Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر December 23, 2021
A A A
البطريرك يونان برسالة الميلاد: نصلي إلى الطفل الإلهي كي يمنح لبنان استقرارا ونهاية سريعة لدرب آلامه

وجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان رسالة الميلاد لعام 2021، بعنوان “يسوع مخلصنا”، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان وبلاد الشرق الأوسط والعالم، وكذلك الأزمة المخيفة بتفشي وباء كورونا، وجاء فيها: “لا يزال العالم يئن تحت وطأة الظروف الصعبة التي نشأت نتيجة تفشي وباء كورونا، وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية كبرى، وهي تدخل عامها الثالث! وماذا نقول عن الأوضاع العصيبة التي تعانيها بلدان شرقنا المعذبة، من أخطار أمنية وسياسية وتحديات اجتماعية واقتصادية.

في لبنان، ها هو عيد ميلاد آخر يطل علينا، والوطن يعاني من الأزمات المتلاحقة لسنوات عديدة سبقت ثورة اللبنانيين في تشرين الأول 2019، ولا تزال تتعاظم إلى يومنا هذا. فكل يوم يحمل وللأسف تطورات وأزمات، ولعل أبرزها ما نعيشه على مستوى التدهور الإقتصادي والمالي والإنهيار غير المسبوق لليرة اللبنانية، بحيث لم يعد هنالك من سقف لهذا الإنهيار. فبات راتب المواطن اللبناني لا يكفيه سوى القليل من الأيام، في ظل غياب شبه تام لمن يسمون أنفسهم مسؤولين وقيمين مفترضين على شؤون المواطنين. فالكهرباء معطلة، والإدارات الرسمية مقفلة بسبب الإضرابات المحقة للموظَفين، والتهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية مشرَعٌ على مصراعيه، والقطاع الطبي في انحدار مأساوي بدأ بفقدان الأدوية والمعدات الطبية، مرورا بعدم توفر الكهرباء لتشغيل المستشفيات، وصولا إلى هجرة الأطباء والممرضين، في حين تتصاعد وتيرة تفشي وباء كورونا، والمرضى يموتون على أبواب المستشفيات، والوضع لم يسبق له مثيل حتى خلال سنوات المجاعة والحروب. كما نجد تمادي السلطة الحاكمة في تعطيل عمل مجلس الوزراء، والعرقلة المتعمدة للتحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت.

ولكن تبقى للبنان بارقة أمل من خلال إجراء الإنتخابات النيابية في ربيع العام القادم 2022، علَ اللبنانيين يغيرون، بإرادتهم وبالطرق الديمقراطية والسلمية، هذه الطغمة الحاكمة التي أوصلَتْهم إلى حالة الإفلاس والجوع، ويعيدون إنتاج سلطة سياسية جديدة تكون مؤتمَنة على مصالحهم وسيادة بلدهم، فتخلصهم من بؤسهم، وتعيد لبنان إلى سابق عهده من الإزدهار والتطور.

نصلي إلى الطفل الإلهي كي يمنح لبنان استقرارا ونهاية سريعة لدرب آلامه، ليرجع قبلة البلدان شرقا وغربا، فينعم أبناؤنا وبناتنا مع جميع المواطنين بالطمأنينة والعيش الكريم.

وسوريا، لا تزال تعاني آثار الحرب التي شارفت على عامها الثاني عشر، رغم كل الجهود التي تبذلها الحكومة وأصدقاؤها من أصحاب النيات الحسنة، وهي تصارع للخروج من هذا النفق المظلم الذي قسم البلاد وهجر الملايين من أبنائها، فباتوا لاجئين في أصقاع العالم، وقد لمسنا هذا التمزق المؤلم لدى زيارتنا الراعوية الأخيرة إلى أبرشية الحسكة ونصيبين ومنطقة الجزيرة السورية.

فصحيحٌ أن أصوات المدافع قد خفتت والحياة عادت إلى طبيعتها في معظم المدن والقرى، والمفاوضات تقدمت، ولكن للأسف تستمر مصالح الدول الكبرى في التحكُم بمصير وطن بأكمله، وبحياة شعب لا يريد سوى السلام والأمان ليتمكن من العودة والمساهمة في إعادة إعمار بلده مع من بقي من أهله في الوطن، لأن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها. وهذا وحده ما

سيخلص سوريا لتعود إلى التآخي والإستقرار، فتتخلص من المجموعات الإرهابية والتكفيرية التي تعيث فسادا ودمارا، ليس في سوريا وحدها، بل في الشرق بأكمله.

إلى يسوع المخلص نضرع كي يمن على هذا البلد بالسلام والأمان، ليتابع أبناؤنا وبناتنا وجميع إخوتهم في الوطن حياتهم وشهادتهم لربهم في أرضهم الأم، بالمساواة والكرامة الإنسانية.

والعراق، الذي تبارك بالزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس في آذار الماضي، فجددت فيه الرجاء بعيش آمن وأخوة واحترام متبادَل، نجده وقد شارف على الولادة الجديدة بإرادة مواطنيه، من خلال انتخابات ديمقراطية أنتجت طبقة سياسية جديدة علها تُساهم في إخراج العراق من ظلمات الفساد التي تحكمت طويلا بمقدراته وأهدرَتْها. ونحن نؤكد أن المكون المسيحي أصيلٌ ومؤسِسٌ في نسيج بلاد الرافدين، ويجب أن ينال حقه في المساهمة الفاعلة بإدارة شؤون البلاد أسوة بسائر المكونات الأخرى.

كما نجدد الدعاء والشكر لنجاة رئيس الوزراء من المحاولة الفاشلة لاغتياله، والتي كان من الممكن أن تُسبب اضطرابات أمنية لا يريدها ولا يتحملها الشعب العراقي العزيز. ونؤكد على أهمية الوحدة الوطنية للنهوض بالبلاد وازدهارها.

إننا نسأل الرب يسوع المولود في مذود بيت لحم، أن يوحد القلوب ويقوي العزائم، فينهض العراق بجميع مكوناته، ويحيا فيه أبناؤنا وبناتنا مع سائر إخوتهم في الوطن بالوحدة والألفة والاستقرار.

ومصر، فإننا نعرب عن كامل ارتياحنا لما عايناه فيها خلال زيارتنا الراعوية الأخيرة من نهضة وتطور، مما يجعلها بين مصاف الدول المتقدمة. وهذا جليٌ في الإزدهار العمراني والمدن الحديثة التي تُشيَد، فضلا عن الإستقرار الاقتصادي والمعيشي، ما يدفع بنا إلى الثناء على ما تقوم به قيادة هذا البلد من أجل خير أبنائنا وبناتنا وجميع المواطنين.

والأراضي المقدسة، حيث وُلِد ربنا وعاش وبشر ومات وقام ليخلصنا ويمنحنا الحياة، وقد زرناها في تموز المنصرم، فإننا نجدد صلاتنا كي تعود أرض سلام ومحبة لكل الشعوب، لا أرض صراعات وحروب لا طائل لها، تشوه القيمة التاريخية والإنسانية لهذه الأرض المباركة. فيعيش فيها أبناؤنا وبناتنا ويشهدوا لمخلصهم في الأرض التي باركها بتجسده فيها.

ونتوجه بقلبنا وفكرنا إلى البلدان الأخرى التي يتواجد فيها أبناؤنا وبناتنا، في تركيا والأردن والخليج العربي، كما في بلدان الإنتشار في أوروبا والأميركتين وأستراليا، مؤكدين على ضرورة تمسُكهم بالإيمان، وتعلقهم بكنيستهم الأم، وتربية أولادهم وفق ما ورثوه من قيم ومبادئ أصيلة، وقد لمسنا محبتهم والتزامهم الكنسي خلال زياراتنا الراعوية لهم.

كما نجدد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمن على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَشين والمستضعَفين، وكل العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية”.

وفي الشق الروحي من الكلمة تحدث يونان عن “تأنُس كلمة الله كي يهبنا الحياة الجديدة، وعن إتمام الله وعده بالخلاص بميلاد المخلص، منوها إلى أن الميلاد هو زمن الرجاء والسلام وعيد الفرح”، مشددا على أن “يسوع المسيح هو رجاؤنا الأزلي، ومتوجها بالتهنئة إلى المسيحيين والعالم بعيد الميلاد المجيد وبحلول العام الجديد”.