Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر May 29, 2021
A A A
أعراس لبنان: وداعاً للتّرف ومرحباً بالعرس التقليدي!
الكاتب: باميلا كشكوريان السمراني - الديار

لا شكّ في أنّ اللّبنانيين يُعانون اليوم من أصعب انهيار اقتصاديّ تشهده البلاد، ولا شكّ أيضاً في أنّ جائحة كورونا أتت لتحجب المسافة بين الأفراد، بين حالة تعبئة عامة تفرضها الدّولة، وامتياز في الوقاية من الاختلاط يُطبّقه الشّعب.
فالحالة العامّة تبدّلت ومظاهر اجتماعية عديدة تبدّلت، وأولّها حفلات الأعراس التي تنافس المواطنون يوماً على تنسيق الأفخم منها، فلكلّ مشكلة رغم قساوتها، جانبها الإيجابيّ! يقع الإيجابيّ هنا في شجب كافة مظاهر التّرف والمنافسة على المركز الأوّل في فخامة الإحتفال.
فبعملية حسابية بسيطة وسريعة، نستعرض لائحة تكلفة الأعراس في السنوات العشر الفائتة (بحسب سعر الصرف القديم 1500 ليرة لبنانية)، حيث كان على المقبلين على الزواج، التفكير ليس فقط في سعر الشّقة السكنية ، إنما أيضاً في تكلفة مستحضرات سهرة العرس التي تبدأ بالزينة التي تتراوح أسعارها بين 2000$ و 5000$ إضافة الى كلفة استئجار المصوّر التي كانت تبلغ بحدود 3500$ وصولاً الى الزّفة 2000$ والمطعم الّذي يفصل سعره الى ثلاثة أقسام: الإضاءة والصوت، ال DJ والمأكل والمشروب، وهنا يتمّ التسعير بحسب الشخص الواحد على أن تبدأ الأسعار من 40$ وما فوق.
فإذا جمعنا الأسعار التي تقدمت واحتسبنا القيمة الإجمالية على أساس 200 شخص لكانت الحصيلة بحدود ال 20,000$ أي 30 مليون ليرة لبنانية، أمّا اليوم وبعد ارتفاع سعر صرف الدولار فأصبح هذا الرقم يعادل 250,000,000 ليرة لبنانية إذا احتسبنا سعر الصرف على أساس 12,500 للدولار الواحد!!!
أمام هذا الواقع، فُرض على اللّبنانيّ التنازل عن عرش سباقه الافتراضي والرضوخ لواقع وضعه في الإطار الصحيح ، حيث انّ الهدف السّامي لمؤسسة الزواج هو بناء الأسرة السامية والحبّ «بلا ولا شي» كما قال زياد الرحباني يوماً.
«عرسان» اليوم… في حالة قناعة تامّة !
تتحضّر هنادي لحفل زفافها من خطيبها عماد، هي الفتاة التي حلمت بارتداء الفستان الأبيض مع البرزة الملكية ودخولها كالأميرات الى صالة الإحتفال وسط قرع طبول الزّفة وتصفيق المدعوين من جهّتيّ مرورها. «هكذا اعتدنا في حفلات الأعراس» تقول ل «الديار» وتضيف: «ما نعيشه اليوم أيقظ بداخلنا مظاهر لا يُقال عنها سوى أنّها مادية وفيها الكثير من التعالي وال Show Off ، أمام الواقع الّذي نعيشه وتعبنا على تأسيس منزلنا وتأمين المستلزمات الأساسية، نتوجّه أنا وخطيبي اليوم لإقامة حفل صغير بسيط يقتصر على مشاركة 50 شخصاً فقط من الأقارب والرفاق المقرّبين جدّاً الّذين سيفرحون حتماً لفرحنا.»
حال هنادي وعماد كحال العديد من الخطّاب الّذين يتحضّرون للزواج، فيسلك جميعهم الطريق البسيط والسهل البعيد عن مظاهر التّرف.
أصحاب المطاعم والمنتجعات السياحية : الحالة عامّة ولكن..!
هذه الظاهرة التي اعادت العائلات الى عالم البساطة والحب الحقيقي، أثّرت سلباً في أصحاب المطاعم والمنتجعات السياحية الذّين عوّلوا دائماً على موسم الأعراس.
كان ل «الديار» زيارة الى أحد المنتجعات السياحية في جبيل المقصودة مركزاً أساسياً لإقامة أفخم حفلات الأعراس وأكبرها، وقد شرحت مديرة تنسيق الحفلات تبدّل الأحوال العامة وقالت: «اعتدنا إقامة أفخم الحفلات التي تهافت الأزواج عليها منذ مدّة طويلة، إلا أننا اليوم وبسبب جائحة كورونا من جهة والإنهيار الإقتصادي الحاصل من جهة أخرى نُعاني بنسبة كبيرة من تراجع أرقام الحجوزات أولا، حيث اعتدنا تنظيم بحدود 75 عرساً في الموسم الواحد ، أمّا اليوم فسجلاتنا تُشير الى 20 حجزاً صغيراً فقط، وعندما أقول صغيرا، هذا يعني أنّ عدد الأشخاص المدعوين لا يتخطّى ال 100 كحدّ أقصى، فيما كنّا نستقبل أكثر من 250 الى 300 شخص في العرس الواحد!»
وعند سؤالها عن التبدّل في تفاصيل الأعراس تقول: «الأسعار جميعها تبدّلت خاصةً أسعار المشروبات الروحية، ناهيك بالإرتفاع في أسعار السلع الأساسية كاللّحوم والخضر وارتفاع أجور العمّال، لذلك نتفهّم التوجّه الحاصل نحو إقامة حفلات يقتصر الحضور فيها على المقرّبين خاصة، مع مراعاة التباعد الإجتماعي وفرض الدولة منع التجمعات في الأماكن المقفلة وحتّى المفتوحة، إلا أننا بحالة عقم واستمراريتنا مهددة بالفشل».
في سياق متصّل يتوقع مرجع ديني ل «الديار» أن تنخفض نسب الطلاق، لانّ من توجّه لتأسيس عائلة في ظلّ هذه الظروف الصعبة، لن تغرّه مظاهر بزخ وترف، فهو يسعى بطبيعة الحال لتأسيس عائلة ملتزمة يتوجّها الحبّ فقط!
لا بُدّ من الإشارة هنا الى أنّ مظاهر الأعراس القديمة تعود للواجــهة من جديد خاصّة في ما يخصّ الهدايا حيث يعتمد كلّ من أقدم على الزواج في الفترة الأخيرة على إلغاء «النقوط» في حســابات المصارف والاعتماد على زيارات التهنئة وإحضار الهدايا المختصّة بالمنزل، وهذه أيضاً تكلــفتها باهظة مع ارتفاع سعر صرف الدولار!
عسى أن تكثر النواحي الإيجابية في حياتنا المعتادة لتعيد الى الواجهة المحبّة و»الجار للجار» والالفة والتعاون بين عناصر المجتمع كافة!