Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر October 7, 2020
A A A
رحلت… بسكتة المرفأ؟
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

ليس أغرب من التفسيرات والاجتهادات التي غالباً ما تطرحها الجهات السلطوية لتبرير التلاعب بالدستور أو بالأصول الدستورية والقانونية لمآرب السياسة والمصالح، سوى الإمعان في تجاهل الدمار المؤسساتي الذي تحدثه هذه السياسات حين تغدو أنماطا دائمة. يجري الآن الشيء نفسه باستجرار نمط التريث والتمهل والتمادي في لملمة الانتظارات من داخل وخارج قبل ان تفرج رئاسة الجمهورية عن زر تحريك الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة الجديدة، فيما تطلق بالونات الاختبار والبدع والابتكارات الفارغة قياماً وقعوداً في أسوأ ما شهده لبنان من ظروف إطلاقاً. لكأننا منذ انفجار المرفأ قبل شهرين وبضعة أيام أمام سكتة دماغية سلطوية خالصة ذهبت معها معالم الدولة اللبنانية في غيبوبة المسؤوليات الجسيمة، وتعطلت كل إمكانات الخروج من الاستسلام للتداعيات المدمرة للانفجار، ولم نعد نجد حتى ذاك الحد الأدنى من الخجل الذي لو كان لأثره من وجود لربما كنا شهدنا أول سابقة في تاريخ دول العالم الثالث من خلال استقالات جماعية لأركان الجمهورية اللبنانية قاطبة! يجري الآن الفصل الأكثر إثارة للغرابة في مفهوم تحمّل التبعات التي يرتبها اقتراب لبنان من ذروة انهياراته الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية مع التفشي الوبائي القياسي البالغ الخطورة، فيما غابت كل الدولة بجميع أركانها ومؤسساتها، بدءاً برئاسة الجمهورية، عن هذا المنقلب المأسوي وكأن البلد يسبح في لجّة السقوط الأخير بلا أي قيادة وبلا أي زمام وبلا أي بوصلة. والحال ان واقع القوى السياسية والحزبية لا يقل خطورة في ترك الناس في مهبّ أخطر عاصفة تتهدد بقايا البقايا من فتات بقاء صمود اجتماعي ومجتمعي، فيما يكاد العثور على موقف أو تحرك للقوى السياسية والحزبية والكتل النيابية يصبح أمراً نادراً. إن الناحية الإيجابية اليتيمة في هذا الواقع الذي يكاد لا يصدّقه مراقب من خارج على الأقل، تتمثل في ان أيّ اجتراح لأيّ حلول ظرفية من دون نفض مجمل الطبقة السياسية السلطوية الرسمية والنيابية بكل مستوياتها وأشخاصها وهيكلياتها، سيكون مطعوناً بها وستفتقر الى الشرعية والمشروعية نظراً الى تكرار الانتهاكات الموضوعية لمسؤولية هذه الطبقة لكل ما تستند اليه مفاهيم المسؤولية الدستورية وممارساتها والتفريط الكامل المكشوف بكل الأمانة الموكولة الى الرئاسات الثلاث والسلطتين التنفيذية والتشريعية. لم يحصل في تاريخ لبنان الحروب والسلم ان جعلت سلطاتٌ نفسها في موقع المتفرج والتحصن بالحصانات المزعومة، فيما تحترق البلاد بنيران الانهيارات، كما يحصل مع السلطات الحالية بما فيها حكومة تصريف الاعمال نفسها التي لا يعفيها واقعها من تحمّل تبعات إدارة الأمور ضمن حدود صلاحياتها المحدودة. لم يشهد اللبنانيون سابقاً مستوى مماثلاً لمستوى عدم التوقف عند مآسي الناس كذاك الذي ساد صورة دولة تتفرج على ضحايا انفجار مرفأ بيروت، يستصرخون ما يسمّى الضمائر المسؤولة للغائبين والهاربين والجبناء الذين لم يتجرأ أحد منهم على التطلع الى عيون ذوي شهداء الانفجار. والآن يجتاح لبنان ذعر الكورونا ومعه ذعر رفع الدعم ومعهما ذعر الانهيار الأخير لليرة ومع الجميع ذعر الانتماء الى بلد بات الأخطر إطلاقاً على أبنائه وساكنيه وكذلك اللاجئين فيه سواء بسواء، ولا قبس من حركة او تحرك كأن الدولة في جرم آخر، أو بالأصح كأننا لا نزال نفترض وجود ما يسمّى دولة. أغلب الظن انها رحلت بسكتة المرفأ ونحن آخر مَن يدري!