Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر December 15, 2020
A A A
هل ستظل الولايات المتحدة على شكلها الحالي بحلول 2030؟
الكاتب: ألكسندر نازاروف - روسيا اليوم

لن تبقى الولايات المتحدة الأميركية على شكلها الحالي، وسوف تتفكك. لكن السؤال المفصلي المطروح الآن هو: متى؟ وأعتقد أن لدي الإجابة عن هذا السؤال.

لقد شرحت في مقالات سابقة الاتجاهات التي يمكن أن يعد كل منها على حدة عاملا قاتلا للولايات المتحدة وهي:

1) التحول الديموغرافي والعرقي.

2) الانهيار الاقتصادي.

3) التغيرات الجيوسياسية – الولايات المتحدة الأميركية والصين ومصير الدولار.

4) عدم قدرة النخبة والنظام الأميركي على التكيف مع التغيير.

صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام مؤخرا بأنه إذا خسر الجمهوريون الآن، فلن يكون هناك أي رؤساء جمهوريين في الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل، حيث سيؤدي ذلك حتما إلى انتقال الصراع إلى مستوى الولايات وتكتلاتها، والتي لا يزال الجمهوريون فيها يحتفظون بسيطرتهم على السلطة. وقد طالبت ولاية تكساس، إلى جانب 17 ولاية أخرى انضمت إليها بإلغاء نتائج الانتخابات في الولايات المتنازع عليها، وردا على ذلك يتم تشكيل تحالف مضاد. حقا، لم أكن أتوقع هذه الخطوة العملاقة في الانتقال من الحرب الأهلية الباردة نحو الحرب الأهلية بهذه السرعة. ولن يغلق رفض المحكمة العليا لنظر الطعون تلك القضايا، بل سيدفع بعض الولايات إلى الطعن في شرعية المركز الفدرالي نفسه، ورفض الإذعان للحكم.

لم يعد الانقسام يقتصر الآن على الأحزاب والمواطنين فحسب، وإنما أصبح كذلك انقساما على المستوى الإقليمي بين الكيانات الإدارية التي تضم نخبها وسلطاتها وحدودها الخاصة. وحين توفر الرغبة، على سبيل المثال، وفي حال الخسارة في الصراع السياسي، يمكن أن تتحول تلك الولايات في لمح البصر إلى دول ذات سيادة. ونتذكر كيف كان تصويت البرلمانات في الجمهوريات السوفيتية، التي كانت تمثل الاتحاد السوفيتي، كافيا لإعلان استقلال هذه الجمهوريات، في ظل ضعف المركز.

وبينما كنا نرى، حتى وقت قريب، مجرد إرهاصات واتجاهات لذلك، فنحن نرى الآن فعليا الآليات التي يتطور بها كل شيء. لكن السؤال هو متى سيتم تجاوز نقطة التحول في كل من هذه الاتجاهات؟

 

 

1) سيتوقف البيض، على مدار العشرين عاما القادمة، في أن يحافظوا على كونهم الأغلبية في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى مدى السنوات العشر القادمة، لن يتمكنوا من الحفاظ على كونهم الأغلبية في كل المنطقة المتاخمة للحدود مع المكسيك وعدد من الولايات الأخرى. فقد أصبح الانقسام غير الرسمي بعد الخطوة التي قامت بها ولاية تكساس رسميا، ويمكن القول بأن هذا العامل قد أصبح جاهزا بالفعل، ولا حاجة للانتظار لعشر سنوات.

 

 

2) تؤدي الكارثة الاجتماعية نفسها إلى الثورات وتفكك الدول متعددة الجنسيات. فانهيار هرم الديون وظهور التضخم المفرط، الناجم عن طباعة البنك المركزي الأميركي لأموال غير مغطاة، هو عامل كاف لإحداث انهيار في الولايات المتحدة. لا يمكننا التأكد من أن انهيار هرم الديون مع الانهيار اللاحق للاقتصاد الأميركي سيحدث بالتأكيد قبل عام 2030، لكن احتمال حدوث ذلك مرتفع للغاية. من الممكن أن يحدث ذلك فعليا عام 2021. لكن حتى الحفاظ على التدهور الاقتصادي الناعم في الوقت الراهن هو أمر كاف لانتقال المواجهة لمستوى جديد نوعيا في السنوات القادمة.

 

 

3) لقد أصبح الاقتصاد الصيني بالفعل أكبر من الاقتصاد الأميركي من حيث القوة الشرائية، وفي مكان ما بين 2024-2030، أو حتى قبل ذلك، سيصبح أكبر من الاقتصاد الأميركي من حيث القيمة الاسمية، بالدولار الأميركي. بعد ذلك، سيحل اليوان حتما محل الدولار كعملة عالمية، وسيكون لذلك عواقب مالية واقتصادية وعلى مستوى المعيشة في الولايات المتحدة. وإذا لم ينهر الاقتصاد الأميركي قبل ذلك بسبب انهيار هرم الديون، فإنه سينهار حتما عندما يحل اليوان محل الدولار كعملة عالمية.

إننا نرى أن الولايات المتحدة الأميركية تخسر السباق الاقتصادي بالتأكيد، وأصبحت الفرصة الوحيدة لمنع ذلك هي استخدام الوسائل العسكرية، وفي أسرع وقت ممكن، ففي غضون عشر سنوات سيصبح الوقت متأخرا. في الوقت نفسه، ووفقا لرئيس لجنة أركان القوات المسلحة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، فإن الصين ستلحق قريبا بواشنطن من حيث قدراتها العسكرية. ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن الصين تتوقع نفسها اللحاق بالقدرات العسكرية الأميركية بحلول عام 2035.

أعتقد أن الاقتصاد الأميركي لن يكون قادرا على الصمود أمام أي حرب مع الصين الآن وليس غدا، فهو بالفعل غير مستقر للغاية، ولا يسير إلا بالقصور الذاتي، وبإيمان سكان العالم بقدسية الدولار الأميركي.

وبصرف النظر عما إذا كانت هناك حرب أم لا، ففي كلتا الحالتين سيفقد الدولار مكانته كعملة عالمية قبل عام 2030، وهو ما سيؤدي إلى انهيار اقتصادي، ومن ثم انهيار لاحق للبلاد.

 

 

4) نحن نرصد وعيا لكل هذه التحديات من جانب جزء من النخبة الأميركية. ويجسد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رغبة أولئك الذين يدركون كل هذه الاتجاهات ويحاولون عكسها. فهل نجح؟ كلا، لقد ووجه ترامب بمحاولات للتخريب على مدار 4 سنوات، وأظهر النظام السياسي الأميركي بأكمله ممثلا في “الدولة العميقة” ومعه جزء كبير من الشعب الأميركي عدم فهم للمشكلة، أو عدم الرغبة في إنقاذ الولايات المتحدة بشكلها الحالي. إن النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية مشلول وعاجز عن إيجاد طوق للنجاة.

ربما يكون الطرفان على دراية بالأزمة وحجمها، لكن كلا الجانبين يقدمان طرقا متضادة وعكسية للخروج منها، والتسوية مستحيلة.

فالصراع بين الطرفين هو صراع مصيري على الفناء، وليس لدى أي من الأطراف قيود في اختيار الوسائل. أحد الأطراف سوف يخسر حتما، وهو ما يعني موت مستقبله. لذلك فلن يجلب العام المقبل 2021 أي هدوء للوضع الراهن، بل سيكون تصعيد الصراع أمرا لا مفر منه.

والآن إلى الشأن الأساسي. وبينما يمتلك الجمهوريون و”أميركا البيضاء القديمة” أسلحة قوية لمنع حركة أعدائهم، الديمقراطيين، وهي سيطرتهم على مجلس الشيوخ، لا زال الصراع دائرا للسيطرة على المستوى الفدرالي للسلطة. ولدى الجمهوريين ما يخسرونه حال انهيار الولايات المتحدة. فخسارة الجمهوريين لهذا المعقل الأخير (مجلس الشيوخ) سيؤدي إلى انتقال الصراع لمستوى الولايات، وانقسام البلاد بين مناطق لسيطرة الجمهوريين وأخرى للديمقراطيين، يحاول كل منهما السير في طريقه الخاص.

وإذا تولى بايدن منصبه، فإن الديمقراطيين سيفتقرون إلى مقعدين للسيطرة على مجلس الشيوخ، ربما يحصلون عليهما في كانون الثاني/ يناير، خلال الجولة الثانية من الانتخابات في ولاية جورجيا، التي صوتت للديمقراطي بايدن لتوها.

وفي الانتخابات الأخيرة، انتقلت 5 ولايات من المعسكر الجمهوري إلى الديمقراطي. وستتم إعادة انتخاب 2-3 أعضاء لمجلس الشيوخ الجمهوريين من هذه الولايات في عام 2022، وإذا خسروا ستنتقل السيطرة على مجلس الشيوخ إلى أيدي الحزب الديمقراطي. كذلك فمن المرجح أن تستمر التغييرات الديموغرافية في نقل المزيد والمزيد من الولايات من الحزب الجمهوري إلى المعسكر الديمقراطي، لذلك من المرجح أن يفقد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ إلى الأبد بنسبة 100% تقريبا بحلول عام 2030، مع كافة العواقب الموضحة سابقا.

إن الولايات المتحدة الأميركية الآن تشبه جورج فلويد (الذي قامت بسببه حركة “حياة السود مهمة” Black Lives Matter)، الذي كان تحت تأثير المخدرات (طباعة الأموال غير المغطاة)، ويعاني في الوقت نفسه من “كوفيد-19” (الأزمات السياسية والاقتصادية والديموغرافية والعرقية وأزمة النظام السياسي)، بينما قرر الوقوف في وجه الشرطي (الصين). لذلك فمن الصعب تحديد السبب الفعلي للوفاة، إلا أن الوفاة في ظل هذا الوضع مع كل تلك الأزمات تبدو متوقعة، بل وربما حتمية. هكذا الولايات المتحدة الأميركية، لا تملك أي فرصة للوقوف أمام التغييرات التاريخية الراهنة، والتي يمثل كل منها على حدة قاتل مدمر للبلاد على المدى البعيد، لكنها سويا في الوقت نفسه قاتل مدمر على المدى القصير.