Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 5, 2021
A A A
تمويل البطاقة التموينية يهدد ما تبقى من أموال المودعين في «المركزي» اللبناني
الكاتب: محمد شقير - الشرق الأوسط

كشف مصدر نيابي أن الضغط الذي يتعرض له حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يعود سببه إلى رفضه تمويل البطاقة التموينية التي ستخصص لمساعدة الأسر اللبنانية الأكثر فقراً لتجزئة رفع الدعم عن السلة الغذائية والمحروقات، شرط أن يصار إلى ترشيده، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس في معرض الدفاع عن سلامة وخرقه لقانون النقد والتسليف بمقدار ما أن تمويل هذه البطاقة سيتم مما تبقى من احتياطي المصرف بالعملة الصعبة والعائد إلى أموال المودعين في المصارف اللبنانية.
ولفت المصدر النيابي إلى خطورة ما كان أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في شأن توفير تمويل البطاقة التموينية التي يُفترض أن تستفيد منها حوالى 750 ألف أسرة لبنانية تصنّف في خانة العائلات الأكثر فقراً مما تبقى من احتياطي مصرف لبنان بالعملة الصعبة والتي تبلغ تكلفتها سنوياً حوالى مليار ونصف مليار دولار، وقال إن مجرد تبنّي موقفه يعني تلقائياً أن ما تبقى من أموال المودعين بالدولار أصبح في خبر كان.
ورأى أن اقتراح دياب هو محاولة للهروب إلى الأمام، وسأل: كيف يوفّق بين حرصه على حماية المودعين من جهة وبين إصراره على التفريط بودائعهم في خطوة غير مدروسة ومحفوفة بالمخاطر، وإن كان توخّى منها الكسب الشعبي، وقال إن اقتراحه سيصطدم بمعارضة معظم الوزراء الأعضاء في اللجنة المولجة بإعداد البطاقة التموينية والتي ستنسحب على الغالبية النيابية في حال تقرّر طرحه على الهيئة العامة في البرلمان لمناقشتها وإقرارها.
واعتبر المصدر نفسه أن دياب أقحم نفسه في مزايدة شعبوية، آخذاً بعين الاعتبار أن حكومته المستقيلة ستبقى تقوم بتصريف الأعمال ولن تذهب إلا مع «العهد القوي» فور انتهاء الولاية الرئاسية للرئيس ميشال عون انطلاقاً من تقديره بأن حكومة مهمة لن تولد في المدى المنظور، إلا إذا تمكن وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الذي يصل مساء اليوم إلى بيروت من تسجيل اختراق يعيد الاعتبار للمبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان ويفتح الباب مجدداً أمام تحريك مشاورات التأليف بضغط فرنسي.
وسأل كيف يجيز دياب لنفسه من خلال تجزئة رفع الدعم بدءاً بترشيده بأن تحصل الأسرة اللبنانية الأكثر فقراً على مساعدة مالية شهرية بالدولار، فيما تمتنع المصارف اللبنانية عن تأمين الدولار للمودعين الذين يشكون من اقتطاع ودائعهم بعدما تراجعت قدرتها الشرائية أكثر من 70 في المائة من قيمتها؟
كما سأل دياب: بأي حق تؤمن التكلفة المالية بالعملة الصعبة لتمويل البطاقة التموينية من الاحتياطي في مصرف لبنان وبما تبقى من «اللحم الحي» للمودعين في المصارف بدلاً من التوجه إلى صندوق النقد الدولي للتفاوض معه؟ خصوصاً أن القيمين عليه يلاحقون أصحاب الشأن في الحكومة المستقيلة لمعاودة المفاوضات التي كانت توقفت منذ فترة طويلة، خصوصاً أن القرض الذي حصل عليه لبنان من البنك الدولي لا يكفي لتأمين تمويل البطاقة التموينية، مع أن أعداد اللوائح الخاصة بالمستفيدين منها لن ينتهي على الأقل في المدى المنظور.
وأكد أن الحكومة المستقيلة لم تنجز حتى الساعة مشروع قانون موازنة العام الحالي لإحالته إلى البرلمان للتصديق عليه، مع أن المشروع كما أعد حالياً يحمل أرقاماً مالية منفوخة بخلاف الواقع المالي الحالي لخزينة الدولة، وقال إن الحل الأفضل لتأمين تمويل البطاقة التموينية يكون في الإسراع بتشكيل الحكومة العتيدة.
وأضاف المصدر أن تشكيل حكومة بأي ثمن لن يفي بالغرض المطلوب لأنه سيعيق استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وبالتالي لن تشكل الممر الإلزامي للحصول على مساعدات مالية واقتصادية تؤمن للبنان الانتقال من مرحلة التأزّم التي اقتربت من سقوط الدولة في حالة من الفوضى التي يمكن أن تدفع باتجاه «تشريع» الفلتان على كافة المستويات.
ورأى أن تشكيل حكومة مثل سابقاتها من الحكومات سيرتد سلباً على البلد لأن المجتمع الدولي لن يتردد في إعادة مثل هذه «الهدية الملغومة» إلى أصحابها، إصراراً منه على عدم توفير الغطاء الدولي لهذه الحكومة التي لن تحظى برعاية دولية وإقليمية.
كما أن اقتراح دياب هو قفزة في المجهول لأن تداعياته ستفتح الباب على مصراعيه أمام المضاربات المالية التي ستُفقد الليرة اللبنانية ما تبقى من قدرتها الشرائية في ظل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار الذي لن توقفه الاجتماعات التي يدعو لها الرئيس عون وما يصدر عنها من قرارات «رادعة» تبقى غير قابلة للصرف لأنها لن تعيد للعملة الوطنية الحد الأدنى من قدرتها الشرائية.
لذلك لا مفر من تشكيل حكومة بالمواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإلا فإن كرة النار ستكبر وستحرق ما تبقى من اخضرار بالمعنى السياسي للكلمة، وبالتالي يُفترض بـ«العهد القوي» أن يتواضع ويبادر إلى التقيُّد بخريطة الطريق الفرنسية التي تقود لبنان للتصالح مع المجتمع الدولي ومحيطه العربي وصولاً إلى التفاوض مع صندوق النقد متسلحاً ببرنامج إصلاحي واضح.
ويبقى السؤال: هل دياب أراد تكبير الحجر على طريق تهبيط الحيطان ملوّحاً بالاستعانة بالاحتياطي في مصرف لبنان للضغط من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة، خصوصاً أنه أعلم من غيره بأن استخدامه لقسم من الاحتياطي سيصطدم بالبرلمان حتى لو اجتاز الحاجز الأول المتمثل باللجنة الوزارية.
وعليه فإن دياب ربما لجأ إلى استخدام «السلاح الثقيل» بوضع اليد على بعض ما تبقى من مدّخرات المودعين في مصرف لبنان في محاولة لحشر المعنيين بتشكيل الحكومة لدفعهم إلى تبادل تقديم التنازلات لتأمين ولادتها لتستعيد من حكومته المستقيلة «كرة النار»، أم أنه بات على يقين بأن حكومته باقية وأنه لا حل إلا بالاستعانة بالاحتياطي لتمويل البطاقة التموينية مراهناً على أن البرلمان سيتراجع تحت ضغط الأسر اللبنانية الأشد فقراً، علماً بأن تعثر إيجاد البديل لتمويلها إلا بالاعتماد على «المركزي» سيلحق الضرر بسمعة لبنان المالية عالمياً وعربياً مع أن مصداقيته في هذا المجال قد اهتزّت لدى امتناعه عن تسديد سندات «اليوروبوند» المستحقة على الدولة اللبنانية.