Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر April 6, 2020
A A A
صغار المودعين براء من “التعميم 148”
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

ما زال تعميم مصرف لبنان رقم 148 يتتابع فصولاً. فالتعميم الذي حرر نظرياً 61.8 في المئة من الحسابات التي تتدنى عن 3 آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة، من بين قضبان المصارف، أغفل الإشارة الى النسبة الحقيقية التي ستستفيد فعلياً من القرار، ومتجاهلاً وضع آلياته التطبيقية في ظل “كورونا” وإقفال المصارف.
فرحة المودع “الصغير” كريم، الذي ينطبق عليه شرط التعميم لم تصل إلى القلب. مثله مثل مليون و715 الف مواطن لبناني يملك كريم في أحد المصارف حساباً بسيطاً “يصمّد” به ما يفضل من راتبه بالدولار الأميركي. إلا انه بعد ان دأب منذ 17 تشرين على التوجه اسبوعياً إلى فرع مصرفه في شارع “الحمرا”، لسحب ما يتوفر من دولار، بسبب تراجع الثقة، انخفض حسابه من 8 آلاف دولار الى حدود الـ 2900 دولار اليوم. إقتراب “الفرج” بالحصول على بقية المبلغ دفعة واحدة ومن دون الإضطرار الى الإنتظار ساعات للحصول على 200 دولار هزيلة، قابله حمل كريم لبطاقة اعتماد credit card بقيمة 2500 دولار، “كنت تاركها لوقت الحشرة”، يقول كريم، ويضيف “كل الذي سأستطيع الحصول عليه هو 400 دولار وإقفال للحساب”.
حصة “الموطّنة” أكبر
فات التعميم الذي فصّل عدد الأشخاص الذين تتدنى ودائعهم عن 3 آلاف دولار، وتحديد نسبتهم بدقة بالغة، الإشارة إلى عدد الذين سيستفيدون منه فعلياً، وحصة الرواتب الموطنة، وحسابات دفع الفواتير، سواء كانت بالليرة أو بالدولار في هذه الحسابات. هذا التحديد من شأنه بحسب أحد المحامين المصرفيين “الحسم ما إذا كان التعميم نافعاً أم مجرد ذر للرماد في العيون”.
من هم صغار المودعين؟
القنبلة التي فجرها التعميم “بتخليص حسابات صغار المودعين” كانت صوتية. فـ “صغار المودعين كانوا الأشخاص الذين لا تقل حساباتهم عن 100 مليون ليرة، عندما كان سعر الصرف مقابل الدولار يساوي 1500 ليرة. أما اليوم ومع وصول سعر الصرف إلى 3000 ليرة فان صغار المودعين هم من لديهم 200 مليون ليرة”، يقول الخبير الاقتصادي والمالي جهاد الحكيم.
رقم المئة مليون ليرة الذي كان وجهة نظر شخصية أطلقها حكيم عندما انخفض سعر الصرف إلى 1600 ليرة، سرعان ما تبنتها الدولة من خلال إقرار قانون “رفع سقف ضمان الودائع”، من 5 مليون ليرة إلى 75 مليون ليرة لبنانية.
عضو لجنة المال والموازنة النائب ياسين جابر علّل أهمية القانون آنذاك بقوله انه “في حال تعثّر مصرف ما، تضمن “المؤسسة” لصغار المودعين استرجاع ودائعهم بمبلغ 75 مليون ليرة”. من هنا فان السلطة التشريعية أقرت ان صغار المودعين هم من يملكون 75 مليون ليرة.
لا احد مستفيد
في الحقيقة أن عدد الحسابات وليس المودعين التي تقل عن 3 آلاف دولار أو 5 ملايين ليرة، والتي تشكل 61.8 في المئة من أعداد الحسابات، هي في معظمها إما حسابات توطين للرواتب، لا يشملها القرار، وإما حسابات توطين لفواتير الماء والكهرباء والهاتف وغيره، وقد راجت هذه الظاهرة بشكل كبير أخيراً، لن تستفيد بدورها من هذا التعميم. ما يؤكد هذا الواقع هو ان هناك الكثير من المصارف العاملة في لبنان تشترط وجود مبلغ لا يقل عن 5 آلاف دولار من أجل فتح حساب وإعطاء دفتر توفير.
إذا استثنينا الحسابات المكشوفة والرواتب الموطنة وحسابات دفع الفواتير ومن لديه قروض أو بطاقات اعتماد من الشريحة المعنية بتعميم المركزي رقم 148، فان النسبة المتبقية من الحسابات النظيفة لن تكون كبيرة وقد لا تتعدى الـ 20 في المئة.
لكن حتى بالنسبة لهؤلاء، فإن تطبيق التعميم سيعترضه الكثير من المشاكل “التقنية”، حتى أجل غير مسمى، للحصول على حقوقهم. فأغلبية فروع المصارف مقفلة، والمفتوحة منها لا تستقبل الزبائن انما تنظم بعض العمليات المحدودة جداً.
بالمقارنة مع حجم الودائع الذي يبلغ اليوم 148.9 مليار دولار فان كلفة إغلاق كل الحسابات التي تتدنى عن 3 آلاف دولار و5 ملايين ليرة، لن تتجاوز 344 مليون دولار ستدفع بالليرة اللبنانية. وبالتالي اذا سلمنا جدلاً ان أصحاب هذه الحسابات سيعمدون جميعهم إلى اقفالها، فهي لن تقدم ولن تؤخر على الإقتصاد الفعلي، لا بل سيأكل التضخم قيمة الأموال ويترك الجميع إما معدومين، وإما معسّرين ومجردين من كل التسهيلات التي كانت المصارف تقدمها لهم.