Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر October 24, 2021
A A A
رواتب اللبنانيين الراغبين بالتوظيف في الخليج تنخفض… ما هي أكثر القطاعات طلباً؟
الكاتب: فرح نصور - النهار

بفعل الأزمة الاقتصادية، يحلم جزء كبير من الللبنانيين بالهجرة، بعد الآلاف الذين هاجروا، ما بين عائلات وطلاب ومتخصصين في قطاعات مختلفة وعديدة. الوجهة الأقرب إلى اللبنانيين هي دول الخليج، التي يشكّل الاغتراب فيها إحدى الدعامات للبنان، عبر تحويلات المغتربين. في هذا الإطار، يطرح السؤال حول معايير توظيف اللبنانيين في الخليج؟ وهل تغيّرت بفعل الأزمة الراهنة؟

“أكثر مجالات العمل المطلوبة في الخليج هي العناية الصحية من أطباء وممرضات، إلى جانب قطاع المطاعم والضيافة، وقد زاد الطلب على موظفين لبنانيين في هذين القطاعين بشكل كبير مؤخراً”، وفق ما يورده مؤسِّس شركة Job Finders للتوظيف، عامر زين.

وفي حديث لـ “النهار”، يشير إلى أنّ الطلب على وظائف أخرى هو متواصِل كالتعليم والتربية، بينما الطلب على مهندسين وموظفين في القطاع المصرفي، خفيف، وذلك طبيعي في ظلّ الأزمات الاقتصادية، إذ تأثّر الاقتصاد العالمي بفعل انتشار كورونا.

وظهر مؤخراً طلب أعلى في دول الخليج على موظفين مبتدئين لبنانيين مثل النادل والنادلة وما سواها، وفق زين، و”هي وظائف لم تكن تُطلب من لبنان إلى دول الخليج سابقاً”، لكن الآن، أصبحت هذه الوظائف غير مكلفة بالنسبة إلى صاحب العمل إذا ما أراد أن يأتي بموظفين لبنانيين.

وعمّا إذا كان أصحاب العمل يستغلّون الأزمة لتخفيض الرواتب، يقول زين أنّه “يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الشعب اللبناني يقاوم الأزمة، مقابل أصحاب العمل الذين يأخذون بعين الاعتبار انهيار العملة لدى تحديد الرواتب، والأمر يخضع للعرض والطلب”.

 

لكن يؤكّد زين في هذا السياق أنّ “لا شكّ في أنّ الرواتب انخفضت ما يقارب الـ 50 % أقلّه”، فالطبيب الذي كان يرضى بالذهاب إلى الخليج براتب لا يقلّ عن 15 ألف دولار، أصبح يقبل بـ 8 آلاف دولار أو 9 آلاف، وهناك أطباء يوافقون. كذلك الأمر بالنسبة إلى الندلاء، إذ كان النادل اللبناني يتقاضى في الخليج 1500 دولار، أمّا الآن، فأصبح يرضى براتب 800 دولار، و”نحن كوسطاء، نحاول دفع أصحاب العمل إلى رفع هذه الرواتب”.

معايير توظيف اللبنانيين في الخليج لم تتغيّر، لكن عملياً وواقعياً، ما تغيّر هو الرواتب، ولا زالت الوظائف والمناصب المطلوبة نفسها، بحسب زين.

أمّا عن الشرائح العمرية المطلوبة، فهي تعود إلى القطاعات، كما يشرح زين، لكنّها لم تتغيّر. والفكرة هي أنّ الراتب الذي لم يكن بمستوى طموحات اللبناني، كنّا نراه في بلدان مثل تونس وسوريا وغيرها، أمّا الآن، فأصبح صاحب العمل يرى اللبناني من هذه الناحية كباقي الجنسيات.

لكن يجب التنبّه إلى أنّ أيّ شخص يتراوح عمره ما بين الـ45 إلى 52 عاماً، يواجه صعوبة بإيجاد وظائف في الخليج، على ما يقول زين.

 

وبحسب دراسة أجرتها الشركة المذكورة على المتقدمين للعمل لديها، هناك توجّه لـ 90% من الشعب اللبناني للهجرة، لكنّ الأمر يعود إلى قبول الطلبات والمعوّقات التي تحول دون إتمام عملية التوظيف، فهذا يحدّد عدد الأشخاص الذين يتمّ قبولهم. وتختلف رغبة طالبي الوظيفة اللبنانيين بين الوظائف التي تعلن عنها الشركة في لبنان، والتي تعلن عنها في دول الخليج. ويعطي زين مثلاً، أنّ يتقدّم تقريباً أكثر من ألفي شخص إلى وظيفة محاسب في دبي في أول ثلاثة أيام من إعلانها، أمّا في لبنان، وللوظيفة نفسها، لا يصل العدد إلى المئة. ومَن تتيسّر عملية توظيفهم ليسوا كثيرين، وأحياناً يكون العائق عدم القدرة على استحصال تأشيرة دخول.

إنّما “هذا لا يعني أنّ دول الخليج لم تعد تجد قيمة مُضافة لدى اللبنانيين، لا بل هذه القيمة موجودة، ولا زالت دول الخليج تحبّ اللبنانيين وترى فيهم التميّز”، وفق زين. فأصحاب العمل في الخليج، يفضّلون وجود لبنانيّين في مؤسساتهم. ويوضّح في هذا الإطار، أنّه في أحيان كثيرة، هناك في كلّ شركة كوتا لكلّ جنسية مسموح أن يوظَّف منها، وهذا بحدّ ذاته يحدّ من عدد اللبنانيين الذين يمكن أن يتوظّفوا في الخليج، ولو حتى كان هناك رغبة في توظيفهم.

ومن ناحية أخرى، نرى تعقيدات لناحية إصدار تأشيرات الدخول، فالاستحصال عليها للبنانيّ قد يستغرق شهراً أو شهراً ونصف الشهر، بينما الجنسيات الأخرى قد تصدر تأشيراتها خلال وقت أقل.

وتستفيد دول الخليج من رأس المال البشري اللبناني حالياً، لكن يؤكّد زين أنّ “رأس المال هذا بدأ يتراجع بفعل الأزمة الحالية”، فالأزمات عامة تدفع بجميع القطاعات إلى التراجع من تعليم وخدمات وحتى احترام القوانين، إلى جانب انتشار كورونا الذي أثّر على المستوى التعليمي بسبب إقفال المؤسسات التربوية لسنتين، والاكتفاء بالتعليم عن بُعد.

 

من جهته، يرى الشريك الإداري في شركة “Expertise Recruitment” للتوظيف، زياد غريّب في حديث لـ “النهار”، أنّ لكلّ وظيفة شاغرة/ عميل، متطلّباته الخاصة، ومع ذلك، “يهتم أرباب العمل في دول الخليج دائمًا بمستوى التعليم العالي للموظّفين اللبنانيين إلى جانب مهاراتهم الشخصية القوية”. المرشحون اللبنانيون هم أيضًا عمال مجتهدون وطموحون ويتكيّفون بسهولة مع الثقافات والبيئات المختلفة، وهم معروفون أيضًا بمهارة تعدّد اللغات.

أمّا الاختصاصات والمجالات الأكثر طلباً في الخليج اليوم، وفق غريّب، فهي التكنولوجيا (مهندسو البرمجيات، مطوّرو الهواتف المحمولة، محلّلو البيانات…)، الرعاية الصحية (أطباء الجلد، الممرضات، أطباء الأسنان المتخصصون…)، الوسائط الرقمية (الاجتماعية المدفوعة، البحث المدفوع ، التجارة الإلكترونية …). وهناك أيضًا طلب كبير على العاملين عن بُعد (من لبنان)، خصوصاً في مجال التكنولوجيا والتسويق الرقمي. وتتراوح أعمار اللبنانيين الأكثر رغبة بإيجاد وظائف في دول الخليج، ما بين 25 و35 عاماً.

وعن الرواتب التي تُعطى للبنانيين في دول الخليج في ظلّ هذه الأزمة، يورد غريّب أنّها تعتمد على مؤهلات وخبرات المرشحين، بالإضافة إلى حجم الأعمال وقطاع أصحاب العمل. لكن “لسوء الحظ، فإنّ أحد التحديات الرئيسية التي نواجهها حاليًا هو أنّ بعض الشركات يستفيد من الوضع الحالي في لبنان، لدفع رواتب أقلّ للمرشحين اللبنانيين”، على ما يقول غريّب، مضيفاً أنّه يجب ألّا يؤثّر الوضع الحالي في لبنان على مكافآت المرشحين التي يجب أن تستند فقط إلى مؤهلاتهم وخبراتهم، بالإضافة إلى مقياس السوق بشكل عام.

 

في هذا السياق، يؤكّد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية السعودية، إيلي رزق، في حديث لـ “النهار”، أنّه “بحكم تردّي العلاقات اللبنانية- السعودية، انعكس ذلك على منح تأشيرات الإقامة التي كانت تُعطى إلى اللبنانيين، إلى جانب جائحة كورونا التي أثّرت على اقتصاديات دول الخليج، بالتزامن مع التراجع الحاد في أسعار النفط على المستوى العالمي”. وأصبحت المملكة العربية السعودية مضطرة إلى منح الوظائف إلى مواطنيها والاستغناء عن العمالة الأجنبية والعربية، وهذا ينسحب أيضاً على باقي دول الخليج. وقد تراجع عدد اللبنانيين الموجودين في المملكة من 350 ألفاً إلى ما يناهز الـ180 ألفاً، بحسب رزق، بسبب إعطاء الأفضلية للوظائف إلى السعوديين، خصوصاً الوظائف المتوسطة التي كان يشغلها اللبنانيون.

هامش التوظيف ضيّق جداً في المجالات التي كان يبرع فيها اللبناني، وفق رزق، “لكنّنا نشهد حاجة للاستعانة باللبنانيين في اختصاصات الطب مثل التجميل والعيون والأسنان في دول الخليج، إلى جانب فرص في مجالات الاستثمار أمام رجال أعمال لبنانيين، وهناك حوافز تُمنَح إليهم”. في المقابل، دولة الإمارات شهدت تزايداً في عدد اللبنانيين القادمين إليها بحثاً عن وظائف.

وعن تراجع قيمة الرواتب في الخليج، يرى رزق أنّ “الانهيار الاقتصادي في لبنان أثّر بشكلٍ مباشر وسلبي على الرواتب التي كان يتقاضاها اللبناني في دول الخليج، إذ بات يتمّ التفاوض مع اللبناني على أساس سعر الصرف، وانخفضت الرواتب بشكل مريع إلى أكثر من 50%”.

وبرأي رزق، أكثر قطاع سيواجه صعوبات في إيجاد فرص له في الخليج هو قطاع المصارف وموظفوهم، “هناك استحالة لاستيعاب موظفي المصارف اللبنانيين، لأنّ جميع دول الخليج باتت تعتمد توطين هذه الوظائف، باستثناء الإمارات التي لا زالت تفتح فرصاً أمام اللبنانيين خصوصاً في قطاع تكنولوجيا المعلومات والتسويق والطب”. لكن هناك فرصاً أمام مجالات مثل تنظيم المناسبات وتصميم المجوهرات وقطاع المطاعم والطهي، فهذه المجالات تشهد صعوبة في أن يُنافَس اللبناني فيها.