Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر May 18, 2020
A A A
الكهرباء: “افتح يا سمسم” بين لبنان و”الصندوق”
الكاتب: رضوان عقيل - النهار

اذا كان اللبنانيون يتابعون بشغف جلسات مجلس الوزراء وما ستحمله من قرارات وخيارات مالية، فإن تركيزهم سيكون منصباّ اكثرعلى مواكبة المفاوضات بين الفريق المالي اللبناني وصندوق النقد الدولي، وثمة اجتماع سيعقد اليوم هو الثالث بين الطرفين. ويرأس بعثة صندوق النقد الأرجنتيني مارتن ساريسولا الذي كانت لبلاده تجربة طويلة مع هذه المؤسسة الدولية. ويحتل ملف الكهرباء صدارة اسئلة المشرفين على المفاوضات من جانب الصندوق، حيث يقومون بتشريح ما ورد في الخطة الانقاذية التي قدمتها الحكومة ويدخلون في تفاصيل بنودها نقطة نقطة، مع ملاحظة التركيز على ضرورة توصّل لبنان الى صفر عجز في قطاع الكهرباء في فترة زمنية محددة بعدما استنزف مالية الخزينة طوال الاعوام الاخيرة. وما يريده الصندوق ليس من باب الفرض بل من زاوية وضع الحكومة خريطة كهربائية واضحة المعالم. ويحتل هذا القطاع الأولوية في المفاوضات على طريقة “افتح يا سمسم”.
ومن المسائل التي جرت مفاتحة لبنان بها مسألة الفائض في موظفي القطاع العام، ولا سيما بعد تأكيد الحكومة وتسليمها بعدم اللجوء الى فتح ابواب التوظيف، الامر الذي سيقلص الموظفين الحاليين بعد توجه أعداد لابأس بها الى التقاعد. وثمة اشارة تلقّاها المفاوض اللبناني، وهي ان لا حاجة الى هذا الكمّ من المؤسسات العامة في الدولة وبعضها غير منتج، ولا تؤمّن مساهمة فعالة في سلّم الانتاج. ولم تتحدث بعثة الصندوق عن تسريح موظفين من القطاع العام، وانما هناك تلميحات الى وجود تخمة في عدد من الوزارات والادارات، وانه في الامكان الاستعانة بهذا الفائض وتشغيله من خلال نقله الى ادارات اخرى. ويلاحظ هنا ان الصندوق لم يفرض حتى الآن املاءات بقدر ما يريد الاستماع الى الجانب اللبناني الذي لا يبدو على قلب واحد حيال الخطة الحكومية، مع مفارقة ان ممثلي وزارة المال والحكومة ورئاسة الجمهورية لا يلتقون مئة في المئة مع ممثلي مصرف لبنان في هذا الشأن، ويظهر هذا الانقسام بوضوح بين أعضاء الفريق اللبناني، ولا سيما ان احد ممثلي المصرف المركزي يشير بطريقة غير مباشرة الى ان مؤسسته ترى انه لم يجرِ احتساب الخسائر كما يجب. ويدور الخلاف هنا حول مقاربة التعامل مع هذه الخسائر وليس مع ارقامها. وستبرز هذه الفجوة اكثر عند مشاركة الحاكم رياض سلامة في اجتماع اليوم، وسيظهر هذا التباعد اكثر بين اعضاء الفريق اللبناني الذي من المفترض ان يعقد جلسة تحضيرية برئاسة وزير المال غازي وزني بغية تقويم الاجتماع السابق وتحضير الردود والاحصاءات والارقام المناسبة بعد تلقيه جدول بنود كل اجتماع، والا سيظهر لبنان بأجنحة مالية منقسمة امام الصندوق في مشهد لا مثيل له في اي من البلدان التي تفاوضت واستعانت بمساعدة مؤسسة عالمية في حجم صندوق النقد الذي سيستمع الى مدرستين اقتصاديتين مطروحتين قي لبنان!
وتقول مصادر مشاركة في الاجتماعات ان كل المسائل لن تتوضح مع الصندوق قبل عقد ما لا يقل عن 50 جلسة نظراً الى حجم المواضيع المطروحة وضرورة الخوض في تفاصيلها. ولن تقتصر جلسات بعثة الصندوق على الفريق الحكومي فحسب، بل ستقف على آراء جمعية المصارف بغية الاستفسار والتدقيق في “الصحة المالية” لكل مصرف وتشريح قدراته المالية وودائعه. وتكمن الخطورة في حال استمرار الانقسامات والاختلافات بين الجهات اللبنانية المعنية بالمفاوضات مع صندوق النقد، وفي حال استفحالها ان يحجم الاخير عن تقديم الارقام التي تطمح الحكومة الى الحصول عليها لتنفيذ خطتها. وفي موازاة الاتصالات المفتوحة مع الصندوق، يحكى الكثير في وسائل الاعلام عن ان ادارة الصندوق ستربط موافقتها بتقديم القروض للدولة اللبنانية بالسير بجملة من المسائل السياسية والتزام الحكومة تطبيق قرارات دولية صادرة عن مجلس الامن وتخص لبنان.
وتعلق مصادر لبنانية مشاركة في المفاوضات بانها لا تتوقع إقدام الفريق التقني المكلف من الصندوق اجراء هذه الاتصالات على التطرق الى شؤون سياسية تتعلق بلبنان من نوع البت بترسيم الحدود البحرية والبرية مع اسرائيل ووضع قوات من “اليونفيل” على الحدود اللبنانية مع سوريا. ولا تستبعد المصادر ان يُطلب من لبنان مثل هذه الامور على مستوى المسؤولين مقابل تجاوب الصندوق اكثر مع الورقة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة والتي تشدد على الحصول على قبول الصندوق وموافقته.
وفي الرد على تساؤلات من هذا النوع، تفيد جهات لبنانية مسؤولة ورفيعة المستوى بانه في حال مفاتحة لبنان بمثل هذه المواضيع سيكون الرد بأن لا تنازل عن سيادة لبنان وثرواته، ولن تحصل اي تنازلات خدمة لإسرائيل وغيرها او الموافقة على الالتزام بأي شروط مسبقة من فوق الطاولة او تحتها. لكنها في المقابل لا تمانع في تدخل الصندوق في قطاع الكهرباء وغيره من القطاعات من أجل منع الهدر الحاصل. وتنتظر الحكومة مسؤولية كبيرة في مقاربة التعاطي مع معملَي الزهراني ودير عمار على ان تتم هذه العملية وفق مناقصات شفافة لا غبار عليها. وعند تلمّس صندوق النقد حصول اي شبهات او اي “دعسة ناقصة” في هذا القطاع، فسيستعمل “فرامله” ولن يساهم في تقديم اي قرض او دعم مالي للبنان.