Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر September 27, 2020
A A A
افتتاحية “النهار”: تداعيات خطيرة للاعتذار والأنظار إلى ماكرون
الكاتب: النهار

مع أنّ اعلان الرئيس المكلف السابق تشكيل الحكومة مصطفى أديب اعتذاره قبل ظهر امس من قصر بعبدا لم يكن مفاجئا كلياً، وهو حصل طبقا لما كانت أوردته “النهار” في عددها الصادر امس السبت، فإنّ ذلك لم يقلل اطلاقا حجم التداعيات او خطورة المرحلة التي يطل عليها لبنان بعد هذا التطور. فإذ بدا طبيعيًا ان يثير الاعتذار عاصفة ضخمة من الاصداء وردود الفعل الداخلية من كل الاتجاهات، دافعا بالانقسام الداخلي الى ذرواته بدت المفارقة اللافتة جدا أنّ الطبقة السياسية التي اتهمها مصدر مقرّب من الرئاسة الفرنسية بأنّها ارتكبت خيانة جماعية بدفعها اديب الى الاعتذار، اندفعت بشكل يكاد يكون جماعيا أيضا الى اعلان مواقفها المتمسكة باستمرار المبادرة الفرنسية، حتى ان هذا الجانب من المواقف السياسية كاد يضيع المراقبين بين حقيقة من عرقل هذه المبادرة وضرب فرصتها، وانهى تجربة تكليف مصطفى اديب ومن كان داعماً عملياً للمبادرة وأديب.

ولكن ثمة حقيقة لم يكن ممكنا تجاهلها والتخفي عليها على رغم المزايدات السياسية والحزبية في اعلان مواقف التمسك والإشادات بالمبادرة الفرنسية هي ان احباط الثنائي الشيعي لمحاولات مصطفى اديب استيلاد حكومة اختصاصيين مستقلين وهي كانت محاولة متقدمة جدا هو العامل الأول والاساسي الذي تسبب باعتذار اديب والذي وان ظل محافظا حتى النهاية على خيوط التعبير المتوازن بين جميع القوى فإنّه دفع ثمن الحسابات الإقليمية والداخلية للثنائي الشيعي في الدرجة الأولى ولو ان هذا الثنائي وسواه من تحالف العهد وأطراف 8 آذار حرفوا تهمة العرقلة في اتجاه رؤساء الحكومات السابقين الأربعة، ولا سيما منهم الرئيس سعد الحريري.

ولكن السؤال الكبير الذي بدا مطروحًا عقب اعتذار اديب أمس هو الى أي مدى يمكن الرهان على امرين متلازمين في المرحلة الطالعة: الأول المحافظة على فرصة نادرة وفرتها المبادرة الفرنسية للبنان في ظرف هو احوج ما يكون في حاجة اليها لتوفير الدعم الدولي له في أسوأ ظروف عرفها ومرشحة للتفاقم بقوة بعد الان. وإذ ترصد الأوساط اللبنانية بفارغ الصبر المؤتمر الصحافي الذي سيعقده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اليوم الاحد للتحدث حصراً عن موضوع لبنان، فإنّ طلائع الموقف الفرنسي عكست غضبا واضحا بعد اعتذار اديب وتحميل الطبقة السياسية والحزبية تبعة “الخيانة الجماعية” التي لم يميز المصدر القريب من الرئاسة الفرنسية فيها بين هذه القوى، وهو امر يكتسب دلالات سلبية للغاية تجاه الطبقة السياسية اللبنانية. اما الامر الآخر، فهو أي مشهد داخلي سينشأ بعد الاعتذار، وهل سيكون متاحا المضي الى الاستحقاق الدستوري الحكومي مجدداً، وعلى أي مرتكزات وأسس يمكن ان يجري هذا الاستحقاق بعد الانقسامات والتباينات الحادة التي ازدادت بفعل احباط مهمة مصطفى اديب؟

في الواقع، فإنّ اعلان رئيس الجمهورية تمسكه بالمبادرة الفرنسية، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري يثيران التساؤلات الفورية عما اذا كانت ستكون هناك استشارات نيابية ملزمة في قصر بعبدا بسرعة وعدم تباطؤ وعدم استعمال الذرائع التي درج عليها العهد في التريث في تحديد مواعيد الاستشارات كما التساؤل عما سيكون عليه موقف الثنائي الشيعي بعد اعتذار اديب وهل سيتبدل مع شخصية مكلفة أخرى ام سيتبع النمط نفسه؟ اذا كان موقف عون يختلف هنا عن موقف الثنائي الشيعي في المنطلقات والاهداف حيال المبادرة الفرنسية فان هذا التمايز لا يحجب الخطورة الناشئة عن التداعيات الكبيرة التي قد تنشأ عن عدم تمكن القوى اللبنانية من التوافق بسرعة على الشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة الجديدة في ظل اتساع التداعيات المالية والاقتصادية والاجتماعية للازمات القائمة والتي يأتي تفلت السيطرة على انتشار وباء كورونا في كل المناطق اللبنانية ليفاقم الوضع الى اقصى الحدود.

ولعلّ ما زاد سخونة الأجواء تزامن التطورات السياسية المتصلة بالأزمة الحكومية مع اندلاع جولة جديدة من جولات مواجهة القوى الأمنية والعسكرية مع خلايا إرهابية والتي كانت بدأت عقب جريمتي كفتون والبداوي. اذ انه غداة توقيف آخر الرؤوس الكبيرة في خلية التلاوي ومع تقدم التحقيقات مع الموقوفين الثلاثة من الخلية أطبقت القوة الضاربة في شعبة المعلومات على مجموعة من 15 إرهابيا تابعين لهذه الخلية كانوا يتحصنون مختبئين في منزل في بلدة الفارض في وادي خالد ودارت اشتباكات عنيفة بين القوة الأمنية والمجموعة ثم ساندت قوة كبيرة من الجيش والقوة الأمنية واستمرت الاشتباكات حتى ساعات الليل. وتحدّثت المعلومات عن مقتل إرهابيين بتفجير نفسيهما ومقتل ثلاثة بنيران القوى الأمنية ومحاصرة الاخرين وتوقيف مسلحين اثنين.