثمّ توقف الإستيراد، لأنّ سعرها في الأردن أغلى من لبنان، ومع تكلفة الشحن «ما رح تجيب سعرها».

وعما إذا كانت عمليات التصدير هي ما يسبب ارتفاع سعر الإنتاج ؟ شرح أنّ المنتوجات المصدرة الى الخارج ليست هي نفسها التي يرتفع سعرها اليوم في أسواقنا، فأكثر ما يصدر هو الحمضيات على أنواعها، والتي تباع هنا بأقل من كلفتها، وكذلك الموز الأخضر وسعره هنا عادي جدا، مشددا في المقابل على ضرورة تشجيع التصدير وزيادة الكميات المصدرة كي تبقى الزراعة والمزارع بخير.

وهل سيشهد لبنان انخفاضا في اسعار الخضار ومتى؟ يتوقّع ترشيشي أن تبدأ الأسعار بالإنخفاض وتأخذ حجمها الطبيعي إبتداء من الأول من آذار وما بعد، حين ترتفع درجات الحرارة ويصبح الطقس دافئا فيزيد الإنتاج ، لافتا إلى انخفاض كبير في أسعار بعض الأصناف كالتفاح والحمضيات والبطاطا، إنما ليس بحجم هبوط سعر صرف، ومؤكدا أنّها ستهبط اكثر وأكثر، وتمنى أن تنتهي أيام البرد والعواصف على خير.

 

يمكن أن تصل المساحات المزروعة إلى النصف

يوافق ترشيشي رئيس «جمعية المزارعين» أنطوان الحويّك، الذي يشير لـ «الديار» إلى أنّ غلاء الأسعار لم يشمل كلّ السلع الزراعية، فالحمضيات أسعارها منهارة، وتباع بأقل من كلفة إنتاجها، معيدا ذلك إلى توقف تصدير نحو 17 ألف طن من إنتاج لبنان الزراعي إلى السعودية. ولفت إلى ثلاث مشاكل أساسية أدّت إلى ارتفاع أسعار الخضار مؤخرا، أولها أن زراعة وإنتاج الخضر يتم شتاء في الخيم البلاستيكية بكلفة مرتفعة جدا بالدولار (النايلون، الأسمدة، البذور، الأدوية الزراعية)، موضحا أنّ قدرة المزارع منهارة بسبب حجز أمواله في المصارف، واضطراره الى تأمين المستلزمات الزراعية بـ «الفريش دولار»، وهذا ليس متوافرا بشكل دائم، كما يحتمل أن تصل المساحات المزروعة إلى نصف ما كانت عليه في سنوات ما قبل الأزمة.

المشكلة الثانية المستجدة، وفق الحويك، هي إرتفاع سعر المازوت الذي يستعمل بالري والمشاريع الزراعية والنقل، ما أضاف عبئا على المزارع فتدنّى إنتاجه بنحو 50% عن السنوات الماضية، كما خفّض الصقيع من الإنتاج وأتلف الكثير من المشاريع، واكد أنّ الإستهلاك ضعيف، وهناك أصناف تنتج للأسواق المحلية فقط، ولو لم نكن نستورد بعض أصناف الخضر لكانت الأسعار أضعاف ما هي عليه اليوم، لافتا الى أنّ الأسعار لا تهبط الا من خلال كثافة الإنتاج، فأحيانا تكون الكلفة مرتفعة والعرض كبيرا والإستهلاك أو الطلب قليلا، فتنهار الأسعار وتباع المنتوجات بما يقارب ربع كلفة إنتاجها.

وشدد الحويك على ان الكلفة لا تتحكّم بالسعر في القطاع الزراعي، فالتاجر هو من يحدّد سعر السلعة وليس المزارع، مؤكدا إرتباط هذه العملية بالدولار، إنّما السعر الفعلي يتم وفق العرض والطلب، فإذا كان السعر مرتفعا واستطاع المزارع أن يستعيد رأسماله وحقق أرباحا عادلة، سيكمل العمل في الزراعة، وإن لم يتمكن من ذلك يخف إنتاجه ويخرج من السوق، والمشكلة أنّه لم يتم التعويض على المزارع في موضوع الكلفة والصقيع والأضرار.

وذكر أنّ إنتاج البندورة المحلية لا يزيد على 25% من الإستهلاك، وما يغطي هو البضاعة السورية التي تستورد بالدولار، وهذه «مشكلتنا الكبيرة»، وشدّد على الطرح السابق بضرورة دعم الدولة للقطاع بمبلغ 150 مليون دولار من المستلزمات الزراعية وفق دولار 1500 ليرة، كي يرتاح المزارع ويزيد الإنتاج وتنخفض الأسعار ويتّم فتح خط تصدير وخلق فرص عمل، وختم: «لو ان الإستهلاك اليوم بأدنى درجاته لكانت الأسعار كارثية».

قلق المزارع مبرّر وكذلك المستهلك، فالأول يخسر والثاني كذلك، والدولة غائبة عن دعم أهم قطاعاتها الحيويّة والإنتاجية، فلمصلحة من يصحّر البلد زراعيا؟