Beirut weather 22.99 ° C
تاريخ النشر July 21, 2020
A A A
لا حياد مع العدو
الكاتب: فيرا يمّين

طالعتنا اليوم نغمة قديمة_جديدة وهي نغمة الحياد. قبل الكلام عن الحياد وامكانيات اعتماده عمليا وواقعيا. أطرح السؤال التالي كيف نلتزم “الحياد” ونحن نعاني من لجوء فلسطيني منذ أكثر من نصف قرن ونزوح سوري منذ سنوات ما يجعل خرائط بلداننا متّصلة بأزماتها ومعاناتها وأمورها؟ الى ذلك فإننا اختبرنا الحياد وجرّبناه تحت مسميّات مختلفة منها النأي ومنها الاعلان وماذا حصدنا غير وعود وشروط الى تفجيرات وخروقات وتهديدات خصوصا سنة ٢٠١٢ حيث قُصف الهرمل واحتُلت الجرود وذُبح الجيش واستُهدف الأبرياء بالتفجيرات. على كل ما هو الحياد وهل الذين يهلّلون له بمعظمهم يعرفونه أم أن التهليل موقف من سلاح او هوية؟ تتعدّد تفسيرات الحياد لكن يمكن اختصارها بنوعين: الحياد الإيجابي وهو يعني عدم الانحياز لطرف ضدّ آخر والاستقلالية في القرار وهذا حلم الجميع او المفروض أن يكون كذلك. غير أن تحقيقه بحاجة لمقوّمات أبرزها دولة قادرة غير مهدّدة من عدو غاصب او عدو تكفيري، دولة ذات سيادة لا يحتلّ عدو جزءاً من أرضها ولا ينقّب في مياهها ولا يخترق أجواءها وسماءها طيرانه ولا يستخدم هذه الأجواء منصّة لضرب دولة أخرى. دولة آمنة لديها جيش مجهّز بأحدث السلاح وأقواه. دولة مكتفية تأكل مما تزرع وتلبس مما تنسج. دولة حاضنة لأبنائها فلا طائفية أو مذهبية أو مناطقية أو شخصانية وحينها يكون الحياد الإيجابي قد تمّم مستلزماته الأساسية. وهنا يطرح السؤال نفسه: الدول التي تحثّنا على ترويج او التزام الحياد لماذا لم تدعم جيشنا الذي يقاتل باللحم الحي ويقدّم شهداءه قرابين، جيشنا الذي مُنع من من وجباته اللحم لغلاء سعره، جيشنا الذي غُدر به في البارد وفي عرسال والقاع والذي اختُطف واعتُقل وقُتل على أيدي النصرة وداعش وكل المسميات الأخرى. لماذا لا تدعم اقتصادنا وتحصّن ليرتنا وسياحتنا والمرافق المرتبطة بها اسما وفعلا خصوصا في قطاعي الاستشفاء والتربية والدليل الصرف الذي طال موظفي الجامعة الأميريكية في لبنان. وكلنا موافق على اي دعم من أي جهة او دولة تربطنا بها علاقات. لماذا هذه الدول وهي دول قرار لم تفرض يوماً عل اسرائيل أن تنفّذ قراراً واحدا من قرارات الشرعية الدولية والامم المتحدة في حين نحن ملتزمون محترِمون. حتى حين لجأ اهلنا الى مركز الامم المتحدة في قانا ابان عناقيد الغضب في نيسان ١٩٩٦ استشهدوا في “خيمة الحياد”. اسئلة لا بدّ من إجابات مقنعة وليس انفعالات والا فإن المطروح بتوقيته محلّ تساؤل ولو قال واحدنا لا سبب ولا توقيت بل هو كفر بالفقر والعوز . وهذه خلطة غير موفقة الا اذا كان هذا هو سبب او حجة وحاجة للحصار وشدّ الخناق. والنوع الثاني هو الحياد السلبي الناجم عن الضعف وغياب أيّ قدرة على اتخاذ قرار فيكون الحلّ بالهروب من المشكلات ما يزيدنا غرقا بها وقلقا منها حدّ الاستسلام. وطبعا ليس هذا هو النوع الذي يروّج له لأنه مخزٍ ومهين. هناك دول اختبرت الحياد الإيجابي في الستينات ونجحت ولكن حيادها ارتبط بقدرة وهالة قائدها كمصر مع جمال عبد الناصر او يوغوسلافيا مع تيتو واندونيسيا مع سوكارنو والهند مع نهرو وما كاد يغيب الرجال-القامات حتى انهارت هذه الدول ما خلا تجربة الهند التي تتكىء الى ديمقراطية فعلية وسياسة اكتفاء ذاتي زراعيا وصناعيا. أما التجربة الأبرز والتي نحاول التشبه بها غنائيا من خلال القول : ان لبنان سويسرا الشرق” فانها تجربة استثنائية ووحيدة لاسباب عدة أبرزها ثقافة الحياد التي امتدت لقرنين من الزمن فالاعتراف بها دوليا سنة ١٨١٥ ولم تُنتهك سيادتها لا في الحرب العالمية الاولى ولا في الثانية الى اعتماد جنيف مقرا للامم المتحدة علما ان نصف السويسريين تقريبا عارضوا الدخول الى الامم المتحدة سنة ٢٠٠٢ ما يعزّز ثقافة الحياد. ولكن ما كان لهذا الحياد أن يترسّخ لولا وجود قوة عسكرية رادعة معترف بها دوليا ناهيك عن انها لا تعرف لغة فدراليات الطوائف وحقوق الطوائف وهذه التجربة حاولت دول اوروبية اعتمادها وفشلت وقد تكون بلجيكا ابرزها. وفي عود الى بدء كيف نحيد بأنفسنا ونحن في قلب الصراع بل عفوا الصراع في قلبنا. كيف نحيد ونحن نعاني منذ ١٩٤٨ من لجوء فلسطيني وعمل جدي للتوطين وقد اكتسب ” مشروعية” دولية اليوم بعد اعلان القدس عاصمة “اسرائيل” وقرار ضم الضفة والجولان وغور الاردن والغاء فلسطين عن خرائط مواقع البحث مثل غوغل وغيره. ونعاني منذ ٢٠١١ من نزوح سوري يؤثر على اقتصادنا ويهيء لتغيير ديموغرافي ، ونحن نكابر في معالجة هذا الملف مع دولة تحكمنا بها العلاقة وفق الدستور والجغرافيا من غير ذكر التاريخ وهي بوابتنا الوحيدة للعالم العربي ومنه الى العالم. ونعاني كل يوم من خرق لمزارعنا ومواشينا وأرضنا وجوّنا وسمائنا وسيادتنا وثقافتنا ومطبخنا واعلامنا وكتبنا وفولكلورنا …. كلنا مع الحياد اذا استطعنا تمكين الدولة من أن يكون لها جيش قادر وامن اجتماعي وامن اقتصادي وأمان وحرية، دولة مدنية تقينا التأسيس الدائم لفتن طائفية ومذهبية. ويبقى القول الحياد هو عدم الانحياز لطرف صديق على حساب طرف صديق آخر، أما في موضوع العدو لا حياد بل تطرف الى الحق. وكما ورد في رؤيا يوحنا في الكتاب المقدس: ” أنا عارف أعمالك، انك لست باردا ولا حارا. ليتك كنت باردا او حاراً” ويبقى السؤال من هنا حتى الانتخابات الاميريكية هل تكون ورقة الحياد آخر فصول الحرب الناعمة وحين التسوية من سيدفع الثمن.