Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر September 15, 2020
A A A
افتتاحية “النهار”: انقلاب متدحرج على أديب ومبادرة ماكرون!
الكاتب: النهار

كان ينقص اللبنانيين امس في يوم مشدود الى ترقب ما ستحمله الحركة السياسية من تطورات في شأن تشكيل الحكومة العتيدة، ان يصدموا باستشهاد أربعة جنود في الجيش اللبناني في واقعة جديدة من فصول مواجهة الجيش للارهاب وخلاياه في طرابلس. ولكن انفعالات الغضب والحزن التي سادت البلاد مع مراسم تشييع العسكريين الشهداء في مناطق عدة من عكار، لم تحجب أيضا ملامح المخاوف والمحاذير التي تصاعدت بقوة بعد ظهر امس في ظل انكشاف عملية بالغة الخطورة تتمثل في الالتفاف بل الانقلاب على المبادرة الفرنسية التي تشكل الفرصة الأخيرة المتاحة امام لبنان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وفرملة اندفاعات الازمات المتراكمة فيه نحو الانهيار الأكبر. تبدت خطورة مجريات لعبة الالتفاف المتدحرج على مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليس فقط من خلال رفع شعار الميثاقية والتحجج بما سمي حقاً ومكتسباً في الاحتفاظ بحقيبة المال للثنائي الشيعي، وانما أيضا من خلال برنامج جاهز لجولة مشاورات جديدة أعدها قصر بعبدا على عجل كأنما الاستحقاق الحكومي عاد الى نقطة الصفر ومربع البدايات، وهي مؤشرات التقطت باريس خطورتها وأصدرت تحذيرا واضحا للقوى السياسية من التنصل من تعهداتها بتسهيل ولادة سريعة للحكومة. ومع ذلك فان الأخطر الذي لاح في مجريات هذا التطور يتمثل في السعي الى اجهاض تشكيلة حكومة الاختصاصيين المستقلين التي يتمسك بها الرئيس المكلف مصطفى أديب بحيث تطرح تساؤلات خطيرة عما يمكن ان يحدث ان مضت خطة اجهاض هذه التشكيلة وماذا يمكن ان ينشأ من تداعيات خطيرة عنها في قابل الساعات والأيام القليلة المقبلة؟ لقد جرى الترويج لموعد وهمي جديد لإمكان ولادة الحكومة، ولكن بدا واضحا ان دفتر اشتراطات جديدة بدأ عبرها ابتزاز الرئيس المكلف والقوى الداعمة له بدليل ما رشح من معلومات ليل امس عن انه في حال بقيت الشروط والشروط المضادة فان الرئيس المكلف مصطفى أديب قد يتجه الى الاعتذار عن تشكيل الحكومة.
وفي ظل عدم توصل لقاء عون وأديب امس الى أي نتيجة توحي بأن تشكيلة الرئيس المكلف سترى النور مع نهاية مهلة الأسبوعين التي اتفق عليها بين الرئيس الفرنسي والقوى السياسية في قصر صنوبر، رفع شعار التريث بما يوحي بان تشكيلة أديب بدأت تخضع لإعادتها الى “بيت الطاعة ” للتحالف السلطوي الحالي بين العهد والثنائي الشيعي بما يعني ضمنا الانقلاب على المبادرة الفرنسية وإسقاط تشكيلة أديب من خلال محاولة فرض شروط جديدة عليه وإخضاع تشكيلته لمشيئة هذا التحالف بما يعني اجهاض التشكيلة تماما. ولذا شكلت هذه المجريات نذير خطر كبير يترتب عليه أولا رد فعل قد يكون سلبيا للغاية من الجانب الفرنسي، وتاليا ترددات دولية بالغة السلبية أيضا، كما يتعين رصد رد الفعل الذي يمكن ان يلجأ اليه الرئيس المكلف والقوى الداخلية التي رشحته ودعمته وفي مقدمها الرئيس سعد الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين.

 

 

باريس
وإذ نقلت وسائل إعلام محلية ان الرئيس الفرنسي سيتصل بالرئيس المكلف ليطلع منه على آخر التطورات الحكومية، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا ذكرت فيه بان جميع القوى السياسية اللبنانية تحتاج الى الوفاء بتعهداتها بتشكيل حكومة على وجه السرعة. وأشارت الى انه تم تذكير هذه القوى مرارا بضرورة تشكيل حكومة بسرعة لتكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات الأساسية والامر متروك لهذه القوى لترجمة تعهدها الى أفعال دون تأخير وهذه مسؤوليتها.
وكشفت مصادر معنية لـ”النهار” ان المتصلين بالجانب الفرنسي بعد ظهر امس لمسوا تصلبا اكثر من أي وقت سابق لدى باريس في شأن تنفيذ ما اتفق عليه بين الرئيس الفرنسي والمسؤولين والقوى السياسية في لبنان ككل متكامل لا يخضع لاشتراطات وتعديلات. وإذ تفهم الجانب الفرنسي ضروة تمديد المهلة لولادة الحكومة لفترة لا تتجاوز 48 ساعة فانه في المقابل لن يتسامح ابدا ان ثبت لديه ان ثمة اتجاهات الى الإخلال بالتعهدات التي قطعها الافرقاء اللبنانيون. وتخوف المتصلون بالجانب الفرنسي الا يكون الذين يحاولون الالتفاف على تشكيلة أديب والمبادرة الفرنسية مدركين الخطورة التي ستترتب على اجهاض هذه الفرصة واحتمالات تسليط عصا العقوبات على لبنان وعزله في حال المضي في حسابات خاطئة وقاتلة كهذه .

 

 

“مشاورات بعبدا “!
في غضون ذلك يستكمل رئيس الجمهورية ميشال عون مشاوراته اليوم مع رؤساء وممثلي الكتل النيابية في ما بررته أوساط القصر بانه “بهدف المساعدة على حلحلة بعض النقاط العالقة في عملية التأليف”. وهو يلتقي اليوم كلا من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد رعد والنائب طلال ارسلان والنائب هاغوب بقرادونيان.
وأفادت معلومات بعبدا ان رئيس الجمهورية تمنى على الرئيس المكلّف اجراء مشاورات بدوره مع الكتل النيابية والقوى السياسية “اذ انه لا يمكن فرض تشكيلة حكومية لا تحظى بالتوافق الداخلي لتكون قادرة على نيل الثقة وعلى اجراء الاصلاحات المطلوبة والتي تتطلب التفافاً حولها من كل الكتل”.
وأفيد ان عون سأل من التقاهم عن وجهة نظرهم من الملف الحكومي بما يساعد على ايجاد مخرج. ومن الاسئلة التي طرحها الموقف من المداورة لاسيما في الوزارات السيادية وابرزها المال والداخلية، ومن شكل الحكومة وفِي من يسمي الوزراء.
واجرى رئيس الجمهورية اتصالاً هاتفياً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يوفد ممثلاً عن كتلته، للمشاركة في هذه المشاورات. ورجحت مصادر مواكبة للمشاورات ان يزور بري اليوم رئيس الجمهورية للتشاور في كل الملف الحكومي.
وينتظر من هذا اللقاء مع الرئيس بري ومع رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” ان يتبلور الموقف النهائي للثنائي الشيعي اليوم من كل التفاصيل المتعلقة بالتشكيلة الوزارية، وشروطهما للمشاركة لتبنيها او مقاطعتها.
وقد اعتذر عن المشاركة كتلة “القوات اللبنانية” وكتلة “اللقاء الديموقراطي” باعتبار ان كلاً منهما حدد موقفه في الاستشارات السابقة.
وقال النائب هادي ابو الحسن لـ”النهار”: اكيد اننا لا نشارك لأنها مشاورات تخالف الدستور وفيها تجاوز للطائف وللصلاحيات. وتالياً عندما دعا رئيس الجمهورية الى الاستشارات وسمينا الرئيس المكلّف مصطفى اديب اعطينا رأينا كما اعطينا الرئيس المكلّف رأينا في كل التفاصيل في الاستشارات التي اجراها في عين التينة. المطلوب اليوم الخروج من تلك المناورات وان نذهب سريعاً باتجاه حكومة طوارئ تحمل برنامجاً محدداً باصلاحات منبثق من الورقة الفرنسية ضمن مهلة زمنية محددة ولا ضرورة لكل هذه الاجتهادات والتجاوزات. المطلوب تشكيل الحكومة سريعاً قبل ان ندخل في المجهول”.
واضاف ابو الحسن: “نؤكد موقفنا بأن التشكيلة يجب ان تصدر خلال 48 ساعة ولا تحتمل اي تأجيل”.
وكان رئيس الجمهورية باشر مشاوراته بعد ظهر امس مع رؤساء الكتل النيابية فالتقى النائب فريد الخازن ممثلاً ” التكتل الوطني”، النائب أسعد حردان رئيس الكتلة القومية الاجتماعية، النائب فيصل كرامي ممثلاً ” اللقاء التشاوري”، النائب جبران باسيل رئيس ” تكتل لبنان القوي”، والنائب سمير الجسر ممثلاً كتلة المستقبل النيابية.