Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر January 22, 2022
A A A
“موازنة تقشّفية” على طاولة مجلس الوزراء ولا خلاف حول الأرقام
الكاتب: موريس متى - النهار

عشية الجلسة الحكومية المرتقب انعقادها مطلع الاسبوع المقبل للشروع في مناقشة مشروع الموازنة واقرار البنود الحياتية الملحّة وفق شروط “الثنائي الشيعي” كما اعلن الرئيس نجيب ميقاتي من بعبدا امس، يبدو ان الرهان معقود على جولة مشاورات جديدة تتسم بدفع قوي من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس ميقاتي ودول الخارج المعنية بلبنان، لا سيما فرنسا، في اطار جهد منسق لتحريك الجمود الاقتصادي القاتل وفتح الباب “نصف فتحة” على الحلول المفترض ان تنطلق مع زيارة وفد صندوق النقد الدولي خلال ايام، علّه يمكن انقاذ ما تبقّى من هيكل الدولة المنهار. غير أن الشكوك تبقى قائمة في مكامن الحذر حيال امكانات نجاح هذه المحاولة في ضوء الشروط التي تفرضها بعض القوى السياسية وسياسة التحدي المتحكمة بالعلاقات في ما بينها والتي يمكن ان تنفجر في اي لحظة استنادا الى التجارب السابقة.

بدأ الإعداد للجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء مطلع الاسبوع المقبل والتي ستناقش مشروع الموازنة بعد انهاء وزارة المال وضعه، حيث تؤكد مصادر الوزارة ان عطلة نهاية الاسبوع ستشهد على طباعة مشروع الموازنة لتوزيعه على الوزراء، وفي حال سارت الامور كما هو مخطط لها، يقوم وزير المال بإحالة المشروع على رئاسة الحكومة غداً الاحد لطرحها على طاولة مجلس الوزراء.

أجواء إيجابية تلفّ انعقاد الجلسة الحكومية، خصوصا لناحية بدء دراسة مشروع موازنة العام 2022 الذي يُعدّ حجر الأساس لمشروع التعافي الاقتصادي ولنجاح المفاوضات مع صندوق النقد للوصول الى برنامج تمويلي يستفيد منه لبنان. ذلك ان أي برنامج تمويلي سيلحظ مجموعة الاجراءات الاصلاحية التي يجب ان تتضمنها الموازنة الجديدة. وتؤكد أوساط الرئيس ميقاتي أن لا خلافات بشأن أرقام الموازنة لكي تصل الى عجز يمكن وصفه بـ”المضبوط”.

من أبرز التحديات الاقتصادية للعام 2022 إقرار موازنة تقشفية توازياً مع ابرام اتفاق متكامل مع صندوق النقد يعدّ حدثاً تاريخياً إنْ حصل مترافقا مع انخراط الصندوق في مراقبة تطبيق الإصلاحات الهيكلية والمالية التي يجب على أي موازنة ان تلحظها، ما يؤثّر ايجاباً على انخراط الدول المانحة، ويمهّد الطريق امام انعكاس النمط السائد على الصعيد الاقتصادي ووضع حد للضغوط الماكرو- اقتصادية والاجتماعية الضخمة التي ترزح تحتها البلاد منذ عامين. فإقرار موازنة متقشفة للعام 2022 في أسرع وقت هو أمر اساسي بحيث تكون مبنيّة على تقشف في الإنفاق وزيادة في الإيرادات عن طريق تعزيز نسب الاقتطاع وتحفيز التحصيل الضريبي.
في هذا السياق، يقول كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى “بنك عودة” الدكتور مروان بركات لـ”النهار” إنّ مشروع الموازنة للعام 2022 “يجب أن يكون متقشفاً وإصلاحياً، بحيث لا تتعدى نسبة العجز في المالية العامة 2% إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، تماشياً مع متطلبات صندوق النقد، والذي يعدّ شرطاً أساسياً لإبرام اتفاق شامل مع لبنان. ومن المرتقب أن يتأتى ذلك من استخدام أسعار صرف جديدة لاحتساب الضرائب كالرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة وسواها، ما يتيح رفع رواتب القطاع العام من خلال تأمين المساعدة الاجتماعية توازياً مع الحفاظ على معدلات مستدامة للعجز المالي. إلا أنه رغم الحاجة إلى هذا التوجه في ظل التدنّي الكبير في قيمة العملة الوطنية، يجب أن يكون تعزيز الإيرادات انتقائياً ومدروساً لكي لا يؤدي إلى انكماش إضافي في الاقتصاد من ناحية وضغوط إضافية جمّة على الأُسر من ناحية أخرى. فرفع الدولار الجمركي، على سبيل المثال، من السعر الرسمي الحالي الى سعر أكثر استدامة يحدّ من الاستيراد وتاليا من العجز التجاري الذي بلغ زهاء 40% من الناتج المحلي السنة الماضية، مع خفض موازٍ للعجز في ميزان المدفوعات، مع ما يحمله ذلك من إيجابيات على الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي. كما يوفر ذلك دعم القطاعات المنتجة في لبنان كقطاعَي الزراعة والصناعة”. أما على صعيد المالية العامة، فيعتبر بركات ان “رفع الدولار الجمركي سيحدّ من عملية تنقيد العجز العام من قِبل مصرف لبنان ومن ذبذبة سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وفي ما يتعلق بقطاع الكهرباء، فان التحديات تتمحور حول تعزيز الإنتاج والاعتماد بشكل أكبر على كهرباء الدولة على حساب المولدات، مع ما يتطلب ذلك من تصحيح للتعرفة المحلية”. ويضيف بركات ان “مؤسسة كهرباء لبنان تعاني من ضائقة مالية كبرى في ظل كلفة انتاج تتجاوز 27 سنتا للكيلوواط ساعة، في حين ان التعرفة الحالية تقلّ عن نصف سنت للكيلوواط ساعة وهي الأدنى في العالم. المطلوب تصحيح التعرفة مع إبقاء الدعم النسبي لشريحة الاستهلاك المتدني، وجعل الجباية آنية مع اعادة جدولة المتأخرات وتحفيز اجراءات الجباية في ظل تشكيل هيئة ناظمة للقطاع العام عموما”.

في السياق ذاته، ينبغي ألا تكون الموازنة في غياب رؤية إصلاحية طويلة الأمد للتصحيح المالي (خمس سنوات على الأقل). ويجب أن تقوم الرؤية المنشودة على خفض تدريجي لحاجات الدولة الاقتراضية من خلال تقليص عجزها المالي بشكل ملموس، والذي يمثل نقطة الوهن الرئيسية للدولة اللبنانية في الوقت الحاضر، خصوصا أن العجز العام يتم تنقيده من قِبل المصرف المركزي، ما يعني خلق نقد ملحوظ وتضخّم في الأسعار. هنا يذكر بركات أن “قيمة النقد المتداول كانت قد ارتفعت خلال العامين الماضيين، من 10 آلاف مليار ليرة في نهاية العام 2019 إلى 30 ألف مليار في نهاية العام 2020، والى 45 ألف مليار في نهاية العام 2022 وهو ما ساهم في انحراف سعر الصرف في السوق الموازية”.