Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر February 4, 2022
A A A
المكتبة الشرقية “تلملم” جراح 4 آب.. الأب دكّاش: من لم يزرها يبقَ علمه ناقصاً
الكاتب: روزيت فاضل - النهار
179708Image1-775x445_d thumbnail_الصورة 11 (2) (1) الصورة 11 (1)
<
>

 

خبر مشجّع جداً في زمن الإحباط القاتل: مراحل ترميم مختلف أجزاء المكتبة الشرقية، في شارع مونو في منطقة الأشرفية وطوابقها، في خواتيمها، ولا سيّما بعد الضرر الواسع الذي وقع بعد الاغتيال الفاضح لمدينة بيروت وناسها في 4 آب 2020، على مستوى كلّ من المبنى التراثي المصنّف الحالي، الذي يعود إلى عام 1937 وملحقاته ووظائفه التقنية، وأجهزة التهوية والمصاعد، وفقاً لما ذكره رئيس جامعة القدّيس يوسف الأب سليم دكّاش اليسوعي لـ”النهار”، مع تسجيله معلومة مهمّة أنّ “التراث الحيّ النادر في المكتبة لم يُصب ‒ بأعجوبة إلهية ‒ بأيّ أضرار، ولم ينل مجموعات الكتب والمؤلفات سوى الطفيف من الضرر”.

المكتبة الشرقية، التي تأسّست مع جامعة القدّيس يوسف في عام 1875 وما زالت قائمة الى يومنا هذا، هي ثالث أهمّ مكتبة في عالمنا العربي وهي تختزن “كنزاً من المصادر والمراجع في الاستشراق، والجغرافيا، والتاريخ، وجغرافيا الشرق الأدنى السياسية، وغير ذلك في العلوم الإنسانية والدينية وسواها وفيها كتب باللغتين الفرنسية والعربية، وأخرى بالإنكليزية، والألمانية، والإيطالية، والروسية، والأرمنية، والسريانية واللغة اليونانية القديمة واللاتينية”، وفقاً لما جاء في مقدمة الكتيّب الخاص عن المكتبة…

 

قبل التوجّه الى زيارة ميدانية للمكتبة، شدّد الأب دكاش على الدور العريق والريادي للمكتبة الشرقية، بالقول: “من لم يزر المكتبة الشرقية يبقَ علمه ناقصاً”.

“كانت ولا تزال المرجع الأساسي للذين يقومون بالدراسات الشرقية في مختلف الموضوعات في مجال الدين والدنيا والعلوم على اختلافها”، وفقاً لتعبير الأب دكاش.

عرض لأهمية التراث الحي في المكتبة الشرقية، التي تضم “أكثر من 225000 ألف كتاب في التاريخ والعلوم الإسلامية والدراسات والنصوص المسيحية الشرقية وغيرها، وفيها أكثر من 4000 مخطوط سرياني وعربي وقبطي، وهذا وحده لا يقدَّر بثمن، إضافة الى مكتبة للخرائط الجغرافية المدنية والعسكرية يتجاوز عددها الثلاثة آلاف، منها الخريطة العسكرية الخاصّة بالسلطان عبد الحميد وأخرى من زمن نابوليون في غزوته الشرقية”، مشيراً الى أن “المكتبة الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت تكتنز أكثر من 2000 دورية ومجلة ويومية، منها مجموعات كاملة قديمة مثل النهار ولسان الحال واللوريان لوجور والمقتطف والهلال والبشير والمشرق وغيرها”.

 

لا يقف الموضوع عند هذا الحدّ، وفقاً لدكاش، بل “تزين المكتبة وتراثها المكتبة الفوتوغرافية التي لا نجد مثيلاً لها في الشرق، حيث تحتوي على عشرات الآلاف من الكليشيهات المحفوظة على الزجاجيات، وهي تروي الحياة اليومية في سوريا ولبنان خصوصاً ابتداءً من سنوات 1880 حتى منتصف القرن العشرين”.

توقف أيضاً عند “محفوظات مكتبة الصور التي تضم مجموعة فاروجان، أحد مصوري “النهار” المشهورين، وهي عبارة عما يزيد على مئة ألف صورة”.

شدد على أنه “تراث قديم حيّ بشهادته للعالم القديم ابتداءً من القرن العاشر حتى أيامنا هذه حيث وضع الأب ألكسندر بوركونو اليسوعي أسس المكتبة وأطلق عليها الأب لويس شيخو اليسوعي تسمية المكتبة الشرقية وهو سلطان اللغة العربية الذي أغنى المكتبة بالكثير من الوثائق والمخطوطات”.

 

أكد أن “الرهبانية اليسوعية، التي كانت تدير المكتبة طلبت من المهندس روغاتيان دو سيدراك Rogatien de Cidrac أن يصمّم المبنى ويشيده، مع العلم بأن من مآثر المبنى الصالة الواسعة المخصصة للبحوث والدراسة والمطالعة، وقد تضررت بفعل الانفجار الذي دمّر جزءاً من بيروت في الرابع من آب 2020″، مشيراً الى أن “تجميع المكتبة الشرقية كان قد بدأ في إكليريكية غزير ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، وفي دير بيروت، وذلك قبل تأسيس الجامعة، وبالتالي فهي بالأساس مزيج بين مكتبة بدأ العمل بها في غزير ثم انتقلت الى بيروت لتلقي بأخرى كانت في بيروت”.

كابوس 4 آب
لنعد الى كابوس 4 آب 2020. وصف دكاش حجم الأضرار التي لحقت بالمكتبة الشرقية من جراء هذا الانفجار المشؤوم مشيراً الى أن “كل الأبواب تكسرت والنوافذ والسقوف وغير ذلك من الأدوات مثل أجهزة الكمبيوتر والكهرباء وكوابلها ونُظُم التهوية والتبريد”، مشيراً الى أن “بعض الأجزاء تأذت مثل الجدران والسقوف البغدادية الفن، وهذه تحديداً، كان من الصعب جداً إعادتها إلى ما كانت عليه، لأن إعادة بنائها أو تصليحها وإعادة تركيبها معقدة جداً، وبرغم ذلك حافظ الترميم على القديم بقدمه”.

لفت الى أننا “كنا قد أنهينا إعادة تأهيل المكتبة التي مرت عليها سنوات الحرب الأهلية من 1975 حتى 1990 وتركت بصماتها عليها، وأنشأنا فيها قسماً خاصاً لمكتبة الصُور الفوتوغرافية، وذلك بالتعاون مع مؤسسة بوغوصيان الثقافية في بلجيكا”، مشيراً الى أنه “ما إن انتهت أعمال التأهيل بفضل مساعدة مؤسسة بوغوصيان حتى وقعت الواقعة مرة أخرى”.
عن الجهة الممولة للترميم قال: “مؤسسة قطر فاونديشن، وألِفْ” مبادرة دولية صُمّمت لمواجهة التحديات الخاصة بحماية التراث الثقافي في مناطق النزاع، وعمل الشرق أوفر دوريان، وأعمال الترميم والتجديد قُدرت بأكثر من 600 ألف دولار تتحمّل الجامعة جزءاً بسيطاً منها”.

عن كيفية استفادة طلاب الجامعة من أقسام المكتبة ودوائرها، ذكر دكاش أن “طلاباً كُثُراً يستطيعون الإفادة من هذه المكتبة التراثية خصوصاً في الآداب واللغة العربية، في التاريخ ومشتقاته، في العلوم الإسلامية وعلم الكلام الإسلامي، في الجغرافيا وفي الآداب المسيحية العربية والشرقية، في الهندسة المعمارية، في التصوير والإخراج وسواها”، مشيراً الى أن “غالبية زوار المكتبة هم الدارسون لتخصصات في العلوم الشرقية والعربية وهم يأتون من فرنسا والعالم الأوروبي والأميركيتين واليابان وغيرها، وهذا تقليد تماشى عليه المستشرقون…”
توجّهنا الى المكتبة الشرقية، التي يسكنها الهدوء. مديرة المكتبة ميشلين بيطار رافقتنا الى قسم خاص للصحافة. رائحة الورق لها سحرها دون شك. تصفحت عدداً من جريدة “لسان الحال” بسعر 15 قرشاً لبنانياً، فعدد آخر من جريدة “النهار”… بدا لافتاً أن بيطار أفادت النهار أن “رسم البحث في المكتبة بلغ يومياً 5 آلاف ليرة سابقاً في اليوم الواحد وهو مرشّح ليرتفع الى 15 ألف ليرة لليوم الواحد”.

ماذا عن مكننة مراجع المكتبة؟ ذكرت أن “هذا المشروع من أولويتنا وهو همّ أساسي”، مشيرة الى أنه “يحتاج الى وقت، مع العلم بأن جامعة القديس يوسف قررت تحديث مختلف هيكليات المكتبة من فهرسة الكتب وترميم الكتب، وتحويل الملفات الخطية الى ملفات رقمية وتحسين مكتبة الصور. وإنجاز هذا المشروع يتطلب الكثير من الموارد المالية”.

قالت: “أدخلنا الى عالم المكننة عدداً لا يستهان به من الكتب المتوفرة لدينا، التي يصل عددها الإجمالي الى 250 ألف كتاب. يتطلب مشروع المكننة وقتاً وجهداً كبيرين للأرشفة الإلكترونية لكتب ووثائق نادرة من القرن 13 أو مجلات من 1880 مثلاً أو كل الوثائق الموجودة عن الشرق الأوسط…”.

شددت على أننا “نلبي أيضاً طلبات نتلقاها إلكترونياً من بعض الراغبين من أقطاب العالم من السويد والولايات المتحدة مثلاً في الحصول على مراجع أو وثائق لبحوثهم أو إصداراتهم”، مشيرة الى أن “المكتبة مرجع للباحثين وطلبة الدكتوراه وبعض الكتّاب، الذين أعدّوا إصدارات كالسادة جورج البستاني، خليل كرم، كميل طرزي…”.

أما مدير مكتبة الصور ليفون نورديكيان فقد تحدث لـ”النهار” عن “أرشيف الصور الفوتوغرافية التي يراوح عددها بين 250 ألف صورة و300 ألف التقطها الآباء اليسوعيون خلال إقامتهم في لبنان كمجموعة الأب أنطوان بوادوبار، الذي اعتمد تقنية التصوير الفوتوغرافي في بحوثه في مجال الآثار، فأتاح له ذلك اكتشاف الكثير من المواقع كالمدن الأشورية والرومانية وبقايا الطرق والمعسكرات والحصون والقنوات التي تعود للمراكز الزراعية القديمة…”.

شدد على أن جهود “عدسة الرهبان اليسوعيين تمكنت من أرشفة بعض معالم لم تعد موجودة”، مشيراً الى أهمية “مجموعة الأب تالون التي سلط الضوء من خلالها على المواقع الأثرية في لبنان”.

عن إمكانية إدخال هذه الصور في عالم الرقمنة قال: “هذا المشروع قائم ويحتاج الى وقت علماً بأننا نجح في إدخال نحو 60 ألف صورة في نظام الحاسوب…”.

أما مدير المخطوطات كرم الحويك فذكر لـ”النهار” أن “ثمة مجموعة استثنائية من 3700 مخطوطة تُعد من أغنى ما في لبنان والمنطقة وأقدمها من القرن التاسع الميلادي وتعود الى نسخة من الإنجيل العهد الجديد على برشمان”، مشيراً الى أن “مواضيع هذه المخطوطات متنوّعة في علوم الفلك والدين والتاريخ والجغرافيا، والفلسفة وسواها…”.

الصور الفوتوغرافية من أرشيف جامعة القديس يوسف وعدسة الزميل مارك فيّاض…