Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر July 20, 2021
A A A
بين جنون الدولار و«تسونامي» الأسعار: لبنان متأخراً في قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم
الكاتب: يمنى المقداد - الديار

«جنون دولار وتسونامي أسعار»… وصف يختصر الوضع المعيشي في لبنان حالياً. الإثنان يحلّقان في سماء من الفوضى والفساد السياسي، وفي دوامة ضغط وحصار خارجي يتّخذ من الشعب رهينة لأجندات خاصة. والنتيجة موجة فقر عارمة لم يشهدها اللبنانيون حتى في عزّ الحرب الأهلية والاعتداءات الصهيونية.

فراتب اللبناني ذو الدخل المحدود، والذي كان بالكاد يكفيه قبل الأزمة حتى «١٠ الشهر»، لم يعد يؤمن له اليوم إلا الضروري من الغذاء، وبعض من ضوء مولدات الكهرباء الخاصة.

في استطلاع لـ «الديار» لما آل إليه حال الناس في مهبّ الأزمة، تقول سماح (٢٨ عاما – متخصصة في مجال الإعلام): « في ظل عدم توفر وظائف في مجال إختصاصي اضطررت للعمل كمربية أطفال في منزل براتب شهري يبلغ 600 ألف ل.ل بدوام من (8:00 – 5:00)، ومع ارتفاع الدولار أصبحت أدفع نصف راتبي أجرة نقل، واستغنيت عن حاجيات كثيرة، وما يضايقني أني لم أعد أستطيع إعالة أهلي».

حال سماح لا يختلف كثيرا عن حال أحمد (35 عاماً – أمن خاص) الذي أخبرنا أنّه يتقاضى 1200000 الف ليرة شهريا: 400 منها يدفعها بدل إيجار المنزل، 250 اشتراك الكهرباء و65 انترنت والباقي مصروف أكل وشرب، وضعُ منع أحمد وكثر من الشباب من التفكير بالزواج وتأسيس أسرة ويختم ممازحاً: «لم أفكر بالزواج قبل الأزمة فكيف الآن؟»

أمّا زينة 43 عاما (أم لخمسة أولاد – ممرضة في مستوصف صحي)، تتقاضى 600 ألف ليرة وزوجها يتقاضى 1100000 ليرة، تشكو قائلة: «ينتهي راتبنا بـ 5 الشهر مع أننا نقتصد كثيرا في المصروف، وكثير من الأغذية لم يعد بمقدورنا شراءها، ونركز على «مونة البيت» بمأكولات بسيطة جدا، ونكمل بقية الشهر بالإستدانة لتغطية مصاريف أخرى، «والله أعلم بحالنا!»

 

 

لبنان أفقر من الدول الفقيرة

للوقوف عند أحدث أرقام دخل الفرد في لبنان، كشف الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ «الديار» أنّ الحد الأدنى للأجور في لبنان فقد نحو 92% وأكثر من قيمته، إذ كان يبلغ قبل الأزمة 675 ألف ليرة أي 450 دولاراً، أصبح مع دولارالـ 20 ألف: 34 دولارا، و مع تخطي الدولار عتبة العشرين سيستمر في التراجع، واشار الى ان حد أدنى للأجور وضع لبنان في مرتبة متأخرة في قائمة الدول الأكثر فقرا في العالم، وفي هذا، يصف شمس الدين لبنان بأنّه أفقر من الدول الفقيرة، فالحد الأدنى للأجور في مصر وتونس يبلغ 125 دولارا، تليهما نزولا موريتانيا وتشاد وبنغلادش وكوبا وأفغانستان وسيرلانكا وأنغولا وغامبيا واليمن، ومن ثمّ لبنان تليه ملاوي، أثيوبيا، أرتيريا وصولا للسودان بـحد أدنى للأجور يبلغ 12 دولارا.

إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، أدى الى تآكل القدرة الشرائية وهزال الرواتب، بحسب شمس الدين، الذي أشار أنّ كلفة السلة الغذائية لأسرة مؤلفة من 5 أفراد ارتفعت من 450 ألف ليرة في تشرين الأول 2019، الى 2250.000 ليرة، مع بداية تموز 2021، أي بنسبة 400%، ولا تزال في ارتفاع مستمر بحسب سعر الصرف اليومي. ويتابع: «إذا أضفنا السكن، النقل، التعليم، الكهرباء، المياه، الألبسة وغيرها، فيجب أن لا يقل دخل الأسرة عن 5 إلى 6 ملايين ليرة شهريا، فيما الرواتب تتراوح عموما بين 1500000 و2500000 ليرة ، ما يعني أنّ 70% من اللبنانيين يكفيهم دخلهم فقط لتوفير الغذاء».

 

 

رفع الدعم الكلي: بنزين 327 ألف ومازوت:250 ألف

رغم فوضى التهريب والإحتكار، ساهم دعم بعض السلع الإستهلاكية، في التخفيف عن كاهل المواطن، فالدعم، وفق شمس الدين، بدأ بـ 360 سلعة غذائية واليوم وصل لـ 12 سلعة ، اضافة الى دعم الدواء والطحين والمحروقات، محذرا من أنّ رفع الدعم عن الدواء سيرفع سعره بمعدل 10 أضعاف، والنتيجة مشاكل صحية وإجتماعية خطيرة، واشار الى أنّ مادتي البنزين والمازوت كانتا مدعومتين بنسبة 90% على سعر صرف 1515 ليرة و10% سوق حرة، أمّا اليوم أصبح الدعم وفق 3900 ليرة ما رفع سعر صفيحة البنزين الى 72000 ليرة، فالدعم مستمر إنما سعر الصرف ارتفع، ولفت إلى أنّه في حال رفع سعر الصرف كليا وثبات الأسعارعالميا يمكن أن يصل سعر صفيحة البنزين الى 327 ألف ليرة، والمازوت الى 250 الف، وهذا يفوق طاقة الناس، لذا هناك توجه رسمي لإبقاء الدعم.

 

 

تصحيح الأجور

وعن الحل في تصحيح الأجور، وهل هذا ممكن رسميا؟ يجيب شمس الدين أنّ هناك استحالة لتصحيح الأجور مع تضخم سعر السلّة الغذائية الى 400%، كما أنّ الدولة عاجزة أساسا عن التصحيح، فأجور القطاع العام تبلغ نحو الف مليار ليرة شهريا ودخل الدولة يقتصر على 13000 مليار ليرة فقط، وأي زيادة تعني المزيد من طباعة العملة وانهيارالقدرة الشرائية. أما البديل عن تصحيح الأجور فيتمثّل عبر توفير خدمات للناس، كتأمين نقل مشترك بين 3 و 6 أشهر كحد اقصى، وتأمين كهرباء على مدار الساعة وهذا يوفرّ على الناس، وكأنّ الدولة بذلك رفعت الحد الأدنى للأجور.

 

 

الأسمر دعا الشركات التي تتعامل بالدولار أن تعطي موظفيها بالدولار

رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لفت لـ «الديار» إلى أنّه تم التسرّع برفع الدعم مطالبا بمرسوم إستثنائي يحدد زيادة الأجور، أو إصدار مشروع قانون يعطي سلفة غلاء المعيشة، بانتظار أن يكون هناك دولار ثابت لتحديد رقم نهائي للزيادات، وأشار الى ضرورة وضع سياسة اقتصادية تعطي العامل حقّه، كي لا يتحمّل وحده تبعات الإنهيار، فالتجار ومستوردو المحروقات وغيرهم يحصلون حقوقهم وفق سعر الصرف اليومي، فيما الكثير من العمال يتقاضون أجورهم وفق سعر صرف 1500 ليرة، داعيا الشركات التي تتعامل بالدولار أن تصرف رواتب موظفيها بالدولار.

 

 

ناصر الدين: أول خطوات الحل وقف انهيار العملة وتثبيتها

في خضم هذا الواقع المتأزم يشير الباحث الإقتصادي زياد ناصر الدين لـ «الديار» الى أن أول وأهم خطوة تتمثّل في وقف انهيار العملة وتثبيتها ومن ثم التوجه لأخذ قرارات فاعلة إقتصاديا تنعكس ايجابيا على أمن الناس الحياتي. وشدد أنّه لا معنى لتصحيح الأجور في ظل الإرتفاع المتواصل لسعر صرف الدولار لأن قيمة الزيادة ستذوب مع ارتفاع الأسعار، خاصة في نظام اقتصادي «مدولر» واستهلاكي غير منتج، ولفت إلى أنّه كلما رفع الدعم عن سلعة ما، كلما ارتفع سعرالصرف، وهذه إحدى المشاكل الأساسية.

وأضاف ناصر الدين قائلا إنّه ليس في لبنان خطة نقل، ولا بطاقة صحية ويعاني مشكلة في الكهرباء والمياه والسيولة والمصارف، وضعف في الإنتاج وزيادة في الإستهلاك، لذا لا بد من اخذ إجراءات لا تشبه البطاقة التمويلية، إنّما ترتبط بتعزيز الإنتاج اللبناني وتخفيف الإستيراد، كما لا بدّ أن يترافق تصحيح الأجور مع خطة إنتاجية وطنية.

 

 

الحلّ سياسي ثم إصلاحي

أمّا على مستوى الحلول الرسمية لإعانة المواطنين، رأى شمس الدين أنّ الحل السياسي هو الكفيل بوضع حد للأزمة الحالية بنسبة 70 % والإجراءات الاقتصادية والتصحيح المالي سيؤثران بنسبة 30% المتبقية، وأمل أن يحصل ذلك ليتراجع الدولار لان ارتفاعه يعني القضاء على ما تبقى من مقومات في لبنان».

فيما أشار رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر إلى أنّ بطاقة تمويل الأسر الأشد فقرا(تشمل 50 الف مواطن)، وبطاقة الأسر المحدودة الدخل التي تقدم 400 الف ليرة كل فترة، لا تفي بالغرض، لافتا الى ضرورة دمجهما بالبطاقة التمويلية، مشدّدا على ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ، عطفا وإقرار مشروع إغاثة لخمس سنوات يمول عن طريق الهبات.

الباحث الإقتصادي زياد ناصر الدين اعتبر بدروه أننّا اليوم أمام مخاض إقتصادي، ولا بد أن يتغير ويحدد شكل إقتصادنا من خلال دعم الإنتاج المحلّي، مقترحا تشكيل لجنة طوارىء إقتصادية، أو تفعيل دور حكومة تصريف الأعمال، في ظلّ عدم تشكيل حكومة جديدة، ومن ثم التوجه لمؤتمر انقاذ إقتصادي يراعي إمكانات لبنان للإصلاح، وعقد اتفاقيات مثمرة على مستوى الغاز والنفط، عطفا على الدعم المباشر للناس، فهناك مئات الحلول الإقتصادية، معتبرا أنّ نجاح كل هذه الخطوات مرهون بالإستقرار السياسي.

 

 

دور الأسرة

تبخرت الأمنيات بإجراءات سريعة أقلّه حاليا نتيجة الإعتذارعن التأليف، يبقى أن تعول الأسرة على نفسها، من هنا عليها التعامل مع الموضوع إنطلاقا مما يسمى بإدارة الأزمة، بوفق ما ذكر الإختصاصي في التنمية الإقتصادية والإجتماعية الدكتور محمد فرّان لـ «الديار» الذي دعا الأسرة إلى إعادة ترتيب أولوياتها والإكتفاء بالحاجات والتخلي عن الرغبات، فضلا عن التخطيط والعمل بمبدأ الإنذار المبكر إستعدادا لاي طارىء، والأهم أن يحادث الأهل أبناءهم، بأن الوضع إستثنائي، ولا بدّ من التضحية، ورفع مستوى تحملهم للمسؤولية.

الحل في لبنان سياسي بامتياز، علّ اعصار الدولار يهدأ قليلا، يليه اصلاح اقتصادي شامل. أما موقتا فالحل في تأمين خدمات حيوية من كهرباء وماء ونقل مشترك وسواها، تزيح عن كاهلنا بعضا من العبء لنبقى على قيد نفس لا نعلم إن كانت «كورونا دلتا المتحورة» ستتآمر علينا هي الأخرى وتسلبنا إيّاه!