Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 1, 2020
A A A
“غربلة” المصارف… من يصمد ومن يزول؟
الكاتب: باتريسيا جلاد - نداء الوطن

أما وقد ارتفع منسوب التفاؤل اليوم بُعيد إمكانية الخروج بحكومة حيادية في وقت قريب، فإن منسوب تطبيق التعاميم التي ختم بها “المركزي” الأسبوع المنصرم يزيد بدوره، لا سيما رفع رأس مال المصارف بنسبة 20% تطبيقاً لمستلزمات بازل 3 ولتفادي خروج عدد كبير منها من السوق اللبنانية. أما تلك غير القادرة على تلبية هذا الطلب فسيكون مصيرها التصفية من قبل مصرف لبنان، كيف؟

حارت ودارت حكومة الـ”دياب” لاعتماد خطة الهيركات على الودائع التي تتعدّى قيمتها الـ500 ألف دولار، ولم تفلح.

فغيّر مصرف لبنان صيغة الخطة تلك وأطلق العنان تدريجياً لتطبيق الورقة التي أعدّها وذلك قبيل تشكيل حكومة جديدة، من خلال إصدار أربعة تعاميم أبرزها التعميمان رقم 154 و 567 للمصارف والمؤسسات المالية ولمفوضي المراقبة لإعادة تفعيل نشاط المصارف. فنال الأول ترحيباً تاماً من المصرفيين الذين اعتبروا انه سيجنبنا الهيركات، رغم أنه فرض على أعضاء مجالس إدارة المساهمين والإدارات العليا للمصارف وعملاء البنوك من الأشخاص المعرضين سياسياًPEPs، بفتح حسابات جديدة بنسبة 30% من قيمة المبالغ المحولة الى الخارج التي تفوق الـ500 ألف دولار على أن تجمّد لفترة 5 سنوات. اما المودعون الذين حوّلوا أيضاً بدءاً من 1/7/2017 أو 2018 او 2019 الى الخارج أكثر من 500 الف دولار، فالموسى ستلحقهم ولكن بنسبة أقل وهي 15%.

بالنسبة الى التعميم الثاني، فقد ألزم المصارف بزيادة رؤوس أموالها بنسبة 20% علماً أنه سبق لـ”المركزي” ان طالب بها مراراً منذ نهاية العام 2019 ومدّدها لفترة 6 أشهر إضافية، وإلا ستخرج المتقاعسة منها من السوق وتتمّ تصفيتها من قبل مصرف لبنان، إما ببيع موجوداتها وأصولها لتسديد أموال المودعين أو الدمج على طريقته من دون رضى الأفرقاء.

فلا تنحصر عملية استرجاع نسبة الـ 15% من أموال المودعين أو30% من تحويلات المساهمين من مصرفيين مساهمين فقط، بل من سائر السياسيين الذين استبقوا الثورة وتقييد التحويلات الى الخارج، فأخرجوا أو هرّبوا أموالهم لعلمهم بتدهور الوضع المالي ومعه المصرفي في البلاد.

وبذلك يكون مصرف لبنان ضرب عصفورين بحجر واحد، اولاً استرجع الأموال التي تمّ تهريبها الى الخارج وحفّز الملاءة، وثانياً دخل في عملية غربلة للمصارف لإعادة هيكلة القطاع والإبقاء على “القوي” منها. فمصرف لبنان سيعمد وفق الخطة التي كانت موضوعة الى تقسيم المصارف الى فئتين:

مصارف قابلة للحياة وهي تلك التي رفعت رأسمالها، وأخرى غير قابلة للحياة أي غير القادرة على زيادة رأسمالها، عندها يجمعها مصرف لبنان تحت مظلّة واحدة تحمل تسمية BB أي Bad bank (مصارف سيئة). ما يعطي ثقة للمودعين وأملاً باسترجاع أموالهم كون مصرف لبنان هو المسؤول مباشرة عنها، فيسدّد منها أموال المودعين بعيداً عن الهيركات.

ماذا عن الدمج والإستحواذ؟

وبالنسبة الى سيناريو الدمج والإستحواذ وفق الأصول المتبعة في السابق، فهو صعب تطبيقه بعض الشيء آنياً نظراً الى عدم قدرة المصارف على تحمّل أعباء إضافية خصوصاً في عمليات الشراء علماً أن دمج مصرفين يفرض التوافق بين الفريقين.

وفي هذا السياق يقول الخبير الإقتصادي نسيب غبريل لـ”نداء الوطن” إن “من يقرر الدمج عادة ليست الحكومة، بل ديناميكية الأسواق والمنافسة بين المصارف والوضع الإقتصادي للبلاد والسيولة لدى البنوك. فمجلس إدارة البنك هو الذي يقرّر الإستراتيجية التي سيرسمها ما اذا كان سيسلك طريق الدمج أو التملّك لمصرف آخر أو الخروج من السوق على أن يحظى بموافقة جمعيته العمومية. وتدخل العملية في ما بعد مرحلة التطبيق تحت سلطة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف التي تشرف على العملية”.

الحوافز الداعمة

ويتطلب الدمج حوافز عدة، وفي هذا السياق يقول غبريل، إنه “لدينا في لبنان 47 مصرفاً تجارياً، منهم من يعتبر العدد بالكبير ومنهم لا. وعادة الحوافز التي تتّبع في الأيام العادية تكمن في عدد الفروع المتزايد أو رفع حجم الودائع أو محفظة التسليفات. اليوم لا يوجد حافز لزيادة عدد الفروع، ولا استقطاب للودائع كون محفظة التسليفات لدى البنوك تتضمّن قروضاً متعثّرة خصوصاً في ظلّ الإنكماش الإقتصادي وكارثة 4 آب”.

من هنا وفي ظل انتفاء المعطيات المذكورة آنفاً يوضح غبريل “تسعى المصارف اولاً، الى دمج بعض الفروع الخاصة بها، بعيداً عن عزمها على إجراء عمليات دمج أو شراء مصرف لآخر اذ أن ذلك تترتب عليها تكلفة إضافية، علماً أن زيادة حجم الودائع ليست معياراً لزيادة حجم المصرف”.

أما اليوم وقد حدّد مصرف لبنان الفترة القصوى لتحقيق زيادة رأس مال المصارف وهو شباط 2021 وفق أبعد تقدير، فإن من يستطيع القيام بذلك سيبقى في السوق ومن لا يستطيع تحقيق ذلك سيخرج، عندها يقوم مصرف لبنان بالبحث في إمكانية دمجه مع مصرف آخر أو إعطاء حوافز لمصارف أخرى موجودة في السوق لتملّك أصوله، او يصار الى سحبه من السوق وبيع موجوداته وأصوله وتسديد اموال المودعين.

وهكذا تحصل عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي بطريقة “ممكيجة” أو معدّلة لتلك التي أعدتها الحكومة فيتقلّص العدد وينتصر في معركة الوجود ذلك القادر على زيادة رأسماله. اما ودائع اللبنانيين، فمنهم من سيحصل عليها اذا تمت تصفية المصرف وبيع ممتلكاته…، ومنهم من ستبقى حساباتهم بالعملة الأجنبية حبراً على ورق، بذمّة المصرف يتقاضاها صاحبها بالتقسيط بالليرة اللبنانية حتماً وليس بالدولار.