Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 20, 2021
A A A
افتتاحية “النهار”: النزاع القضائي في الشارع وآلية أوروبية للعقوبات
الكاتب: النهار

إذا كان مجلس القضاء الأعلى آثر التريث الى اليوم للاستماع الى القاضية غادة عون قبل اتخاذ قراره النهائي في ظاهرة تمرد قضائي تؤكد الوقائع ان القضاء لم ير مثيلاً لها حتى إبان حقبات الحروب، فهذا التريث الذي لم يستستغه الحرصاء على مهابة القضاء ومؤسسته الام، لم يحجب ابداً الترددات البالغة الخطورة التي توالى ظهورها لليوم الرابع في سياق هذا التطور القضائي السلبي الذي قفز الى واجهة المشهد اللبناني. أولا بدت صورة “النزاع القضائي” لا التمرد الفردي للقاضية عون على قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات كأنها احتلت المشهد بما تسبب بمزيد من تشويه لصورة السلطة التي يفترض ان تعالج أمورها الداخلية وفق النظام والأحكام والقوانين، اكثر من أي سلطة ومؤسسة أخرى، باعتبار انها القيمة الحارسة على تطبيق القوانين واحكام العدالة. ثانيا انزلق “النزاع القضائي” الى الشارع بصورة شديدة السلبية مع تحزب فريقين متظاهرين احدهما عوني الهوى والتنظيم يهتف لغادة عون، والآخر مستقبلي الهوى والتنظيم يهتف لغسان عويدات، وتحولت مستديرة قصر العدل ساحة عزل وفصل وتحديات بين الفريقين اللذين مهما تفننا في نفي الطابع الانقسامي عنهما، فان ايحاءات تطييف مسألة قضائية وإنزالها الى الشارع لا يمكن القفز فوق إيحاءاتها خصوصا متى بدا واضحا ان النزاع القضائي صار ترجمة إضافية للنزاع العوني – المستقبلي حول تأليف الحكومة الجديدة. ثالثا بدا العهد الذي يتحمل أولا وأخيرا مع تياره السياسي برئاسة النائب جبران باسيل تبعة استقواء صاحبة التمرد بمرجعيته كأنه بدأ يتلقى ترددات وتداعيات هذا التطور بانزلاق الأمور الى “بيت” العهد ذاته. فلم يكن تطوراً نافلاً ان يطلق احد اقرب الرموز من رئيس الجمهورية، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي تلك الدعوة المدوية لتسلم الجيش كامل السلطة بما فيها “ارسال رئيس الجمهورية الى بيته” في معرض إطلاقه الإنذار الأقوى بازاء الانقلاب القضائي الامر الذي حدا بالمستشار الأكبر والأول للرئيس عون الوزير السابق سليم جريصاتي الى الرد المباشر على حليف الامس.

اذن الصورة التي تابعها اللبنانيون في تظاهرة قصر العدل، بدت صادمة، فلم يحدث أن حصل اشتباك وهرج ومرج بين مناصري قاضيين أمام العدسات، كما حصل امس تزامناً مع انعقاد المجلس الأعلى للقضاء للنظر في قضية القاضية غادة عون. وفي الشكل، بدَت الدولة كأنها تتحلل فعلا في مشهد قصر العدل على عتبة القضاء المحتضر الذي انتهكت السياسة حرمته، علماً أن أي مراقب لتركيبة القضاء والطريقة التي يعيّن بها القضاة كان عليه توقع مشهد مماثل عند مفترق النزاعات السياسية الماضية في كسر كل الحدود، اذ إن اخضاع القضاء أيضا للمحاصصة، لا يمكن أن ينتج إلا مشهداً منفرا كالذي حصل امس.

وعلى اثر اجتماعه في حضور جميع اعضائه للبحث في تمرّد القاضية عون على قرار مدعي عام التمييز، لم يحسم مجلسُ القضاء الاعلى خطوتَه المقبلة في حق عون. وآثر التريث وإعطاء عون فرصة اضافية، علّها تمتثل لقرار كفّ يدها، ودعاها الى جلسة العاشرة صباح اليوم للاستماع اليها. وفي ضوء ما ستقوله، سيصار الى تحديد توجّه المجلس نحو إما عزلها – وهو خيار مستبعد – او إحالتها الى التفتيش القضائي. ووفق المعلومات، أعرب القضاة سهيل عبود وبركان سعد وعويدات عن امتعاضهم لوزيرة العدل من أداء عون وأنهم مع إحالتها إلى التفتيش.

وفي جانب آخر من الترددات فجر نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي قنبلة سياسية مدوية لدى تكراره امس دعوة الجيش الى “تسلم السلطة في لبنان وتعليق الدستور” في مواجهة الانقلاب القضائي الحاصل. وقال “حاول البعض ان يحصر هذا بالامر برئيس الجمهورية ليعمر بعض التعاطف عليه، عندما تحصر برئيس الجمهورية انا الحصن الحصين للدفاع عنه. انا احكي عن كل مؤسسات الدولة. يتسلم الجيش السلطة ويزيل هذا الواقع الذي نعيشه، هذه الفوضى، الاسفاف والابتذال والشتائم. كل انواع الحياة الضارة التي نعيشها على صحة لبنان ودوره وسمعته ومستقبله ومستقبل الأجيال”. وجاء موقفه الجديد غداة إدلائه بحديث ذهب فيه الى التشديد على “ضرورة استلام قيادة الجيش للسلطة وتعليق الدستور، حل مجلس النواب ومجلس الوزراء و”تبعت رئيس الجمهورية على البيت.”

ورد الوزير السابق سليم جريصاتي على الفرزلي قائلا: “خفف من غلوك، ولا تقحم الجيش في ما ليس فيه، في حين أنّك تنزه النفس عن إقحام القضاء في السياسة والسياسة في القضاء… جيشنا ليس جيش النظام، بل جيش الشرعية الدستورية، ودستورنا لا يتم تعليقه عند كل مفترق أو مفصل قاس من حياتنا العامة، ورئيس الجمهورية يبقى طيلة ولايته رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ولا نغالي إن قلنا أنه يبقى الركن إن خانتنا أركان”.

 

آلية متدرجة للعقوبات
وسط هذه الأجواء افاد مراسل “النهار” في باريس سمير تويني ان الاتحاد الأوروبي بدأ بدفع فرنسي وضع الأسس لآلية عقوبات خاصة بلبنان كإنذار متقدم للضغط في اتجاه تشكيل حكومة جديدة. واعلنت الخارجية الفرنسية في بيان صدر عنها امس “انه استكمالا لاجتماع مجلس الشؤون الخارجية الذي عقد في 22 اذار الماضي، ذكر الوزير جان ايف لودريان نظراءه الاوروبيين بالضرورة الملحة لمساعدة لبنان على الخروج من المازق السياسي والاقتصادي، من خلال تسريع وتيرة الجهود الاوروبية الرامية الى الضغط على المسؤولين اللبنانيين عن التعطيل الراهن. وفي هذا السياق عرض مجلس الشؤون الاوروبية الوضع في لبنان خلال اجتماعه امس فوزع الممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للسياسة الخارجية والامنية جوزيب بوريل على الدول الاعضاء ورقة الخيارات التي اعدها جهاز العمل الخارجي داخل الاتحاد الاوروبي بناء لطلب فرنسي والماني. وخلاصة مضمون الخيارات المطروحة امام وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي تحدد شروط تشكيل حكومة تنخرط مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة باسرع وقت. اما في حال عدم تشكيل حكومة سيتم وضع العقوبات على مرحلتين اولا وضع نظام عقوبات خاص بلبنان وثانيا ادراج الاسماء المستهدفة والتي تعطل عملية التاليف على لائحة العقوبات.

وتأمل مصادر ديبلوماسية في ان “يؤدي وضع نظام العقوبات دوره وان يتراجع السياسيون عن التعطيل” اي استجابة الطبقة السياسية للمطالب الدولية وتشكيل حكومة فاعلة قبل ادراج الاسماء لان هذه المرحلة ستؤدي الى نقاش داخل المجموعة الاوروبية مضمونه “في حال وضع عقوبات على شخصيات تعطل تشكيل الحكومة ستطالب دول اوروبية وضعت “حزب الله” بشقيه العسكري والمدني على لائحة الارهاب بتنفيذ عقوبات عليه.” واي قرار اوروبي يحتاج الى اجماع الدول داخل الاتحاد الاوروبي واي خلاف سيعطل المبادرة الفرنسية التي رمت كرة نار العقوبات في بروكسيل.”

وتشير المصادر الى “ان بعض الدول الاوروبية تقول عمليا ان الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة لم تعد بعيدة، فاذا تعذر تشكيل حكومة يمكن اعادة احياء الحكومة المستقيلة وتفعيل عملها بانتظار الانتخابات البرلمانية المقبلة لان البلد لم يعد بامكانه الاستمرار بدون حكومة وهو مهدد بالزوال”.
يشار في هذا السياق إلى ان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب توج زيارته لقطر مساء امس بلقاء امير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة ال ثاني.