Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 27, 2016
A A A
اي تغيير في سوريا؟!
الكاتب: نبيه البرجي - الديار

منطق الاشياء، جدلية الاشياء، قوة الاشياء، ان يتغير النظام في سوريا لا ان تبقى الانظمة في منطقتنا الى يوم القيامة، مع كل امتناننا للسادة الفقهاء، وسواء كانوا فقهاء البادية، ام فقهاء اليوتوبيا، لان خيالهم يتوقف عند يوم القيامة…

الا اذا كان هناك من يعتقد ان تداول السلطة في لبنان، وتحت خيمة شيوخ (ام انبياء؟) الطوائف، ظاهرة ديمقراطية لا ظاهرة كوميدية. اكثر…ظاهرة تراجيدية.

المشكلة الى اين تتغير سوريا اذا كانت اجهزة الاستخبارات الكبرى، ومنذ ايام جون فوستر دالاس وشقيقه آلان، ان لم يكن من ايام فرنكلين روزفلت ونتائج مؤتمر يالطا، تدفع المنطقة اكثر فأكثر الى قاع الازمنة ان لم نقل الى قاع الايديولوجيات..

ما الذي حصل في مجلس الامن (وحيث بدا بان كي مون كموظف من الدرجة الثالثة في الخارجية الاميركية) سوى الاعلان على الملأ بأن قواعد النظام العالمي الجديد لا تزال بعيدة المنال. قال ريتشارد هاس «الراقصون حول المستحيل».

استطراداً، هذا ليس وقت التسوية السياسية في سوريا، مادام الذين يرتدون القفازات الحريرية يتفاوضون ببراثنهم، وفي احياء كثيرة بالسكاكين، حول تجزئة  الارض، وتجزئة الناس، وحتى تجزئة الحياة…

لا يمكن لسوريا ان تبقى قطعة من الجليد او قطعة من النار. الا نشعر بالاستغراب حين يقال وراء الضوء ان واشنطن تريد ازالة الدولة في سوريا لا ازالة النظام؟

لا، لا، دنيس روس، وفوقه هنري كيسنجر، يعتبران ان اقصر الطرق الى ازالة سوريا ازالة النظام. الفوضى وحدها تحل الازمة في سوريا، بل وتحل كل ازمات الشرق الاوسط…

قيل» ثورة في سوريا». و يفترض ان تكون هناك ثورة، بالمفهوم الحداثي لكلمة لا بمفهوم اصحاب الاسنان الصفراء، والعمائم الصفراء، واللحى الصفراء…

قبل ان يقاتل النظام «الثورة»، كان هناك من بادر الى وضع اليد عليها. منذ اللحظة الاولى، قال فريد زكريا، المعلق الاميركي الشهير من اصل هندي «ان الهلع انتشر في المنطقة لان الديمقراطية في سوريا تعني زعزعة كل الانظمة التوتاليتارية التي طالما طرحت نفسها اما الناطقة باسم التاريخ او الناطقة باسم الله…».

الثورة الحقيقية ممنوعة في سوريا، التغيير الحقيقي ممنوع في سوريا. للتو تحولت المعارضة الى معارضات وتحولت المعارضات الى مهرجان دموي للدمى. من يرون في ايران خطرا على المنطقة، ودون ان نشك لحظة في ان الوصول الى ضفاف المتوسط هاجس جيوبوليتيكي قديم، مدوا اليد الى تركيا(يا جماعة انها السلطنة العثمانية) من اجل التغيير في سوريا.

كما لو ان رجب طيب اردوغان لم يستخدم «الاخوان المسلمين»، وهم النيو انكشارية للنيو عثمانية، لوضع اليد على سوريا ومصر مرورا بالخليج العربي، اذا كان لكم ان تستعيدوا كلامه «نحن احفاد العثمانيين والسلاجقة»، خالطا على ذلك النحو العجيب بين استثارة القومية الطورانية والبرمجة المكيافيلية للاسلام…

حتى ان الكثيرين في الخليج الذين يستشعرون الظل الايراني الثقيل، خصوصا مع ذلك المعطف الايديولوجي الماضي قدما في تسويق الكآبة، اعربوا عن ذهولهم كيف يمكن ان تضع دول عربية نفسها بتصرف السلطان العثماني الذي لا يرى في العرب سوى حفنة من البدو الذين اسهمت «خيانتهم» في سقوط السلطنة…

الصراع داخل الصراع لم ينتج سوى المعارضة – الدمية. أليس مضحكا (ومبكيا) في آن ان تكون الوجوه التي انتجتها «الثورة» تختزل برياض حجاب (عوتبنا كثيرا لاننا وصفناه بالقالب الخشبي الناطق) او بأسعد الزعبي او بمصطفى علوش؟ هذه الدمى (الفارغة تماما) هي التي تفاوض من اجل التغيير في سوريا…

اذا صدقنا كل هذا، ولم نر، بالعين المجردة، ان رهان واشنطن التي وظفت حتى «داعش» لاغراض تكتيكية، هو كما رهان الدول الحليفة على ابي محمد الجولاني ليكون الرجل الاول في دمشق، ودون اي اعتبار لحمولته الايديولوجية. الذين يعرفونه يقولون انه «رجل تورا بورا في سوريا».

قدم في واشنطن وقدم في اورشليم. هذا هو زعيم «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقا) ، في حين ان وسائل عربية كثيرة انزلقت الى ثقافة العار، وحيث السني والشيعي، وحيث تركيا هي زعيمة السنّة، وحيث ايران هي زعيمة الشيعة..

احتراما لما تبقى من الدم، ولما ذهب من الدم، كفى سذاجة، بل كفى تسويقا دمويا للغيب. ربما لما وراء الغيب!!