Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر April 29, 2020
A A A
استخدموا القمامة للبناء.. بقايا أثرية تثبت أن الرومان اخترعوا إعادة التدوير
الكاتب: عربي بوست

ما زالت مدينة بومبي الرومانية الأثرية تكشف المزيد عن أسرار ساكنيها الأثرياء، تلك المدينة التي شيدت لنخبة الرومان احتضنت أسلوب حياة يلبي جميع الشهوات لم يعرفه عامة الشعب.
إذ تبين أن الرومان اخترعوا إعادة تدوير القمامة، علماً أنهم سبقوا زمانهم جداً في التهوية تحت الأرضية والقنوات المائية واستخدام الخرسانة ضمن مواد البناء.
وبومبي مدينة إيطالية أثرية مدفونة تحت غطاء سميك من الرماد البركاني حين انفجر بركان فيسوفيوس عام 79 ميلادياً، وأدى اندلاع البركان إلى ردمها مع مدن مجاورة تحت ما يقرب من 6 أمتار من الرماد.
ولأنها دفنت تحت هذا الكم الهائل من الرماد الجاف تمكنت المدينة من الحفاظ على معالمها التي جمَّدها الزمن نحو ألفي عام.
بل تم العثور على جثث قاطنيها بالوضعيات التي ماتوا عليها، وهو ما قدم لمحة بصرية قوية عما حل بتلك المدينة في آخر يوم من حياة ساكنيها.
اكتشف العلماء أن أكوام النفايات الهائلة التي أُلقيت ظاهرياً خارج أسوار المدينة كانت في حقيقة الأمر “أراضي تحضيرية لدورات من الاستخدام وإعادة الاستخدام”.
وقالت الأكاديمة الأميركية المنضمة إلى فريق البحث الكبير العامل في بومبي أليسون إيمرسون، إن النفايات المذكورة كانت مكوّمةً بمحاذاة السور الخارجي شمالي المدينة بأكمله تقريباً، إلى جانب مواقع أخرى.
وبلغ ارتفاع بعض الأكوام عدة أمتار، وكان من بينها قطع سيراميك وكلس يمكن إعادة تدويرها واستخدامها لتكون مواد بناء.
وأوضحت أليسون لصحيفة The Guardian أنه كان يُعتقد في السابق أن هذه الأكوام قد تشكَّلت حين ضرب زلزال المدينة قبل انفجار البركان بنحو 17 عاماً. وقد عُثر على معظمها في أواسط القرن العشرين، لكن ما زال بعضها يُكتشَف حتى يومنا هذا.
وبيَّنت تحليلات علمية أن بعض النفايات من مواقع المدينة كانت تذهب إلى مستودعات في الضواحي، تشبه مكبات النفايات الحديثة، ثم تعود إلى المدينة لتُستخدم المواد في تشييد المباني، كالأرضيات الطينية، ليؤكد العلماء أن الرومان اخترعوا إعادة التدوير.
وقد درست أليسون إيمرسون أساليب بناء المدينة العتيقة، بمعاونة عالمَي الآثار ستيفن إيليس وكيفن دايكوس، اللذين شاركا بعمليات التنقيب.
وصرَّحت أليسون: “وجدنا أن جزءاً من المدينة كان مبنياً من القمامة. لم تكن الأكوام خارج الأسوار مواد أُلقي بها بهدف التخلص منها، بل كانت تُجمع خارج الأسوار وتُصنَّف لكي يُعاد بيعها داخل الأسوار”.
كانت بومبي مدينة من الفيلَّات الأنيقة والمباني العامة الجميلة، والميادين المفتوحة، والورش الحرفية، والحانات، وبيوت الدعارة، والحمَّامات. واحتوت على مدرَّجٍ كان يستضيف مباريات المصارعين أمام جمهور يصل إلى 20 ألف فرد.
ولمَّا “انتشر عبر الأرض” رماد فيسوفيوس البركاني -كما كتب أحد الشهود- مغطِّياً المدينة بالظلام، مات ما لا يقل عن ألفَي شخص.
وفي عام 1748، عثرت مجموعة من المستكشفين على المدينة التي تكاد تكون حُفظت بأكملها تحت غطاء متيبِّس من الرماد وأحجار الخفَّاف.
حتى إن علماء آثار قد اكتشفوا في وقت لاحق رغيف خبز محفوظاً بها
في عام 1748، عثرت مجموعة من المستكشفين على المدينة التي تكاد تكون حُفظت بأكملها تحت غطاء متيبِّس من الرماد.
تُعتبر بومبي الآن من مواقع التراث العالمي لدى منظمة يونسكو، وتجذب -في الأوقات الطبيعية- 2.5 مليون زائر سنوياً.
كان يقطنها نحو 11 ألف نسمة، سكن بعضهم في قصورة مزخرفة ومشيدة وفق تصميمات أذهبت المؤرخين.
كما اكتشفوا الأثاث الفاخر الذي استخدمه الأثرياء في تلك الفترة إلى جانب المنحوتات والأعمال الفنية.
وكان من اللافت اللوحات المصورة ذات الطابع الإباحي، والتي قدَّمت لمحة عن طبيعة الحياة آنذاك، وتُعرض هذه اللوحات في متحف إيطالي يمنع فيه دخول الصغار.
ناهيك عن الرسومات على الجدران التي عثر عليها في بيوت الدعارة المنتشرة في المدينة، والتي قد يتكون بعضها من 10 غرف.
وقد استعملت أليسون وزملاؤها عيِّنات تربة لتتبُّع حركة القمامة عبر أنحاء المدينة.
وقالت: “التربة التي نستخرجها تختلف بناءً على الموقع الذي تُركت فيه القمامة بالأصل”.
وتابعت: “فالقمامة الملقاة في أماكن مثل المراحيض أو المزبلات تترك وراءها تربة عضوية غنية. وعلى النقيض، فإن النفايات المتراكمة على مدار الوقت في الشوارع أو في أكوام خارج حدود المدينة تنتج عنها تربة أعلى رملية بكثير”.
وأكملت: “يسمح لنا التفريق بين أنواع التربة بأن نرى ما إذا كانت القمامة قد تكوَّنت في الموقع الذي وُجدت فيه، أم جُمعت من أماكن أخرى بغية إعادة استخدامها وتدويرها”.
على سبيل المثال، احتوت بعض الأسوار على مواد معاد استخدامها كقطع بلاط وقوارير مكسورة، وكتل ملاط وجبس.
وعلى حد قول أليسون، فإن “معظم تلك الأسوار تلقت طبقة نهائية من الجبس، لإخفاء خليط المواد العشوائي بداخلها”.
وأردفت: “كانت الفكرة القائمة أن كل هذه القمامة قد نتجت عن ذلك الزلزال، وتتكوَّن من حطام أُزيح من المدينة وأُلقي به خارج السور لإبعاده عن الحياة اليومية. وبينما كنت أعمل خارج حدود بومبي رأيت أن المدينة كانت تمتدُّ إلى أحياء مطوَّرة خارج الأسوار… لذا لم يكن من المنطقي في نظري أن هذه الضواحي كانت تُستخدم هي الأخرى كمكبات للنفايات”.
أضافت أن الأساليب الحديثة لإدارة النفايات تركِّز على إزالة القمامة من حياتنا اليومية، “وفي الأغلب لا نهتم بما يحدث لقمامتنا ما دامت تُبعد عنَّا. ما وجدته في بومبي هو أولوية مختلفة تماماً، إذ كانت تلك النفايات تُجمع وتُصنَّف لإعادة تدويرها”.
واستطردت: “كان أهل بومبي يعيشون على مقربة من قمامتهم، وهو ما لم يكن ليقبل به معظمنا، ليس لأن المدينة كانت تفتقر إلى البنية التحتية والاهتمام بإدارة النفايات، بل لأن أنظمتهم للإدارة الحضرية كانت مرتكزةً على مبادئ مختلفة”.
واختتمت تصريحاتها قائلةً: “لهذه النقطة أهمية بالنسبة إلى أزمة القمامة العصرية. وقد طبَّقت الدول الأكفأ في إدارة نفاياتها نسخةً ما من النموذج القديم، إذ تعطي الأولوية لتحويلها إلى سلع بدلاً من مجرد إزالتها”.