Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر March 3, 2021
A A A
هل تُنقذ حكومة من 24 وزيراً بعبدا وقريطم من كسر الطرف الآخر؟!
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

صحيح أنّ البعض في لبنان وعلى رأسهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يجدون أن لا حلّ للأزمة اللبنانية سوى من خلال عقد مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة في لبنان، غير أنّ البعض الآخر لا يزال يؤمن أنّ اللبنانيين قادرون على حلّ مشاكلهم على طاولة الحوار شرط تغليب الروح الوطنية على ما عداها من المصالح الشخصية والحسابات السياسية المستقبلية، ومن دون استقواء طرف على طرف آخر. فإذا جرى وضع كلّ المطالب والهواجس على الطاولة يُمكن التوصّل الى تشكيل حكومة من دون أي تدخّل خارجي، ومن دون انتظار الضوء الأخضر من السعودية أو من الولايات المتحدة الأميركية.

مصادر سياسية مواكبة رأت بأنّه على المسؤولين تغيير المنطق الذي ينطلقون منه لتشكيل الحكومة، فإذا بقي منطق الإستعلاء واستقواء طرف على آخر، أو منطق تكسير رأس هذا أو ذاك، فلن تتشكّل الحكومة، حتى ولو تدخّلت دول الخارج. فالحكومة معرقلة اليوم بسبب العناد والكيديات وحسابات ما بعد عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولمن ستكون السيطرة في البلد في حال انتهى عهد عون من دون إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة في موعدها (أيّار 2022)، وبقيت الحكومة نفسها التي يُفترض أن تُشكّل في أسرع وقت ممكن.

وأكّدت المصادر، بأنّ حزب الله ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي يُحاولان تدوير الزوايا من أجل تسهيل تشكيل الحكومة التي لا تزال عالقة بين قصر بعبدا وبيت الوسط. ولهذا عمل برّي على طرح مبادرته، فيما اقترح الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله توسيع الحكومة لكي تشمل الجميع. من هنا، على الرئيس المكلّف سعد الحريري عدم الشعور بأنّه في حال رفع عدد الوزراء في حكومته (التي يصرّ على أنّها لن تضمّ سوى 18 وزيراً) الى 22 أو 24 وزيراً بأنّ في ذلك كسر لموقفه، بل على العكس. فحكومة من 24 وزيراً يُمكن أن يتمثّل فيها كلّ الأفرقاء أو الكتل النيابية، حتى تلك التي تشعر بأنّها مهمّشة من خلال عدم تمثيلها في الحكومة. كما يُمكن أن يتمّ فيها تجاوز الثلث المعطّل الذي يقول الحريري إنّه مطلب الرئيس عون و«التيّار الوطني الحرّ» رغم نفيهما لهذا الأمر، ولا يُمكن بالتالي اعتبار هذه الخطوة، كسر لموقف الفريق الرئاسي. فالحريري يتخلّى عن الـ 18 وزيراً مقابل تخلّي عون و«التيّار» عن الثلث المعطل، وبهذه الطريقة لا يكون هناك كسر لأي طرف، بل «تعادل» بين الطرفين. فالدستور ينصّ على مشاركتهما في تشكيل الحكومة، وبذلك لا يشعر أي منهما أنّ ثمّة انتقاص من صلاحياته.

وترى المصادر، بأنّ توسيع عدد الوزراء يمنح لكلّ وزير متخصّص حقيبة واحدة ما يجعله قادراً على الإهتمام بشؤونها وبخدماتها على أتمّ الوجه، فيما الحكومة المصغّرة تُعطي بعض الوزراء حقيبتين لا علاقة لهما ببعض ولا بتخصّصه. علماً بأنّ الحكومات الأخيرة كانت من 30 وزيراً وجعلها 18 ينتقص الكثير من التمثيل فيها ويُشعر إحدى الطوائف بالظلم، فيما حكومة من 24 وزيراً فتؤمّن التمثيل الصحيح لجميع الكتل النيابية وللأقليات المسيحية أو الطائفة الإنجيلية، فلا يعترض أي أحد أو يُعرقل عملها في المجلس النيابي. كذلك فإنّ توسيع التمثيل يأتي بدعم أكبر للبنان من خلال توافق الدول الإقليمية مع القوى السياسية الممثّلة في الحكومة، ولا يحصر التمثيل ببعض القوى والأحزاب السياسية ويُهمّش البقية.

ودعت المصادر نفسها الى البدء باستعادة الثقة بين الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة، مشيرة الى أنّ الكرة اليوم في ملعب الحريري، وإن كان لا يزال ينتظر موافقة الرئيس عون على تشكيلته المقدّمة له. غير أنّها أوضحت أنّ الرئيس المكلّف لم يُحرّك ساكناً رغم كل ما قيل أخيراً عن عراقيل وتسهيلات التشكيل من قبل رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل. أمّا السبب فيعود الى انتظار الضوء الأخضر من قبل السعودية التي لم تستقبله حتى الآن.

وكشفت المصادر، بأنّ ثمّة وساطة إقليمية اليوم للتحضير للقاء يجمع بين الأمير السعودي محمد بن سلمان والحريري، من قبل الإمارات وتركيا ومصر. وجرى الحديث بالتالي مع روسيا للتدخّل غير أنّها رفضت انطلاقاً من قناعة لديها بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى، ومن هنا تكتفي اليوم بدعم المبادرة الفرنسية الموضوعة على الطاولة. ولهذا فإنّ الحريري يرفض التراجع عن موقفه، ليكون في جعبته ما يحمله الى هذا اللقاء الذي ينتظره منذ وقت طويل. فمن إنجازاته، على سبيل المثال، إصراره على حكومة من 18 وزيراً لا تعطي الفريق الرئاسي الثلث المعطّل، والجميع يعلم أنّ مآخذ السعودية على الحريري أنّه عقد تسوية رئاسة مع عون وتنازل له لإيصاله الى قصر بعبدا، وقد كانت السعودية ضدّ هذا الأمر. ومثل هذه المواقف جعلت السعودية تفتّش، في وقت من الأوقات، عن شخصية سنيّة نافذة أخرى لتكون حليفتها في لبنان. لكنّها لم تجدها حتى الساعة، ما يجعل حظوظ الحريري تبقى الأوفر لاستعادة ثقة السعودية به، إلاّ أنّه يحتاج الى حجج مقنعة عن تغيّر أدائه.

في الوقت نفسه، أكّدت المصادر أنّ الحريري لا يستطيع تشكيل الحكومة من دون الفريق الرئاسي، إذ لا يُمكن المساس بالمناصفة التي أقرّها دستور الطائف، وإن «أوقف العدّ» منذ فترة. فالمخاطر التي من الممكن أن تتأتى من مثل هذه الخطوة كبيرة، والأرض جاهزة للإستخدام في أي لحظة. والشرارة التي شهدناها منذ مدّة في طرابلس من السهل أن تندلع وتمتدّ الى مناطق أخرى بسرعة فائقة. غير أنّ احداً لا يريد إشعال الفتنة الداخلية، إذ يكفي اللبنانيين ما يعانونه من جوع وفقر وبطالة ومن تفشّي «كورونا» ومن عملية بطيئة في إعطاء اللقاحات.

أمّا الحلّ الداخلي، فيحتاج، بحسب رأي المصادر، الى التوافق بين قصر بعبدا وقريطم، وليس بالضرورة الى الذهاب الى طاولة حوار، على غرار ما حصل في عهد الرئيس ميشال سليمان (في آذار 2006)، التي لم تؤدّ في نهاية الأمر الى أي نتيجة، رغم أنّها ناقشت الاستراتيجية الدفاعية بشكل مباشر. فالمطلوب الخروج من منطق الطائفية والمذهبية والذهاب الى فكرة بناء دولة قويّة تكون قادرة على وقف الإنهيار والنهوض بالإقتصاد وفق خارطة الطريق التي وضعتها المبادرة الفرنسية ووافقت عليها جميع القوى السياسية في البلاد، وإلاّ فلا خيار سوى بالذهاب الى عقد مؤتمر تأسيسي لبناء دولة مدنيّة غير طائفية ومذهبية.