Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر August 30, 2021
A A A
المصارف تمرّر المزيد من الإقتطاعات “تحت جنح” أزمة المحروقات
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

سرقت “محنتا” الكهرباء والمحروقات الأضواء من المصارف. فغاب “قط” الإعتراضات العلنية على تصرفاتها، وملاحقة مخالفاتها والاعتصامات أمام أبوابها، ليلعب “فأر” الإستنسابية، وفرض “الخوات”، كما تسميها “رابطة المودعين”. الإقتطاعات “العشوائية” طالت العملاء الأفراد وأصحاب الشركات والقطاعات الإنتاجية على حد سواء، مكبدة إياهم أكلافاً باهظة.
من بعد أن أقفلت في 17 تشرين الأول 2019 لمدة أسبوعين، فتحت المصارف أبوابها على طريقة غير معهودة في التعامل مع زبائها. وبعيداً من جوهر المشكلة المتمثل في “حبس” الودائع بالدولار والتسديد باللولار بسقوف محددة، مع “هيركات” تخطت نسبته 80 في المئة، فقد عمدت البنوك إلى رفع بدلات خدماتها، وزيادة نسبة عمولاتها ورفع كلفة السحوبات والتحويلات، وكل ما يتعلق بادارة الحسابات. هذا بالإضافة إلى الاستمرار في منع التعامل بالشيكات، أو فرض تجميدها لفترات طويلة. جزء من العمولات والبدلات مبرر، وقد كان مخفضاً في ما مضى، أو حتى مجانياً أيام “عز” الفوائد. أمّا الجزء الآخر فـ”لا يركب على قوس قزح”، كما يقول أحد المودعين. و”هو يمثل مخالفة فاضحة للعقد الموقع مع المصرف ويحمل الكثير من التجني على المودعين”. وبرأيه فان “العملاء يتحملون طريقة تقصير الدوامات في المصارف، وتقليص عدد الموظفين لخدمة الزبائن والإنتظار أمام الأبواب لساعات بحجة كورونا، إلا أن ما لا يمكن القبول به هو الإقتطاعات العشوائية من الحسابات من دون وجه حق، تحت مسميات وحجج مصرفية مختلفة، بمبالغ تصل شهرياً إلى ملايين الليرات”.
رفض التحويل من حساب إلى آخر
الشكاوى على المصارف تصل إلى “رابطة المودعين” بـ”الجملة”، وآخرها رفض العديد من المصارف التحويل من حسابات الشركات إلى حسابات موظفيها لتسديد الرواتب، سواء كان الحساب بالليرة أو الدولار، واشتراط إحضار الأموال نقداً. في حين عمد البعض الآخر من المصارف إلى فرض عمولات كبيرة على كل حوالة. وهو ما لن تتحمله الشركات. وستعمد حكماً إلى حسمه من راتب الموظف. وقد طالت هذه الإجراءات موظفي المستشفيات والكثير من الشركات. وقد رفع نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون الصوت عالياً قبل فترة، مهدداً بعدم استقبال موظفي المصارف في المستشفيات في حال لم تتراجع المصارف عن هذه الشروط التعجيزية. فـ”من بعد أن حجزت البنوك على الأموال والحسابات وقيدت السحوبات منها بسقوف منخفضة، أصبحت تعاملها اليوم وكأنها غير موجودة”، تقول المحامية دينا أبو زور، “الأمر الذي يفاقم المشاكل بالنسبة للشركات، ويؤدي الى عجزها عن تأمين المبالغ نقداً لتسديد مستحقاتها أو حتى رواتب موظفيها.
ويؤدي من الجهة الأخرى إلى حرمان الموظفين من حقهم البديهي بتقاضي أجورهم”. وبحسب أبو زور فان “المصارف لجأت إلى وضع سقف منخفض للسحب من الحسابات على أساس التعميم 151 الذي يتيح قبض الدولار على أساس 3900 ليرة، بما لا يتجاوز في بعض المصارف 400 دولار. وهي لم تغيره على الرغم من وصول سعر الصرف في السوق الموازية إلى 20 ألف ليرة. الأمر الذي يضطر الموظف إلى سحب بقية راتبه على أساس سعر صرف 1500 ليرة. الأمر الذي يحمله هيركات بنسبة 80 في المئة على أساس التعميم 151، و92.5 على أساس سعر الصرف الرسمي”. وهذه مجزرة بكل ما للكلمة من معنى. في المقابل ينوي “بنك ميد” فرض عمولة بنسبة 12 في المئة على كل حوالة من حساب إلى آخر. وعلى سبيل المثال فان الشركة التي تريد أن تحوّل من حسابها مبلغ 100 ألف “لولار” لحسابات موظفيها، يجب عليها أن تدفع 12 ألف لولار، أو يمكنها أن تحسم نسبة 12 في المئة من راتب موظفيها. بمعنى أن من يتقاضى 1000 لولار يحسم من راتبه مبلغ 120 لولاراً، أو ما يعادل 468 ألف ليرة. ومن وجهة نظر أبو زور فان “هذه الإجراءات لا تخالف العقد الموقع بين المصرف والعميل فحسب إنما أساس العمل المصرفي”.
العمولات
بالاضافة إلى مخالفة أبسط قواعد العمل المصرفي بما يتعلق بكيفية التعامل بالشيكات والتحاويل من الحسابات، فقد لجأت معظم المصارف إلى رفع عمولتها الشهرية على خدمة الحسابات من 2 و3 دولارات إلى ما بين 5 و12 دولاراً. هذا عدا عن اقتطاع ما بين 2 و5 في المئة من السحوبات النقدية بالدولار. وعلى الرغم من إعفاء التعميم 158 الحساب الخاص المتفرع بالدولار من أي عمولات فان الحسابات الأساسية بالدولار غير النقدي (لولار) تبقى خاضعة للعمولة”، بحسب خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي.
إلا أن المصارف لا تقتطع العمولة من حساب “اللولار”، إنما تأخذها نقداً من الحوالات أو مما يوضع في هذا الحساب من أموال نقدية بالدولار، أي من الحساب المتفرع. وهنا السؤال: أليس من المفروض أن تأخذ المصارف عمولتها 5 لولارات، مثلا وليس 5 دولارات نقداً بشكل شهري كعمولة إدارة حساب؟ خصوصاً أن الحساب المتفرّع معفى من العمولات! أكثر من ذلك فان بعض المصارف التي تفتح لعميلها حساب fresh account لوضع ما يتقاضاه بالدولار بحسب التعميم 158 تأخذ منه عموله تصل إلى 12 دولاراً شهرياً، و”هذا مخالف للتعميم”، برأي فحيلي. و”قد تقدمنا بمراجعة وشكوى أمام لجنة الرقابة على المصارف”. في الماضي كانت “جمعية المصارف” تُلزم البنوك باعتماد جدول العمولات الذي تعممه على كل المصارف، بعد أن يكون قد درس من قبل لجنة مخصصة في “الجمعية”. أمّا اليوم فقد “أصبحت حارة كل مين إيدو الو”، يقول فحيلي. “حيث لم يعد هناك قطاع مصرفي، إنما فقط مصارف”. وقد عمدت البنوك إلى تعويض تراجع الأرباح من الفوائد والقروض، بتقاضي العمولات. و”هذه الأخيرة تغطي مصاريف البنوك وتؤمن لها سيولة بالعملة الصعبة” برأي فحيلة. إلا أنها تترافق مع غياب أي دور فاعل وجدي للجنة الرقابة على المصارف”.
“التشاطر” بتطبيق التعميم 158… مستمر
في الوقت الذي تعلو فيه صرخات المودعين من عمولات المصارف تستمر الأخيرة بمحاولة التشاطر بتطبيق التعميم 158. حيث وصل للمحامية رابطة المودعين شكاوى عديدة على مصارف تجبرعملاءها على توقيع عقد اذعان للاستفادة من التعميم 158 يخول المصرف وضع اليد على الوديعة والتصرف بها مثلما يريد وبالعملة التي يريدها. وقد وصل الأمر بأحد أكبر البنوك إلى محاولة تمرير عقد ينص على دفع 200 دولار نقداً بحسب التعميم المذكور بدلاً من 400 دولار. وهذا ما يدل برأي المحامية أبو زور “على إفلاس المصارف ويثير الخشية من عدم القدرة على الإستمرار بالعمل بالتعميم 158 لفترة طويلة”.
عقوبات على المساهمين في المصارف
أمام هذا الواقع تقدمت رابطة المودعين برسالة شكوى أمام سفارات الدول الأجنبية العاملة في لبنان لحث دولها على وضع عقوبات على أصحاب المصارف ومساهميها. فمن وجهة نظر “الرابطة” فإن مساهمي المصارف، وأصحابها وكبار المدراء فيها مذنبون”، يقول عضو “رابطة المودعين” نزار غانم، “لأن القانون اللبناني ينص على أنه في حال التوقف عن الدفع على مالكي المصرف والمساهمين أن يدفعوا من مالهم الخاص. وان استمرارهم بالتهرب من تحمل المسؤولية وتحديد الخسائر وتوزيعها بشكل عادل يحتم وضع إشارة على كافة أصولهم في الداخل والخارج، ومنعهم من التصرف بها لحين البت بالدعوى المفتوحة أمام القضاء اللبناني. فمن غير المقبول بحسب غانم استمرار أصحاب المصارف بالاستثمار والتنعم بممتلكاتهم والسفر… فيما كل المودعين، وتحديداً الصغار منهم، يتحملون الجزء الأكبر من الخسارة بسبب الإصرار على عدم هيكلة القطاع المصرفي. وبالفعل تواصلت رابطة المودعين مع أكثر من 50 سفارة، وهناك العديد من الدول الأجنبية والمؤسسات الاوروبية تجاوبت مع مطالبنا، وتدرس جدياً التوسع بالتحقيق حول هذا الملف والمتابعة بطلب تزويدها بالاسماء والاقتراحات التي تساعد وتسهل فرض عقوبات على المصرفيين. ونحن ندعم الملف بالمقترحات المنهجية والرؤية الواضحة لكي تكون العقوبات نافذة وفعالة.
الهدف من طلب وضع العقوبات ليس معاقبة القطاع المصرفي، إنما حث أصحاب المصارف على الدخول في مفاوضات والجلوس الى الطاولة لوضع واطلاق خطة اقتصادية تنقذ البلد”، يقول غانم. “المهمة صعبة صحيح. وقد لا ننجح في القضاء الخارجي بسبب التعقيدات الكثيرة. لكننا نطمح الى رفع الخطر السياسي على كل المتورطين في سرقة المودعين واقفال أبواب الاستثمار عليهم في الخارج، وجعلهم اشخاصاً غير مرغوبين في الدول الاجنبية. فرابطة المودعين ستفعل كل ما في وسعها لفضح المذنبين والتشهير بهم في المحافل الدولية، وهم عليهم أن يختاروا بين الاستمرار في هذه المعركة “غير النظيفة” مع المودعين أو العودة إلى أسس العمل المصرفي السليم”.