Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر February 12, 2022
A A A
فواتير مشتريات اللبنانيين مضاعفة عشر مرات !
الكاتب: رجاء الخطيب - الديار

تعددت أساليب السرقة والإحتيال والإلتفاف على جيب المواطن اللبناني في بلد تغيب عنه كافة أشكال الرقابة والقوانين وحماية المستهلك. فبعيداً عن لعبة الدولار واحتيال التجار في رفع الاسعار مرات عدة بشكل مبالغ ومضاعف عند هبوط الليرة، وعدم خفضها لاحقاً عند تعافيها، يمارس هؤلاء التجار وغيرهم من المحتكرين، والعديد من الجهات التي تقدم خدمات متنوعة في البلد «تفنن» في سرقة المواطن الذي بات حائراً وتائهاً، وغير قادر على القيام بحسبة صغيرة جداً لمشترياته اليومية، لأن الأسعار غير ثابتة بطبيعة الحال وهي في إرتفاع مضطرد، مما يجعل تقدير المجموع والتكهن به عند الصندوق أمر شبه مستحيل. فمؤخراً اشتكى العديد من المواطنين من تلاعب «غير بريء» بأسعار واعداد البضائع المشتراة عند الصندوق، خصوصاً وأن الأمر بات أشبه بظاهرة ويتكرر بشكل لافت وفي أكثر من مكان ومنطقة.

فأحدهم إشتكى من فاتورة هاتفه لدى إحدى شركتي الإتصالات المعروفتين في البلد، وقال انه تلقى الفاتورة التي يتوجب عليه دفعها بما قيمته ٧٠ دولار أميركي في السطر الأول، وبينما ذكر في الثاني أنه يتوجب عليه سداد ما قيمته ١٧٠ دولار أميركي، ليقوم من بعدها بالإتصال بالشركة لاستيضاح الأمر، وما يلبثوا أن يقدموا له إعتذار كون الأمر يتعلق «بخطأ حسابي» ولكن اللافت كان بالنسبة له تكرر الأمر عدة مرات.

من ناحية أخرى، أفاد مواطن ثان عن تلقي فاتورة بمشترياته عند الصندوق أكبر بكثير من قيمة ما اشتراه، فدقق بالفاتورة ليجد أنهم اضافوا «كيس حفاضات» إلى مشترياته وقيمته ما يقارب ٣٠٠ ألف، علماً أنه ليس لديه أطفال من الأساس، فراجع الصندوق واعتذروا منه مبررين الأمر «بخطأ حسابي». المواطن كان حتى أيام ليست ببعيدة يعتبر الأمر مجرد خطأ قد يحدث فعلاً، ولكن ما جعله يغير رأيه أن الأمر تكرر معه ٣ مرات أخرى وبانواع متعددة من البضائع منها الغالي ومنها زهيد الثمن، وفي كل مرة تتم المراجعة يعزى الأمر إلى «الخطأ الحسابي»، علماً أن «السوبرماركت» نفسه كان قد سحب كافة أسعار منتجاته، وكل ما لديه غير مسعر على الرفوف، وهو من أكبر المؤسسات التجارية على طريق خلده – الجنوب.

مواطن ثالث تحدث عن أمر مماثل تكرر معه أكثر من مرة في إحدى «السوبر ماركت» التي تملك أكبر سلسلة متاجر في البلد، وقال إنه في إحدى المرات تفاجأ بفاتورته تلامس التسع ملايين ليرة لبنانية، فسارع على الفور بالتدقيق فيها، ووجد أن معظم الاغراض قد تم مضاعفتها بعشر مرات دون أن يكون قد إشترى غرضين من أي من مشترياته في الواقع، وبطبيعة الحال أنه عندما راجع الصندوق اعتذروا وتذرعوا «بالخطأ الحسابي» لتنخفض الفاتورة من ٩ ملايين إلى ٣ ملايين ليرة لبنانية فقط!

المواطن الأخير الذي تواصلت معه «الديار»، إشتكى من خطأ حدث معه في إحدى مستشفيات جبل لبنان، حيث أنه وعندما كان يهم بإخراج والدته من المستشفى، طلب منه التوجه إلى الصندوق لسداد المبلغ المتوجب، فذهب والشك يساوره إذ أن والدته مشمولة بتأمين خاص ويغطي طبابتها بنسبة ١٠٠٪، ليطلبوا منه دفع ٧ ملايين ليرة لبنانية فإعترض بشدة ونقاشهم بالأمر ودخلوا معه بالنقاش بشكل حاد وجدي إلى أن قرر التواصل مع شركة التأمين التي أكدت دفع المبلغ، وأجبرت المستشفى على شطب الفاتورة دون أن يبرروا سبب ما حصل.

ما أجمع عليه المواطنين الأربع أن ما حصل معهم كان «غير بريء»، وتكرر أكثر من مرة حاملاً دلالات عدة لعل ابرزها أن هذه هي طريقة الإحتيال المستجدة، مستغلين بذلك الفوضى المنتشرة في البلد وغياب الرقابة وعدم تنبه الكثير من المواطنين لهذه التفاصيل، ففعلاً من قد يخطر له أن السوبرماركت قد «يدس» في فاتورته «أكياس قمامة» مقابل ٣٢٬٠٠٠ ليرة لبنانية فقط لا غير؟ قد يمر الأمر بسلاسة وهدوء، وإذا ما فضح يمكن التذرع «بالخطأ الحسابي»!

للمزيد من التأكد من عدم براءة هكذا أخطاء، تواصلت «الديار» مع مهندس برامج الحاسوب السيد ماهر جعفيل، والذي أكد أن هكذا أمر صعب حدوثه بهكذا وتيرة من التكرار، فإنه عادة وفي حال كان هناك من مشكلة ما في البرامج المستعملة للمحاسبة، فإن المؤسسة تسارع إلى تصليحه في غضون أيام، ولا يمكن أن يستمر بالحدوث على مدة طويلة من الزمن، كما أن ما كان لافتاً بالنسبة للمهندس هو ما إشتكى منه أحد المواطنين عن مضاعفة عدد بعض البضائع، وقال: إن هذا الأمر وإن حدث فإنه يظهر بشكل جلي على الشاشة أمام المحاسب عدد الاغراض وإنه من غير الممكن أن يرى رقم ١٠ يتكرر أكثر من مر،ة بينما الواقع أن ما مرره على الآلة هو غرض واحد، وبالتالي فرضية الخطأ لا تقع على اغراض معينة دون أخرى، كما وإن وقعت فإن عدم تنبه المحاسب لها أمر يستحق الوقوف عنده.

مدير عام الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء الدكتور ايلي عوض عاد وأكد لـ«الديار» على المشروع الذي سبق وطرح فكرته في برنامج تلفزيوني، وهو المشروع الذي يقتضي بأن يتم دمغ كافة البضائع المستوردة عند وصولها إلى المعابر الحدودية بما يعرف «بالبار كود»، على ان يظهر التاريخ الذي دخلت به البضائع الى لبنان والسعر الأساسي الذي تم شرائها بناءً عليه، كونه من غير العدل أن يتحمل المواطن عدم إستقرار العملة وحده دون التاجر، وبالتالي يكون هذا «البار كود» ثابت ومن غير الممكن تغييره من قبل أي جهة، ويكون ظاهر للعيان حتى يتمكن المواطن من فحص معلومات المنتج بنفسه عبر رابط «البار كود» والتأكد من أن السعر يتوافق مع تاريخ شراء المنتج وأن فرق العملة يتحمله المواطن والتاجر سوياً.

وأكد عوض أن وزارة الإقتصاد عليها أن تتبنى هكذا مبادرات بالإضافة إلى المبادرة السريعة بإنشاء المجلس الوطني لحماية المستهلك ومعاينة المخالفات، علماً أن وزير الإقتصاد يملك الصلاحية بإعطاء السلطات المحلية كالبلديات مثلاً، دور رقابي محدد بناءً على قرار صادر منه لمدة محددة، داعياً الوزير عبر «الديار» لإستغلال هذه الصلاحية وتدريب شرطة البلدية على تنفيذ هكذا نوع من المهام لما فيه من صالح للشأن العام وإفادة في إعادة بناء ثقة المواطن بالادارات الرسمية والسلطات المحلية، كما دعا عوض أن يتم تفعيل دور القضاء في إتخاذ قرارات حاسمة وقوية بهدف الردع وأن تكون مواكبة لم يجب أن يتم تحديثه في عمل وزارة الإقتصاد.

وفي فكرة أخرى مواكبة، يرى أنه يمكن لوزارة الإقتصاد أن تستعين بوسائل التواصل الإجتماعي كنوع من الإستفادة من الإمكانيات التكنولوجية المتوفرة، وتخصيص موظف لمتابعة الشكاوي عبر هذه الوسائل وإتخاذ اجراءت أسرع وأكثر فعالية بأقل جهد وكلفة ممكنة، كون المواطن يستعمل هذه المنابر بكثرة وهي باتت لسان حل الشعب اللبناني للشكوى.

وإقترح عوض أيضاً أن تقوم وزارة الإقتصاد بإصدار جداول أسعار يومية للمنتجات الأساسية كالرز والحليب والزيت والشاي شبيهة بالجداول التي تصدر للمحروقات بشكل دوري والتي يجب أن تهدف إلى مواكبة التغيير في الأسعار، مقترحا أن تكون متوفرة إلكترونياً كي يتمكن المواطن من التحقق من السعر فوراً قبل الشراء، وفي حال عدم التطابق أن يقوم بتقديم شكوى فورية.

وفق ما تقدم يمكن الإستنتاج أن المواطن اللبناني يرزح تحت ثقل إنهيار إقتصادي لا ناقة له به ولا جمل من جهة، ومن جهة أخرى يحز نحره في هذه المعركة الضارية قلة الدراية – عن قصد أو عن غير قصد – من الطبقة الحاكمة والتي مهما تبدلت وجوهها فإن اداءها يتسم برتابة دموية لن يفلح أي تحرك آني ومتلفز لإحداث فرق جذري بها، والتي يبدو على اثرها أنه لمن الأجدى أن يبقى «الشمع الأحمر» لعيد الحب عوضاً من اهداره سدًى!