Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر March 5, 2021
A A A
بالفيديو والصور: قداسة البابا فرنسيس بزيارة تاريخية الى العراق
108632Image1 107228-استقبال-الرئيس-العراقى-للبابا-فرنسيس News-P-579371-637505447710493216 56386-وصول-البابا-فرنسيس-(3) 57530-استقبال-الرئيس-العراقى-برهم-صالح-للبابا-فرنسيس 105102-جانب-من-استقبال-البابا-فرنسيس-بقصر-بغداد البابا PF_d_05032021-03 PF_d_05032021-04 PF_d_05032021-06 PF_d_05032021-07 PFdfsdf 333 555 666 2222 4444
<
>

حطت طائرة البابا فرنسيس، اليوم في مطار بغداد، في بداية زيارة تاريخية هي الأولى لحبر أعظم للعراق، حاملا رسالة تضامن إلى إحدى أكثر المجموعات المسيحية تجذرا في التاريخ في المنطقة والتي عانت لعقود ظلما واضطهادات، وساعيا الى تعزيز تواصله مع المسلمين، بحسب “وكالة الصحافة الفرنسية”.
وهبطت الطائرة التي تقل البابا عند الـ 10,55 بتوقيت غرينتش في مطار بغداد حيث كان في استقباله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

وقال البابا لصحافيين على متن الطائرة: “أنا سعيد باستئناف السفر” بعد 15 شهرا لم يغادر خلالها الفاتيكان بسبب جائحة كوفيد-19، ” وهذه الرحلة جزء من واجب على أرض معذبة منذ أعوام”.

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أول المستقبلين عند نزول البابا من الطائرة حيث أقيمت على أرض المطار مراسم رسمية تخللها أداء مجموعة تراتيل دينية وأغان عراقية ورقصات، تعبيرا عن الترحيب بالحبر الأعظم.
وكان البابا والكاظمي يضعان كمامة.

وقال قداسة البابا (84 عاما) لصحافيين على متن الطائرة التي أقلته من روما: “سأحاول اتباع التعليمات وعدم مصافحة الجميع، لكنني لا أريد البقاء بعيدا”.

وتستمر الزيارة 3 أيام يزور خلالها الزعيم الروحي لـ1,3 مليار مسيحي مناطق في شمال البلاد وجنوبها، بينها مدينة النجف الأشرف حيث سيلتقي المرجع الشيعي السيد علي السيستاني.

ثم توجّه الى قصر بغداد الرئاسي حيث استقبله الرئيس العراقي برهم صالح الذي قال: العراقيون يفخرون بتاريخ طويل من التعايش الديني بين مختلف طوائف الشعب، فمجتمعنا كان دائما يقوم على التعايش والتنوع وقبول الآخر”.

ولفت صالح في كلمته الى أن “العراق عاش في العقدين الأخيرين أكبر حرب ضد ​الإرهاب​ استهدفت كل طوائف المجتمع، وعلى العراق أن يتمتع بكامل سيادته ويلعب دوره الإقليمي”.

بدوره ألقى قداسة البابا فرنسيس خطاباً في القصر الرئاسي في بغداد، خلال لقائه الرئيس العراقي برهم صالح، في حضور أعضاء الحُكُومَةِ العراقية والسِلْكِ الديبلُوماسي،ومُمَثِلين للمُجْتَمَعِ المَدَنِي.

وقال في كلمته: “السَيِّدُ فَخَامَةَ الرَئِيس، أعضاءَ الحُكُومَةِ والسِلْكِ الدُبلُوماسي، السُّلُطاتُ المُوَقَرَة، مُمَثِلي المُجْتَمَعِ المَدَنِي، سَيِداتي وَسَادَتِي! إنِّي مُمْتَنٌّ لإتاحَةِ الفُرْصَةِ لي لأنْ أَقُومَ بِهذهِ الزِيارَةِ الرَسُولِيَّة، التي طالَ انتِظارُها والشَوْقُ إليها إلى جُمْهُورِيَّةِ العِراق. أنا مُمْتَنٌّ لأنِّي اسْتَطَعْتُ أنْ آتِيَ إلى هذهِ الأرْض، مَهْدِ الحَضَارَة، والمُرْتَبِطَةِ ارتِباطًا وَثيقًا، مِن خِلالِ أبِينا ابراهيم والعَدِيدِ مِن الأنْبِياء، بِتاريخِ الخَلاصِ والتَقَاليدِ الدِينِيَّةِ الكُبرى، اليَهودِيَّةِ والمَسِيحِيَّةِ والإسْلام. أَشْكُرُ السَيِّدَ الرَئِيس الدُكتور بَرْهَم صَالِح على دَعْوَتِه لي، وَعَلَى كَلِماتِ التَرحِيبِ الطَيِبَة التي وجَّهَها إليّ، باسْمِهِ وباسمِ السُلُطات، وَشَعْبِهِ الحَبِيب. أُحَيِّي أيضًا أَعضاءَ السِلْكِ الدُبلُوماسي، ومُمَثِّلِي المُجْتَمَعِ المَدَنِي.

أُوَجِّهُ تَحِيَّةً حارَّة إلى الأساقِفَةِ والكَهَنَةِ والرُهبانِ والراهِبات، وَجَميعِ المُؤْمنين في الكَنيسَةِ الكاثُوليكيّة. جِئْتُ حاجًّا لأُشَجِّعَهُم في شَهادَتِهِم للإيِمانِ والرَجاءِ والمَحَبَّة، في وَسَطِ المُجْتَمَعِ العِراقي. أُحَيِّي أَعضاءَ الكَنائِسِ الأُخْرَى والجَماعاتِ الكَنَسِيَّةِ المَسِيحِيَّة، والمُؤْمِنينَ المُسلِمِين وَمُمَثِلِي سائِرِ التَقاليدِ الدينيَّة. لِيَمْنَحْنا اللهُ أنْ نَسيرَ مَعًا، إخْوَةً وأَخَوات، في “القَناعَةِ الراسِخَةِ بأنَّ التَعاليمَ الصَّحيحَة لِلأدْيانِ تَدعُو إلى التَمَسُّكِ بِقِيَمِ السَّلام […] والتَعارُّفِ المُتَبادَل والأُخُوَّةِ الإنسانيَّة والعَيْشِ المُشْتَرَك.

تَأْتي زِيارَتي في زَمَنٍ يُحَاوِلُ فيهِ العالَمُ بأسْرِهِ أنْ يَخْرُجَ مِن أَزْمَةِ جائِحَةِ فيروس الكورونا، والتي لمْ تُؤَثِّرْ فَقَط في صِحَةِ العَديدِ مِنَ الناس، بَلْ تَسَبَّبَتْ أيضًا في تَدَهْوُرِ الظُروفِ الاجْتِماعِيَّةِ والاقْتِصادِيَّةِ التي كانَتْ تُعاني أصْلًا مِنَ الهَشاشَةِ وَعَدَمِ الاسْتِقرار. تَتَطَلَّبُ هذهِ الأزْمَةُ جُهُودًا مُشْتَرَكَةً مِن كُلِّ واحِد، لاتِخاذِ العَديدِ مِنَ الخَطَواتِ الضَّرُورِيَّة، بِما في ذَلِكَ تَوْزيعٌ عادِلٌ لِلُّقاحٍ يَشْمَلُ الجَميع. وهذا لا يَكْفي: هذهِ الأزْمَة، هيَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ دَعْوَةٌ إلى “إعادَةِ التَفْكيرِ في أَنْماطِ حَياتِنا […]، وَفي مَعْنَى وُجودِنا”. وهذا يَعْنِي أنْ نَخْرُجَ مِن زَمَنِ المِحْنَةِ هذا أَفْضَلَ مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ مِن قَبْلُ، وَأنْ نَبْنِيَ المُسْتَقْبَلَ علَى ما يُوَحِّدُنا وَلَيْسَ علَى ما يُفرِّقُ بَيْنَنا.

على مَدَى العُقُودِ الماضِيَّة، عانَى العِراقُ مِن كَوارِثِ الحُروبِ وآفَةِ الإرْهابِ وَمِن صِراعاتٍ طائِفِيَّةٍ تَقُومُ غالِباً على أُصُولِيَّةٍ لا تَسْتَطِيعُ أنْ تَقْبَلَ العَيْشَ مَعًا في سَلام، بَيْنَ مُخْتَلَفِ الجَماعاتِ العِرْقِيَّةِ والدينيَّة، بِمُخْتَلَفِ الأَفكارِ والثَقافات. كلُّ هذا جَلَبَ المَوْتَ والدَمار، وَأَنْقاضًا ما زالَتْ ظاهِرة لِلْعَيان، وَلَيْسَ فَقَط على المُسْتَوَى المادِي: فالأَضْرارُ أَعْمَقُ بِكَثيرٍ في القُلُوبِ، إذا فَكَّرْنا في الجُرُوحِ التي مَسَّتْ قُلُوبَ الكَثيرِ مِن الناسِ والجَماعات، والتي سَتَسْتَغْرِقُ سَنَواتٍ لِلْشِفاء. وَهُنا، مِن بَيْنِ الكَثيرينَ الذينَ عانَوْا وتأَلَّمُوا، لا يَسَعُني إِلّا أنْ أَذْكُرَ اليَزِيدِيّين، الضَّحايا الأَبْرياء لِلْهَمَجِيَّةِ المُتَهَوِّرَة وعَديمَةِ الإنسانيَّة. فَقَدْ تَعَرَّضُوا للاضْطِهادِ والقَتْلِ بِسَبَبِ انْتِمائِهِم الديني، وَتَعَرَّضَتْ هُوِّيَتُهُم وَبَقاؤُهُم نَفْسُهُ لِلْخَطَر. لذَلِك، إذا اسْتَطَعْنا نَحْنُ الآنَ أنْ نَنْظُرَ بَعْضُنا إلى بَعْض، مَعَ اختِلافاتِنا، وَكَأَعْضاءٍ في العائِلَةِ البَشَرِيَّةِ الواحِدَة، يُمْكِنُنَا أنْ نَبْدأَ عَمَلِيَّةَ إعادَةِ بِناءٍ فَعَّالَة، وَيُمْكِنُنَا تَسليمُ عالَمٍ أفضَلَ لِلأَجْيالِ القَادِمَة، أَكْثَرَ عَدْلاً وأَكْثَرَ إنسانِيَّة. في هذا الصَّدَد، فإنَّ الاخْتِلافَ الدينيَّ والثَقافيَّ والعِرقيّ، الذي مَيَّزَ المُجْتَمَعَ العِراقي، مُدَةَ آلافِ السِنين، هُوَ عَوْنٌ ثَمينٌ للاستِفادَةِ مِنْهُ، وَلَيْسَ عائِقًا لِلْتَخَلُّصِ مِنْهُ. والعِراقُ اليَوْمَ مَدْعُوٌّ إلى أنْ يُبَيِّنَ لِلْجَميع، بخاصَةً في الشَّرْقِ الأَوْسَط، أنَّ الاخْتِلافات، بَدَلًا مِن أنْ تُثيرَ الصِّراعات، يَجِبُ أنْ تَتَعاوَنَ في وِئامٍ في الحَياةِ المَدَنِيَّة.

وتوجه البابا إلى السلطات المدنية في العراق قائلا: يَحْتاجُ العَيْشُ الأَخَويُّ مَعًا إلى حِوارٍ صَابِرٍ وَصَادِق، يَحْميهِ العَدْلُ واحتِرامُ القانون. إنَّها ليْسَت مُهِمَّةً سَهْلَة: إنَّها تَتَطَلَّبُ جُهْدًا والتِزامًا مِنَ الجَميع، لِلْتَغَلُبِ علَى رُوحِ العَداءِ والمُجابَهات، وَتَتَطَلَّبُ أنْ نُكَلِّمَ بَعْضُنا بَعْضًا انطِلاقًا مِن أَعْمَقِ هُوِّيَّةٍ تَجْمَعُنا، وَهي هُوِّيَّةُ أبناءِ اللهِ الواحِدِ والخالِق. علَى أَساسِ هذا المَبْدأ، فإنَّ الكُرْسِي الرَّسُولي، في العِراقِ وفي كُلِّ مَكان، لا يَتْعَبُ أبَدًا مِن مُناشَدَةِ السُّلُطاتِ المُخْتَصَة لِمَنْحِ الاعْتِرافِ والاحْتِرامِ والحُقُوقِ والحِمايَةِ كُلّ الجَماعاتِ الدينيّة. إنَّني أُقَدِّرُ الجُهُودَ التي بُذِلَتْ بالفِعْلِ في هذا الاتِجاه، وأَضُمُّ صَوْتي إلى صَوْتِ الرِجالِ والنِساءِ ذَوي النَوايا الحَسَنَة، حتَى يَسْتَمِرُّوا في مَسْعَاهُم لِخَيْرِ البَلَدِ وَمَنْفَعَتِه.

وأضاف: إنَّ المُجْتَمَعَ الذي يَحْمِلُ سِمَةَ الوَحْدَةِ الأَخَوِيَّة، هُوَ مُجْتَمَعٌ يَعيشُ أَفْرادُهُ مُتَضامِنِينَ فيما بَيْنَهُم. “يُساعِدُنا التَضامُنُ علَى رُؤْيَةِ الآخَر […] بِمَثابَةِ قَريبٍ لنا، وَرَفيقٍ لِلْدَرْب”. التَضامُنُ فَضيلَةٌ تَحْمِلُنا علَى القِيامِ بأَعْمالٍ مَلْمُوسَةٍ لِلْرِعايَةِ والخِدْمَة، مَعَ إيلاءِ اعْتِبارٍ خاصّ لأَكْثَرِ الناسِ ضُعْفاً وَحاجَة. أُفَكِرُ في الذينَ فَقَدُوا، نَتيجَةَ العُنْفِ والاضْطِهادِ والإرْهاب، عائِلاتِهِم وَأَحِباءَهُم وَبُيُوتَهُم وَمُمْتَلَكاتِهِم الأَساسِيَّة. وأُفَكِرُ في جَميعِ الذينَ يُكافِحونَ كُلَّ يَوْمٍ بَحْثًا عَنِ الأَمْنِ وَعَنِ الوَسائِلِ التي تُمَكِّنُهُم مِن المُضِيِّ قُدُمًا، بَيْنَما تَزْدادُ البَطالَةُ والفَقْر. إنَّ “مَعْرِفَتَنا بِمَسْؤُولِيَتِنا تُجاهَ ضَعْفِ الآخَرينَ”. يَنْبَغي أنْ تُلْهِمَ كُلَّ جُهْدٍ لِخَلْقِ إمكاناتٍ عَمَلِيَّة على الصَّعيدَين الاقتِصادي والتَرْبَوي، وَكَذَلِكَ لِلْعِنايَةِ بالخَلِيقَة، بَيْتِنا المُشْتَرَك. بَعَدَ الأَزْمَة، لا يَكْفِي إِعادَةُ البِناء، بَلْ يَجِبُ أنْ يَتِمَّ بِشَكْلٍ جَيِد: حَتَى يَتَسَنَى لِلْجَميعِ التَمَتُّعُ بِحياةٍ كَريمَة. لا نَخْرُجُ مِنَ الأَزْمَةِ كَما كُنَّا مِن قَبْل: إمَّا نَخْرُجُ في حالَةٍ أَفْضَل أوْ أَسْوأ.

بِصِفَتِكُم مَسْؤُولينَ سِياسيِّينَ وَديبْلُوماسيِّين، أنْتُم مَدْعُوُّونَ إلى تَعْزيزِ رُوحِ التَضامُنِ الأَخَويِّ هذا. مِنَ الضَّرُوري التَصَدِّي لآفةِ الفَساد، وَسُوءِ اسْتِعْمالِ السُّلْطَة، وَكُلِّ ما هُوَ غَيْرُ شَرْعي. وَلَكِنْ هذا لا يَكْفي. يَنْبَغي في الوَقْتِ نَفْسِهِ تَحْقِيقُ العَدالَة، وَتَنْمِيَةُ النَزاهَةِ والشَفافِيَّة، وَتَقْوِيَةُ المُؤَسَّساتِ المَسْؤُولَةِ عَن ذَلِك. بِهَذِهِ الطَريقَة، يُمْكِنُ أنْ يَزْدادَ الاسْتِقْرار، وأنْ تَتَطَوَّرَ سِياسَةٌ سَليمَةٌ قادِرَةٌ علَى أنْ تُقَدِّمَ لِلْجَميع، وَبِخاصّةٍ لِلْشَباب – وَهُم كُثْرٌ في هذا البَلَد -، الأمَلَ في مُسْتَقْبَلٍ أفضَل”.

وتابع البابا: “السيِّدُ الرَئيس، والسُّلُطاتُ المُوَقّرَة، والأَصْدِقاءُ الأَعِزاء! لَقَدْ أَتَيْتُ بِصَفَةِ تائِبٍ يَطْلُبُ المَغْفِرَةَ مِنَ السَماءِ وَمِنَ الإخْوَة، لِلْدَمارِ الكثيرِ وَقَسْوَةِ البَشَر. أَتَيْتُ حاجًّا يَحْمِلُ السَّلام، باسْمِ السَيِّدِ المَسيحِ أميرِ السَّلام. كَمْ صَلَّيْنا في هذهِ السِنين مِن أجلِ السَّلامِ في العِراق! لَمْ يُوَفِّرْ البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني المُبادَرات، ولا سِيَّما الصَّلَوات والآلام مِن أجلِ السَّلام. واللهُ يُصْغِي، إنَّهُ يُصْغِي دائِمًا! عَلَيْنا نَحنُ أنْ نُصْغِيَ إليْه، وأنْ نَسيرَ في طُرُقِه. لِتَصْمُتْ الأَسْلِحَة! وَلْنَضَعْ حدًا لانْتِشارِها هُنا وَفي كُلِّ مكان! وَلْتَتَوَقَّفْ المَصالِحُ الخاصَّة، المَصَالِحُ الخارِجيَّة التي لا تَهْتَمُ بالسُكانِ المَحَلّيين. ولْنَسْتَمِعْ لِمَنْ يَبْني ويَصْنَعُ السَّلام! لِلْصِغارِ والفُقَراء، وَلِلْبُسَطاءِ الذينَ يُريدونَ أنْ يَعيشوا وَيَعْمَلُوا وَيُصَلُّوا في سلام. كَفَى عُنْفٌ وَتَطَرُّفٌ وَتَحَزُّبَاتٌ وَعَدَمُ تَسَامُح! لنُعْطِ المَجالَ لكُلِّ المُواطِنينَ الذينَ يُريدونَ أنْ يَبْنُوا مَعًا هذا البَلَد، في الحِوار، وفي مُواجَهَةٍ صَريحَةٍ وَصَادِقَةٍ وَبَنَّاءَة. لِنُعْطِ المَجالَ لِمَنْ يَلْتَزِمُ السَّعْيَ مِن أجلِ المُصَالَحَة، والخَيْرِ العام، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ أنْ يَضَعَ مَصَالِحَهُ جانِبًا. حاوَلَ العِراق، في هَذِهِ السَنوات، إرْساءَ الأسُسِ لِمُجْتَمَعٍ ديمُقْراطي. مِن أجلِ هذا، مِنَ الضَّرُوري أنْ نَضْمَنَ مُشارَكَةَ جَميعِ الفِئاتِ السِياسيَّةِ والاجتِماعيَّةِ والدينيَّة، وأنْ نُؤَمِّنَ الحُقوقَ الأساسِيَّةَ لِجَميعِ المُواطنين. يَجِبُ ألّا يُعْتَبَرَ أحَدٌ مُواطِنًا مِنَ الدَرَجَةِ الثانِيَّة. أُشَجِّعُ الخُطُواتِ التي تَمَّ اتِخاذُها حتَى الآن في هذا الاتِجاه، وَأَرْجُو أنْ تَتَعَزَّزَ الطُمأْنينَةُ والوِئام.

علَى المُجْتَمَعِ الدَوْلي أيْضًا أنْ يَقومَ بِدَوْرٍ حاسِمٍ في تَعزيزِ السَّلامِ في هذهِ الأرضِ وَفي كُلِّ الشَّرْقِ الأوْسَط. رأَيْنا ذَلِكَ في الصِّراعِ الطَويلِ في سوريا المُجاوِرَة – وَقَدْ مَرَّتْ الآنَ عَشْرُ سَنَواتٍ علَى بِدايَتِه! – إنَّ التَحَدِيّاتِ المُتَزايِدة تَدْعُو الأُسْرَةَ البَشَرِيَّةَ بأَكْمَلِها دَعْوَةً مُلِحَّة. إنَّها تَقْتَضِي تَعاوُنًا علَى نِطاقٍ عالَمِيّ حتَى تُواجِهَ أيْضًا عَدَمَ المُساواةِ في مَجالِ الاقتِصاد، والتَوَتُراتِ الإقليميَّة التي تُهَدِّدُ اسْتِقرارَ هَذِهِ البُلْدان. أَشْكُرُ الدُوَلَ والمُنَظَماتِ الدَوْلِيَّة التي تَعْمَلُ الآنَ في العِراق لإعادَةِ الإعْمار وَتَقْديمِ المُساعَدَةِ لِلاجِئينَ والنازحين، وَلِلَذينَ يَصْعُبُ عَلَيْهِم العَوْدَةُ إلى بيوتِهِم، وَلأَنَّها تُوَفِّرُ الغِذاءَ والماءَ والمأوَى والخَدَماتِ الصِحِيَّة في البَلَد، وَكَذَلِكَ البَرامِجَ الهادِفَة إلى المُصَالَحَةِ وَبِناءِ السَّلام. وَهُنا لا يَسَعُني إلّا أنْ أَذْكُرَ الوِكالاتِ العَديدَة، وَمِن بَيْنِها العَديدَ مِنَ الوِكالاتِ الكاثُوليكِيَّة، التي ظَلَّتْ مُنْذُ سَنَواتٍ تُساعِدُ السُكانَ المَدَنيّين بالتِزامٍ كَبير. إنَّ تَلْبِيَةَ الاحتِياجاتِ الأَساسيَّة لِلْعَديدِ مِنَ الإخْوَةِ والأَخَواتِ هُوَ عَمَلُ مَحَبَّةٍ وَعَدْلٍ، ويُسْهِمُ في سَلامٍ دائِم. أَتَمَنَّى أَلّا تَسْحَبَ الدُوَلُ يَدَ الصَّداقَةِ والالْتِزامِ البَنَّاءِ المَمْدُودَةَ إلى الشَعْبِ العِراقي، بَلْ تُواصِلُ العَمَلَ بِرُوحِ المَسْؤُوليَّةِ المُشْتَرَكَة مَعَ السُّلُطاتِ المَحَلِيَّة، دُونَ أنْ تَفْرِضَ مَصَالِحَ سِياسيَّة أو أَيدْيُولُوجيَّة.

الدينُ بِطَبيعَتِهِ، يَجِبُ أنْ يكونَ في خِدْمَةِ السَّلامِ والأُخُوَّة. لا يَجُوزُ استِخْدامُ اسمِ اللهِ “لتَبْريرِ أَعْمالِ القَتْلِ والتَشْريدِ والإرْهابِ والبَطْش”. على العَكْسِ مِن ذَلِك، إنَّ اللهَ الذي خَلَقَ البَشَرَ مُتَساوينَ في الكَرامَةِ والحُقوق، يَدْعُونا إلى أنْ نَنْشُرَ المَحَبَّةَ والإحْسانَ والوِئام. وَفي العِراقِ أيضًا، تُريدُ الكَنيسَةُ الكاثوليكيَّة أنْ تَكونَ صَديقَةً لِلْجَميع، وأنْ تَتَعاوَنَ مِن خِلالِ الحِوار، بِشَكْلٍ بَنّاءٍ مَعَ الأدْيانِ الأُخْرَى، مِن أجلِ قَضِيَّةِ السَّلام. إنَّ وُجودَ المَسيحيّينَ العَريق في هذهِ الأرْضِ وإسْهامَهُم في حَياةِ البَلَدِ يُشَكِّلُ إرْثًا غَنِيًّا، ويُريدُ أنْ يكونَ قادِرًا على الاسْتِمْرارِ في خِدْمَةِ الجَميع. إنَّ مُشارَكَتَهُم في الحياةِ العامّة، كمُواطِنين يَتَمَتَعُونَ بِصُورَةٍ كامِلة بالحُقُوقِ والحُرِياتِ والمَسْؤُوليات، سَتَشْهَدُ علَى أنَّ التَعَدُدِيَّةَ الدينيَّةَ والعِرْقِيَّةَ والثَقافيَّةَ السَليمَة، يُمْكِنُ أنْ تُسْهِمَ في ازدِهارِ البَلَدِ وانْسِجامِه”.

وفي ختام خطابه إلى السلطات المدنية في العراق، قال البابا: “أيُّها الأصْدِقاءُ الأَعِزّاء، أَوَدُّ أنْ أُعَبِّرَ مَرَةً أُخرَى عَن شُكْرِي الصَّادِق لِكُلِّ ما صَنَعْتُمُوهُ وما زِلْتُم تَصْنَعُونَهُ مِن أجلِ بِناءِ مُجْتَمَعٍ مُؤَسَّسٍ علَى الوَحْدَةِ الأَخَوِيَةِ والتَضامُنِ والوِئام. خِدْمَتُكُم لِلْخَيْرِ العامّ عَمَلٌ نَبيل. أَسْأَلُ اللهَ القَدير أنْ يُؤَيِّدَكُم في مَسْؤُولياتِكُم، وأنْ يُرْشِدَكُم جَميعاً على طَريقِ الحِكْمَةِ والعَدْلِ والحَقيقَة. لِكُلِّ واحِدٍ مِنْكُم، وَلِعائِلاتِكُم وَأَحِبائِكُم وَلِلْشَعْبِ العِراقيّ بِأَسْرِه، أَسْأَلُ اللهَ وافِرَ البَرَكاتِ الإلَهِيَّة. شُكْرًا!”.

وثم توجه قداسة البابا الى كنيسة سيدة النجاة في بغداد حيث التقى الأساقفة والكهنة وعدد من المواطنين العراقيين، وقال:

أصحابَ الغِبطَة،

أصحابَ السِيادَة الأساقِفَة،

الكَهَنَةُ والرُهبانُ والراهِباتُ الأعِزاء،

الإخوَةُ والأخَواتُ الأعِزاء،

أُعانِقُكُم جَميعًا بِمَوَدَّةٍ أبَوِيَّة. أشْكُرُ اللهَ الذي سَمَحَ لنا بِعِنايَتِهِ الإلَهِيَّة أنْ نَلْتَقِيَ اليوم. وأَشْكُرُ غِبْطَةَ البَطْرِيَرْك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وَغِبْطَةَ البَطْرِيَرْك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو على كَلِماتِهِم التَرحِيبيَّة. نَجْتَمِعُ اليومَ في كاتدرائِيَّةِ سَيِّدَةِ النَجاة هذِه، وَنَتَبَارَكُ فيها بِدِماءِ إخوَتِنا وأَخَواتِنا الذينَ دَفَعُوا هُنا ثَمَنَ أَمانَتِهِم للرَّبِّ وَلِكَنِيسَتِه، ثَمَنًا غاليًا. أَرْجُو أنْ تُلْهِمَنا ذِكْرَى تَضْحِيَتِهِم بأنْ نُجَدِّدَ ثِقَتَنا بِقُوَّةِ الصَّليبِ وَرِسالَتِهِ الخَلاصِيَّة للمَغْفِرَةِ والمُصالحَةِ والولِادَةِ الجَديدة. فَفي الواقِع، المَسيحيُّ مَدْعُوٌ لِلْشَهادَةِ لِمَحَبَّةِ المَسيح في كلِّ مكانٍ وَزَمان. هذا هو الإنجِيلُ الذي يَجِبُ إعْلانُهُ وَتَجْسيدُهُ في هذا البَلَدِ الحَبيبِ أيضًا.

وأنتُم، بِصِفَتِكُم أساقِفَةً وَكَهَنَةً، وَرُهبانًا وَراهِباتٍ، وَمُعَلِّمي التَعليمِ المَسِيحيّ، وَمَسْؤُولين عِلمانيِّين، إنَّكُم جَميعًا تُشارِكونَ في أفراحِ المُؤْمِنينَ وآلامِهِم وآمالِهِم وهُمُومِهِم. لَقَدْ ازْدادَت احتِياجاتُ شَعْبِ اللهِ والتَحَدِّياتُ الرَعَوِيَّة الشاقَّة التي تُواجِهُونَها يَوْمِيًا في زَمَنِ الجائِحَةِ هذا. وَمَعَ ذَلِك، فإنَّ الغَيْرَةَ الرَسُولِيَّة يَجِبُ ألَّا تَتَوَقَّفَ ولا تَنْقُصَ أبَدًا، والتي تَسْتَمِدُونَها مِن جُذورٍ قَدِيمَةٍ جِدًا، مِنَ الحُضُورِ المُسْتَمِرِ لِلْكَنيسَةِ في هذهِ الأراضي مُنْذُ الأزمِنَةِ الأوْلَى (را. بندكتس السادس عشر، الإرشادُ الرَّسوليُّ ما بعدَ السّينودُس، الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط، 5). نَحْنُ نَعْلَمُ كَمْ هو سَهْلٌ أنْ نُصابَ بِفيرُوسِ الإحْباطِ الذي يَبْدُو أحْيانًا أنَّهُ يَنْتَشِرُ مِن حَوْلِنا. مَعَ ذَلِك، لَقَدْ مَنَحَنا اللهُ لُقاحًا فَعَّالًا ضِدَّ هذا الفِيروس الخَبيث: وَهو الرَجاءُ الذي يَنْبُعُ مِنَ المُثابَرَةِ علَى الصَّلاةِ والأمانَةِ اليَوْمِيَّة لِرِسالَتِنا. بِهذا اللُقاح، يُمْكِنُنا المُضِيُّ قُدُمًا بِقُوَّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ دائِمًا، لِكَي نُشارِكَ فَرَحَ الإنجِيل، كَتلامِيذَ مُرْسَلِينَ وَعلاماتٍ حَيَّةٍ لِحُضورِ مَلَكُوتِ الله، مَلَكُوتِ قَداسَةٍ وَعَدْلٍ وَسَلام.

وَكَمْ يَحْتاجُ العَالَمُ مِن حَوْلِنا إلى سَماعِ هذهِ الرِسالَة! ولا تَنْسَوْا أبَدًا أنَّ البِشارةَ بالمَسِيحِ تَتِمُّ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ مِن خِلالِ شَهادَةِ حَياةٍ غيَّرَها فَرَحُ الإنجيل. كما نَرَى مِن تاريخِ الكَنيسَةِ القَديمِ في هذهِ الأراضي، الإيمانُ الحَيُّ بالرَّبِّ يسوع “يُعْدِي”، وَيَسْتَطيعُ أنْ يُغَيِّرَ العالَم. وُيُبَيِّنُ لَنا مِثالُ القِدِّيسين أنَّ اتّباعَ يسوعَ المسيح “ليسَ فقط أمْرًا حَقًّا وَعَدْلًا، بَلْ هو أيضًا شيءٌ جَميل، وَقادِرٌ أنْ يَمْلأَ الحَياةَ بِبَهاءٍ جَديدٍ وَفَرَحٍ عَميق، حتَى في وَسَطِ الشَدائِد” (را. الإرشاد الرسولي فرح الإنجيلEvangelii gaudium ، 167).

إنَّ الصِّعابَ جُزْءٌ مِن حَياتِكُم اليَوْمِيَّة، أنتُمُ المُؤْمِنينَ العِراقيِّين. فَقَدْ كانَ عَلَيْكُم وَعَلَى مُواطِنِيكُم، في العُقُودِ الأخِيرَة، أنْ تُواجِهُوا عَواقِبَ الحَرْبِ والاضْطِهاد، وَهَشاشَةَ البِنَى التَحْتِيَّةِ الأساسِيَّة، وأنْ تُناضِلُوا باسْتِمرار، مِن أجلِ الأمْنِ الاقتِصاديِّ والشَخْصيّ، والذي غالِبًا ما أدَّى إلى نُزُوحٍ داخِلِيّ وِهِجْرَةِ الكَثيرين، بِما في ذَلِكَ بَيْنَ المَسِيحِيِّين، إلى بُلْدانٍ أُخرَى في العالَم. إنِّي أَشْكُرُكُم، أيُّها الإخوَةُ الأساقِفَةُ والكَهَنَة، علَى بَقائِكُم قَريبينَ مِن شَعْبِكُم، وَعَلَى دَعْمِكُم لَهُ، وَسَعْيِكُم لِتَلْبِيَةِ احتِياجاتِ الشَعْبِ وَمُساعَدَةِ كُلِّ واحِدٍ على القِيامِ بِدَوْرِهِ في خِدْمَةِ الخَيْرِ العام. إنَّ الرِسالَةَ التَرْبَوِيَّة وَرِسالَةَ المَحَبَّة في كَنائِسِكُم الخاصَّة تُمَثِّلُ مَوْرِدًا ثَمينًا لِحياةِ الجَماعَةِ الكَنَسِيَّة والمُجْتَمَعِ بأسْرِه. إنِّي أُشَجِّعُكُم علَى المُثابَرَةِ في هذا الاجتِهاد، مِن أجلِ أنْ تَتَمَكَّنَ الجَماعَةُ الكاثُولِيكِيَّة في العِراق، وإنْ كانَتْ صَغيرةً مِثْلَ حَبَّةِ الخَرْدَل (را. متى 13، 31- 32)، مِنَ الاستِمرارِ في إثراءِ مَسيرَةِ البَلَدِ بِأَكْمَلِه.

إنَّ مَحَبَّةَ المَسيحِ تَطْلُبُ مِنّا أنْ نَضَعَ جانِبًا كُلَّ نَوْعٍ مِنَ الأنانيَّةِ وَكُلَّ مُنافَسَة، وَتَحُثُّنا علَى أنْ نَكونَ في شَرِكَةٍ شامِلَةٍ مَعَ الجَميع، وَتَدْعُونا إلى أنْ نُكَوِّنَ جَماعَةً الكُلُّ فيها إِخوَةٌ وأخَواتٌ يُرَحِبُونَ بَعْضُهُم بِبَعْضٍ وَيَهْتَمُّونَ بَعْضُهُم لِبَعْض (را. الرسالة العامّة Fratelli tutti، 95 – 96). أُفَكِّرُ في صُورَةِ البِساطِ المَألوفَة: مُخْتَلَفُ الكَنائِسِ المَوْجُودَةِ في العِراق، وَلِكُلِّ مِنْها تُراثُها التاريخيّ والليتورجيّ والرُوحيّ العَريق، هيَ مِثْلُ الخُيوطِ الكَثيرة المُنْفَرِدَة المُلَوَنَة التي، عِنْدَ تَشَابُكِها، تُصْبِحُ بِساطًا واحِدًا جَميلًا، لا يَشْهَدُ فَقَط على أُخُوَّتِنا، بَلْ يُذَكِّرُنا أيضًا بِمَصْدَرِها. ولأنَّ اللهَ نَفْسَهُ هو الفَنانُ الذي صَمَّمَ هذا البِساط، والذي نَسَجَهُ بِصَبْرٍ وَرَثاهُ بِعنايَّة، يُريدُنا دائِمًا أنْ نكونَ مُتَرابِطينَ جَيِّدًا فيما بَيْنَنا، فَكُلُّنا أبْناؤُهُ وَبَناتُه. عَسَى أنْ تَبْقَى نَصيحَةُ القِدِّيسِ أغناطيوس الأنطاكي في قُلُوبِنا علَى الدَوام: “لا يَكُونَنَّ بَيْنَكُم ما يُفَرِّقُكُم، […] بَلْ صَلاةٌ واحِدَة، وَرُوحٌ واحِد، وَرَجاءٌ واحِد، بالمَحَبَّةِ والفَرَح” (رسالة إلى المغنيسيين Ad Magnesios، 6-7: الآباء اللاتين 5، 667). كَمْ هيَ مُهِمَّةٌ شَهادَةُ الوَحْدَةِ الأَخَوِيَّةِ هذِه، في عالَمٍ غالِبًا ما تُمَّزِقُهُ الانقِسامات! إنَّ كُلَّ جُهْدٍ يُبْذَلُ لبِناءِ الجُسُورِ بَيْنَ الجَماعاتِ والمُؤَسَّساتِ الكَنَسِيَّة والرَعَوِيَّة والأبْرَشِيَّة سَيَكُونُ بادِرَةً نَبَوِيَّةً في كَنيسَةِ العِراق واستِجابَةً مُثْمِرَةً لِصَلاةِ يسوع بأنْ يَكُونُوا جَمِيعُهُم واحِدًا (را. يو 17، 21؛ الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط، 37).

تَقَعُ مَسْؤُولِيَةُ حَمْلِ رِسالَةِ الكَنيسَةِ على عاتِقِ الجَميع، رُعاةً وَمُؤْمِنينَ وَكَهَنَةً وَرُهبانًا وَراهِبات، وَمُعَلِّمِي التَعلِيمِ المَسِيحيّ، وَلَوْ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَة. قَدْ يَنْشَأُ أحْيانًا بَيْنَنا سُوءُ تَفاهُمٍ وَيُمْكِنُ أنْ نَتَعَرَّضَ لِبَعْضِ التَوَتُّرات: إنَّها عُقَدٌ تُعِيقُ نَسْجَ الأُخُوَّة. هيَ عُقَدٌ نَحْمِلُها في داخِلِنا، فَنَحْنُ جَميعًا خَطأة، مَعَ ذَلِك، يُمْكِنُ فَكُّ هذهِ العُقَدِ بالنِعْمَةِ، وَبِمَحَبَّةٍ أكبَر، ويُمْكِنُ أنْ نَرْخِيَها بالمَغْفِرَةِ والحِوارِ الأخَويّ، وَتَحَمُّلِ أعباءِ بَعْضِنا البَعْضَ بِصَبْرٍ (را. غل 6، 2) وَبِتَقْوِيَةِ بَعْضِنا البَعْض، في أوْقاتِ المِحَنِ والصُّعُوبات.

الآن، أَوَدُّ أنْ أَقُولَ كَلِمَةً خاصّة لإخوَتي الأساقِفَة. يَرُوقُ لي التَفْكيرُ في خِدْمَتِنا الأُسْقُفِيَّة بِمَفْهومِ القُرْب: قَريبُونَ مِن الله، فَنَحْنُ نَحْتاجُ أنْ نَبْقَى مَعَ اللهِ في الصَّلاة، وَقَريبونَ كَذَلِكَ مِنَ المُؤْمِنينَ المُوْكَلينَ إلى رِعايَتِنا، وَمِن كَهَنَتِنا. كُونوا قَريِبين بِشَكْلٍ خاصّ مِن كَهَنَتِكُم، حتَى لا يَرَوْا فِيكُم إداريِّين أو “مُديري أعمال”، بَلْ أباءً، يَهْتَمُّونَ لأنْ يَكُونَ أَبناؤُهُم في حالَةٍ جَيِّدَة، وَهُم على اسْتِعْدادٍ لِدَعْمِهِم وَتَشْجِيعِهِم بَقَلْبٍ مُنْفَتِح. رافِقُوهُم في صَلاتِكُم وَوَقْتِكُم وَصَبْرِكُم وَقَدِّرُوا عَمَلَهُم وَوَجِّهُوا نُمُوَّهُم. وَسَوْفَ تَكُونونَ لِكَهَنَتِكُم بِهذهِ الطَريقةِ عَلامَةً مَرْئِيَّةً لِيَسُوع، الراعي الصَّالِحِ الذي يَعْرِفُ خِرافَهُ وَيَبْذِلُ حَياتَهُ في سَبيلِها (را. يو 10، 14- 15).

أعِزّائي الكَهَنَة، والرُهبانَ والراهِبات، وَمُعَلِّمِي التَعْليمِ المَسيحيّ والإكليريكيِّين الذين تَسْتَعِدُّونَ لِلخِدْمَةِ في المُسْتَقْبَل: لَقَدْ سَمِعْتُم جَميعًا صَوْتَ الرَّبِّ في قُلوبِكُم وأَجَبْتُم مِثْلَ صَمُوئيل الشابّ: “هاءَنَذا” (1 صم 3، 4). أَدْعُوكُم إلى تَجْدِيدِ هذهِ الإجابَةِ كُلَّ يَوْم، وأَتَمَنَّى أنْ تَقُودَ كُلَّ واحِدٍ مِنْكُم لأنْ يَحْمِلَ البُشْرَى السارَّة بِحَماسٍ وَشَجاعَة، وأنْ تَعيشُوا وَتَسيرُوا دائِمًا في نُورِ كَلِمَةِ الله، والتَبْشيرُ بِها نِعْمَةٌ لَنا وَواجِبٌ عَلَيْنا. نَعْلَمُ أنَّ خِدْمَتَنا تَتَضَمَّنُ أيضًا جانِبًا إدارِيًّا، لَكِنْ هذا لا يَعْني أنَّهُ عَلَيْنا أنْ نَقْضِيَ كُلَّ وَقْتِنا في اجتِماعاتٍ أو خَلْفَ المَكْتَب. مِنَ المُهِمِّ أنْ نَخْرُجَ لِنَكُونَ في وَسَطِ قَطيعِنا وَنُقَدِّمَ حُضُورَنا وَمُرافَقَتَنا لِلمُؤْمِنينَ في المُدُنِ والقُرَى. أُفَكِّرُ في الذينَ قَدْ نُهْمِلُهُم: في الشَبابِ وَكِبارِ السِنِّ والمَرْضَى والفُقَراءِ. عِندما نَخْدُمُ قَريبَنا بِتَفانٍ، كَما تَفْعَلونَ أَنْتُم، وَبِروحِ الشَفَقَةِ والتَواضُعِ واللُطفِ والَمَحَبَّة، فإنَّنا نَخْدُمُ يسوعَ حَقًا، كَما قالَ لَنا هوَ نَفْسُه (را. متى 25، 40). وَمِن خِلالِ خِدْمَةِ يَسوعَ في الآخَرين، نَكْتَشِفُ الفَرَحَ الحقيقيّ. لا تَبْتَعِدوا عَن شَعْبِ اللهِ المُقَدَّسِ الذي وُلِدْتُم فِيه. لا تَنْسَوْا أُمَّهاتِكُم وَجَدّاتِكُم، اللواتي “أَرْضَعْنَكُم” حَليبَ الإيمان، كَما يَقولُ القدِّيسُ بولس (را. 2 طيم 1، 5). كُونوا رُعاةً وخُدّامًا للشَعْبِ لا مُوَظَّفِي دَوْلَة. كُونُوا دائِمًا مَعَ شَعْبِ الله، لا تَنْفَصِلُوا عَنْهُ أبَدًا كَما لَوْ كُنْتُم طَبَقَةً مُمَيَّزَة. لا تُنْكِرُوا “الأُمَّةَ” النَبيلَة التي هي شَعْبُ اللهِ المُقَدَّس.

أَوَدُّ أنْ أَعُودَ الآن إلى إخوَتِنا وأخَواتِنا الذينَ لَقُوا حَتْفَهُم في الهُجُومِ الإرْهابي علَى هذهِ الكاتِدرائِيَّةِ قَبْلَ عَشْرِ سَنَوات، والذينَ ما زالَتْ دَعْوَى تَطْويبِهِم مَفتُوحَة. يُذَكِّرُنا مَوْتُهُم جَيِّدًا أنَّ التَحْريضَ علَى الحَرْبِ وَمَواقِفَ الكَراهِيَةِ والعُنْفِ وإراقَةِ الدِماء لا تَتَّفِقُ مَعَ التَعاليمِ الدِينيَّة (را. Fratelli tutti، 285). وَأُريدُ أنْ أَذْكُرَ كُلَّ ضَحايا العُنْفِ والاضطِهادِ المُنْتَمينَ إلى مُخْتَلَفِ الجَماعاتِ الدِينِيَّة. سَوْفَ أَلتَقي غَدًا في أور بِقادَةِ التَقاليدِ الدِينيَّةِ المَوجُودينَ في هذا البَلَد، لِكَي نُعْلِنَ مَرَّةً جَدِيدَةً إيمانَنا بأنَّهُ علَى الدِينِ أنْ يَخْدُمَ قَضِيَّةَ السَّلامِ والوَحْدَةِ بَيْنَ جَميعِ أبناءِ الله. وأُريدُ في هذا المَساء أنْ أَشْكُرَكُم علَى اجتِهادِكُم لأنْ تَكُونوا صانِعِي سَلام، داخِلَ جَماعاتِكُم وَمَعَ مُؤْمِني التَقاليدِ الدينيَّةِ الأخرى، وأنْ تَزْرَعُوا بُذُورَ المُصَالَحَةِ والعَيْشِ الأَخَويِّ مَعًا، التي تَسْتَطيعُ أنْ تَقُودَ إلى وِلادَةِ رَجاءٍ جَديدٍ لِلْجَميع.

أُفَكِرُ بِشَكْلٍ خاص في الشَّباب: حَيْثُما كانوا، هُم حامِلُو وَعْدٍ وَرَجاء، وَبِخاصَةٍ في هذا البَلَد. في الواقِع، لا يُوجَدُ هُنا تُراثٌ أثَريٌ لا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ فَحَسْب، بَلْ كَذَلِكَ ثَرْوَةٌ كَبيرَةٌ لِلْمُسْتَقْبَل: إنَّهُم الشَّباب! هُم كَنْزُكُم وَيَنْبَغي الاعتِناءُ بِهِم، وَتَغْذِيَةُ أحلامِهِم، وَمُرافَقَةُ مَسيرَتِهِم، وَتَنْمَيَّةُ رَجائِهِم. وَعَلَى الرَّغْمِ مِن صِغَرِ سِنِّهِم، فَقَدْ تَعَرَّضَ صَبْرُهُم بالفِعْلِ لامْتِحانٍ قاسٍ بِسَبَبِ صِراعاتِ هَذهِ السّنوات. ولْنَتَذَكَّرْ في الوقتِ عَيْنِه، أنَّهُم – مَعَ كِبارِ السِّن – جَوْهَرَةُ هذا البَلَد، وأَلَذُ ثِمارِ أشْجارِه: عَلَيْنا تَقَعُ مَسْؤُولِيَّةُ زِراعَةِ الخَيْرِ فيهِم وإرواءِ رَجائِهِم.

أيُّها الإخوَةُ والأخَوات، بالمَعْمُودِيّةِ والتَثْبيت، وبالسِيامَةِ الكَهْنُوتِيَة أو النُذُورِ الرَهْبانِيَّة، كَرَّسْتُم أَنْفُسَكُم للهِ وأُرْسِلْتُم لتَكُونُوا تَلاميذَ تَحْمِلونَ الرِسالَةَ في هذهِ الأرضِ المُرْتَبِطَةِ ارتِباطًا وَثيقًا بِتاريخِ الخَلاص. أَنْتُم جُزْءٌ مِن هذا التاريخ، تَشْهَدُونَ بِأمانَةٍ لِوُعودِ اللهِ التي لا تُنْقَضُ أبَدًا، وَتَسْعَوْنَ لِبِناءِ مُسْتَقْبَلٍ جَديد. لِتَكُن شَهَادَتُكُم، التي أنْضَجَتْها الشَدائِدُ، وَقَوَّتْها دِماءُ الشُهَداء، نُورًا يَشِعُّ في العِراقِ وَخارِجِه، لِكَي نُشيدَ بِعَظَمَةِ الله، وَيَبْتَهِجَ رُوحُ هذا الشَعَبِ باللهِ مُخَلِّصِنا (را. لو 1، 46- 47).

أَشْكُرُ اللهَ مُجَدَّدًا لأنَّنا تَمَكَّنَّا مِن أنْ نَلْتَقيَ. لِتَشْفَعْ بِكُم سَيِّدَةُ النَجاة والقِدِّيسُ توما الرسول، وَلْيَحْمِياكُم دَوْمًا. أُبارِكُ مِن كُلِّ قَلْبِي كُلَّ واحِدٍ مِنْكُم وأُبارِكُ جَماعاتِكُم. وأَطْلُبُ مِنْكُم أنْ تُصَلُّوا مِن أجلي. شُكْرًا!