Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر December 23, 2020
A A A
البطريرك يونان : ليهد الرب المسؤولين للعودة إلى ضمائرهم

وجه بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان رسالة عيد الميلاد بعنوان “رجاء الكون وافانا”، تناول فيها الأوضاع العامة في لبنان والشرق الأوسط والعالم وازمة تفشي وباء “كورونا”، وقال: “نستقبل ميلاد المخلص في هذا العام، كما في عيد الفصح وقيامة الرب في شهر نيسان المنصرم، وقد فرض علينا الحجر والتباعد الاجتماعي والحذر الشديد مع القلق والخوف بسبب الوباء الكوني المعروف بفيروس “كورونا” يلزم المؤمنين على البقاء في منازلهم وعدم التجمعات، حتى في إقامة الصلوات في الكنائس. إنها دون شك نكبة لم يعرفها التاريخ منذ زمن طويل، وباء كوني سبب الأوجاع ونشر الموت والرعب، وضاعف الأزمات في العائلات والمجتمعات وأطاح بالأمن الاقتصادي في بلدان عدة عبر القارات”.

اضاف: “ما يؤلمنا بشكل خاص أن تأتي الإجراءات غير المعهودة في أكثر من بلد في الغرب المعروف بقيمه الأخلاقية والثقافية التي تأسست على كرازة إنجيل الخلاص والسلام، تلك البلاد المدعية بتطبيق الأنظمة الديموقراطية واحترام الحريات الدينية. لقد فرضت هذه الإجراءات وبتساهل مستغرب من قبل منظمات المجتمع المدني والأحزاب وحتى من بعض المسؤولين الكنسيين، قيودا أشبه بتلك الصادرة عن أنظمة استبدادية، كإغلاق دور العبادة من كنائس وأديرة أو أقله تحديد أعداد ضئيلة من المؤمنين، مع أن قواعد التباعد والتعقيم في الكنائس تطبق بأفضل ما يكون. إننا نشارك أبناءنا وبناتنا الذين أرغموا على الهجرة والإقامة في تلك البلاد، تأسفهم بل ألمهم بأن يحرموا من الذهاب للمشاركة في قداس عيد الميلاد، وهو من أهم الأزمنة المسيحية التي تجمع المسيحيين لتمجيد المولود الإلهي، ناشدين العزاء في غربتهم والرجاء في معاناتهم والبهجة الروحية والسلام”.

وتابع: “في شرقنا المعذب الذي يرجو في زمن الميلاد أن ينعم عليه مولود بيت لحم الإلهي بنعمة النجاة من النزاعات والأزمات المتكررة الدامية، وبإحلال العدالة والأمن لجميع المواطنين، نحن مدعوون جميعا أن نجدد ثقتنا اللامحدودة بالمولود من العذراء مريم ميلادا عجائبيا: “(بثولتو يلدث دومورو) البتول ولدت عجبا”، هو المخلص المنتظر، أمير السلام، القادر وحده على تنقية القلوب من الأنانية والتسلط، فيجمع قلوب الأفراد والجماعات لما فيه خير أوطانهم”.

ولفت الى ان لبنان “هذا البلد الفريد الذي كان يحسد لجماله وإشعاعه الثقافي ورسالته، يمر منذ عامين بأحلك مراحله، مما يهدد وجوده وكيانه: خلافات سياسية مغرضة وأزمات معيشية خانقة وباء كورونا والتفجير المروع في مرفأ بيروت الذي أدى إلى سقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المشردين، فضلا عن الخسائر المادية الفادحة. أما الطبقة السياسية فهي متلهية عن كل هموم الناس بالدفاع عن مصالحها والتشبث بمواقعها وترفض الاستماع إلى صرخات الشعب الذي يطالب بمحاسبة الفاسدين من المسؤولين، بل يصل إلى حد المطالبة برحيل الطبقة الحاكمة برمتها. تميز لبنان بتعدد عائلاته الروحية ومكوناته المذهبية التي سعت إلى بناء وطن حضاري ينادي بالعيش الواحد المشترك ويؤمن خير المواطنين. لكنه تحول، وللأسف الشديد، إلى تجمع لطبقة احتكرت مواقع المسؤولية في الدولة والإدارة تحت ستار طوائف تسمى “كبيرة” تحتكر مراكز القوة، وتحمي أتباعها مستقوية بالخارج، كل ذلك على حساب المصلحة الوطنية، واستهتارا بحقوق الشعب الذي لا حول له ولا قوة بسبب النظام السائد”.

واردف: “نصلي في هذا الزمن الميلادي، كي يهدي الرب جميع المسؤولين للعودة إلى ضمائرهم، فلا يكتفي المنادون بالإصلاح، وبينهم المدني والديني والإعلامي، بتعميم تهم الفساد والإخلال بالواجبات وخيانة الشعب على جميع من حملوا المسؤولية، بل بتسمية مواطن الفساد والكشف عن الأشخاص الفاسدين والمطالبة برفع الحصانة الطائفية عن كل من استغل مركز السلطة. عندئذ يستعيد الشعب ثقته بمصداقية الداعين إلى الإصلاح ويعود الرجاء إلى لبنان بميلاد جديد”.

واشار الى ان “سوريا التي شارفت مأساتها على عامها العاشر، لا تزال تعاني من أعمال العنف والقتل والتدمير والتهجير. هجمات لجماعات إرهابية ادعت بالمعارضة السلمية، وهي تعتمد بالسلاح والمال على دول طامعة، وعلى حملات إعلامية مضللة تنادي بديموقراطية صناديق الاقتراع، حيث تفرض أغلبية راديكالية دينها في شؤون الدولة. ألم يحن الوقت لتستيقظ الضمائر للكف عن التدخل في شؤون دولة عضوة في منظمة الأمم المتحدة؟ هل من العدل والمنطق أن يستمر الشعب السوري في معاناته، والعالم يتفرج؟ أين مصداقية الدول المستقوية، عندما تعاقب شعبا بكامله، وتمنع عنه مقومات العيش بحجة إدانة حكومته؟. نصلي كي يكتشف السوريون بأنفسهم سبل المصالحة الصادقة والمستنيرة، فيتعافى وطنهم ويزدهر، وليدركوا بأن عليهم أن يصيغوا لهم دستورا وطنيا يجمع ولا يميز بين المواطنين، أكثرية كانوا أم أقليات، بل يحترم حريتهم الدينية، ويثمن تراثهم الثقافي الذي أغنى وطنهم على مر العصور. وإننا نطالب، مع ذوي الضمائر الحية، برفع العقوبات الاقتصادية، واللجوء إلى الحوار، والعودة غير المشروطة للنازحين، فيبنى وطنهم على أسس الحق والعدالة”.

وقال: “العراق اليوم بعد سنوات من الحروب والنزاعات، يسعى مع حكومته والنزيهين من شعبه لإحلال السلام والعدل والإنطلاق في مشاريع الإعمار في مختلف مناطقه المدمرة. ندعو إليه تعالى أن يتضامن المواطنون الشرفاء في هذا البلد الجريح، فيبادروا إلى توحيد القلوب وتكثيف الجهود والتقيد بدستور يفرض احترام جميع المكونات الدينية والثقافية والإتنية التي أغنت بلادهم منذ الماضي البعيد. يستعد هذا البلد الجريح الذي نكب فيه الملايين من المواطنين، لا سيما المسيحيون الذين تعرضوا لنزيف خطير، لزيارة تاريخية سيقوم بها قداسة البابا فرنسيس في شهر آذار الماضي، كما أعلن عنها في الفاتيكان، زيارة سيكون لها وقع خاص على بلاد الرافدين بكاملها. وإننا نسر بشكل خاص أن يقوم قداسته في اليوم الأول بزيارة كاتدرائية “سيدة النجاة” للسريان الكاثوليك أم الشهداء في بغداد، ويتفقد أضرحة شهدائنا الأبرار الذين سفكت دماؤهم على يد الإرهابيين التكفيريين مساء الأحد 31 تشرين الأول 2010. كما أن قداسته سيبارك بزيارة خاصة بلدة قره قوش – بغديدا السريانية البطلة، التي اقتلع الإرهاب الداعشي سكانها بأجمعهم في شهر آب 2014، فتشردوا في أقطار المعمورة الأربعة إلى أن تم تحريرها بعد أن نهبت ممتلكاتهم ودمرت كنائسهم ومنازلهم أو أحرقت. وبعودة العدد الأكبر من العائلات، عادت الحياة إلى البلدة المنكوبة، ولا تزال ورشات الإصلاح والإعمار ترمم ما هدم وأحرق، بهمة المسؤولين من إكليروس وعلمانيين”.

اضاف: “تضم قره قوش – بغديدا اليوم أكبر تجمع للمسيحيين في العراق، لذلك تعتبر زيارة رأس الكنيسة الجامعة في العالم إلى سكانها السريان، تعبيرا عن محبته لمسيحيي سهل نينوى وبلداته، وتقديرا لشجاعتهم وتمسكهم بإيمان آبائهم وأجدادهم، وبالتراث المسيحي الواحد، الذي عليه أن يجمع ولا يفرق. هذا ما ندعو إليه، ضارعين إلى المولود الإلهي في بيت لحم، أن يحفظ أهلنا السريان متجذرين في قره قوش وبرطلة وسائر بلدات سهل نينوى، وينعم عليهم بحرية المواطنة الصحيحة الكاملة التي يستحقونها، فيعيشوا متضامنين بوحدة القلوب مع المواطنين جيرانهم، لما فيه ازدهار منطقتهم الغالية وخير وطنهم العراق”.

وتابع: “إلى جميع أحبائنا السريان الذين يقطنون في الأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، وتركيا، وفي بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، نعبر عن خالص تمنياتنا بعيد ميلاد الرب يسوع، ضارعين إلى المخلص الإلهي، كي يحفظ الجميع في الصحة والعافية، بعيدين عن كل مرض ومكروه في هذه الأزمنة المقلقة بل المخيفة للوباء الكوني الذي يهدد الجميع. كما نجدد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمن على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمشين والمستضعفين، وكل العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نعمه وبركاته وتعزياته السماوية”.

وفي كلمته الروحية، تحدث البطريرك يونان عن “تأنس كلمة الله كي يهبنا الحياة الجديدة، وعن إتمام الله وعده بالخلاص بميلاد المخلص”، متأملا ب”انتظار زكريا واستعداد مريم لقبول الخلاص|، منوها إلى “زمن الميلاد وهو دعوة متواصلة إلى الرجاء”، مشددا على أن “يسوع المسيح هو رجاؤنا الأزلي”، مهنئا “المسيحيين والعالم بعيد الميلاد المجيد وبحلول العام الجديد”.