Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر August 24, 2020
A A A
مسرح الجريمة… يناديهم!
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

استنفد اللبنانيون معجم اللعنات والشتائم والهجاء في حق سلطة وطبقة سياسية لم تتعرض أي سلطة وطبقة مماثلة في العالم لما تعرضتا له حتى الآن من تقبيح وتجريم ومحاكمات على يد رأي عام لو قيّض له ترجمة ثورته لكان علَّق فعلا لا افتراضا المشانق في ساحة الشهداء. بدأ هذا أساسا مع الانهيار المالي والاقتصادي وانفجار انتفاضة 17 تشرين الأول، ولكنه اتخذ بُعده الدراماتيكي الأقصى والاشد تعبيرا عن مآل يأس اللبنانيين بعد انفجار 4 آب الحالي الذي حفر مع انفجار المرفأ المصنف دوليا بانه رابع اقوى انفجار عرفه العالم ما يفوق كل ما تناوب على اللبنانيين من ازمات راكمت لديهم اجيالا كامنة ومتفجرة من اليأس والغضب. لا نستحضر جديدا في كل ما سبق لولا ظاهرة لا تجد مكانا لها طبعا في سلوكيات السلطة التي حققت الرقم القياسي العالمي في حصاد اللعنات، ولم ولن تحرك ساكنا لانها صنعت بنسيج استعصى علينا ان نجد وصفه الموضوعي لا في معاجم العلم السياسي ولا في معاجم الهجاء. نحو 20 يوما مرت على الانفجار المزلزل ولم نرَ مبادرة واحدة من نوع جولة ميدانية تحمل “رزمة” من اشاوس السلطة ورموزها البائدين والمستقتلين على كراسٍ مهترئة يقومون بمعاينة ما افتعلته ايديهم الملعونة الى يوم القيامة. حضرت وتحضر الى “مسرح الجريمة” وفود رئاسية مع ايمانويل ماكرون وديبلوماسية مع ديفيد هيل ووزراء غربيين وبعثات وسفن طبية أوروبية وعربية من كل الجنسيات، وتتهافت الى الجميزة ومارمخايل يوميا عشرات بل مئات الهيئات والبعثات حتى غدت المنطقة اشبه بموئل كوني مصغر تتلاقى فيه احدى اكبر عمليات الإغاثة تعبيرا عن إنسانية لا تزال تقول ان هذا العالم لا يزال يحمل الخير رغم كل النوائب والكوارث من مثل ابتلاء لبنان بهذه السلطة وبمعظم هذه الطبقة السياسية. بعد عشرين يوما على الكارثة المزلزلة يدفع مشهد مسرح الانفجار بالناس الى انفجار اكبر واشد اثارة للحزن والغضب واليأس، ولن نداري في كتم الحقائق. مشهد بيروت مرعب ومخيف وصادم اكثر فاكثر رغم وجود ممثلين لكل رسل الخير والإغاثة من العالم كله. تعرضت بيروت الحديثة الزاهية بعد إعادة إعمارها على يد الرمز الذي اغتيل في المكان الاحب على قلبه الرئيس رفيق الحريري لصدمات إرهابية وتفجيرية بفعل الاغتيالات كما لأحداث امنية خطيرة مثل 7 أيار، كما تعرضت لأسوأ اعتداء حربي مثل بقية المناطق اللبنانية في الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006. مع ذلك فحين تعاين دائرة الدمار والخراب والمشهد المذهل في بيروت الآن فانك حتما امام حقيقة لا تخضع لاي جدل وشك في ان تدمير 4 آب هو الأشد هولا وتدميرا حتى من القاذفات الحربية العدوة. وليست هذه نهاية الخلاصات، فان تتمالك سلطة وطبقة سياسية نفسها وتمتنع عن مواجهة الكارثة ميدانيا ووجاهيا، معناه ان لا موجب لا لتحقيق محلي ولا دولي ولا من يحزنون في انتظار الأحكام السخيفة. هذه السلطة السياسية بكل رموزها ومؤسساتها المتورطة بدرجات تصاعدية في أسوأ ما أصاب لبنان بعد الحرب، لن تجرؤ على مواجهة مسرح جريمتها مهما تفننت في سَوق الحجج والذرائع. ولكن ما فاتها انها احترقت مع ضحاياها والشهداء، والآتي القريب سيثبت ذلك.